الطموح المغربى.. يكسب

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

 

السعادة التى غمرتنى وغمرت عشاق الكرة فى مصر بفضل شباب المغاربة «تحت عشرين عامًا» فى بطولة كأس العالم لكرة القدم، التى أقيمت مؤخرًا فى تشيلى، ليست فقط بسبب انتزاع البطولة من بين أنياب القوى العظمى فى اللعبة، ولكن لأنهم انتصروا للأمل، للطموح فى وطننا العربى، الذى يعانى من مشكلات داخلية وفقدان شرائح كثيرة من مواطنيه الثقة فى المستقبل. 

تفوّق شباب المغرب لأنهم يعرفون أن شعبهم فى حاجة إلى انتصار من هذا النوع، وفى هذا التوقيت. هزيمتهم للأرجنتين فى النهائى، الذى أقيم فجر أمس الإثنين، تأتى بعد أداء بطولى للأسود طيلة المسابقة، إذ أطاحوا بمنتخبات كبيرة بقامة إسبانيا، بطلة عام ١٩٩٩، والبرازيل، ثانية المنتخبات الأكثر تتويجًا باللقب «٥» فى دور المجموعات، ثم كوريا الجنوبية فى ثُمن النهائى، والولايات المتحدة فى ربع النهائى، وفرنسا، بطلة ٢٠١٣، فى الدور نصف النهائى. 

لعبوا مباراة عظيمة فى النهائى أمام الأرجنتين، صاحبة التاريخ والإنجاز والخيال الخلّاق فى اللعبة. مدربهم الوطنى محمد وهبى قال فى المؤتمر الصحفى الذى أعقب المباراة النهائية إن التفوق المغربى سببه البنيات التحتية النموذجية التى كانت وراء بروز جيل من المواهب التى حملت مشعل كرة القدم المغربية، مشيرًا إلى أن «التتويج باللقب العالمى يعد ثمرة طبيعية لكل هذه الجهود المبذولة على مدى سنوات طويلة، وأنا فخور بهذا الإنجاز الذى سيبقى خالدًا فى ذاكرة كرة القدم». 

ولا يختزل إنجاز كرة القدم المغربية فى الفوز باللقب التاريخى فحسب، بل يمتد ليعبّر عن تتويج لمسار طويل من الإصلاح البنيوى القائم على تكوين عصرى ورؤية استشرافية تقودها أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التى أصبحت اليوم مشتلًا حقيقيًا للمواهب ورافدًا أساسيًا يمد المنتخبات الوطنية بعناصر شابة مؤهلة للمنافسة فى أعلى المستويات القارية والدولية. 

كرة القدم فى المغرب لها شعبية كبيرة جدًا، وأصبحت أيضًا مصدرًا للدخل القومى بسبب احتراف أعداد كبيرة من اللاعبين فى العالم كله، وتديرها وتشرف عليها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ويعتبر المنتخب المغربى أول منتخب إفريقى وعربى يتأهل إلى الدور الثانى من كأس العالم، وذلك سنة ١٩٨٦ بالمكسيك، وأول منتخب إفريقى وعربى كذلك يتأهل إلى نصف نهائى كأس العالم، وذلك سنة ٢٠٢٢ بقطر، وقد شارك فى ست مناسبات لكأس العالم «١٩٧٠ فى المكسيك، ١٩٨٦ فى المكسيك، ١٩٩٤ فى الولايات المتحدة، ١٩٩٨ فى فرنسا، ٢٠١٨ فى روسيا، ٢٠٢٢ فى قطر»، وتُوج بكأس الأمم الإفريقية مرة واحدة سنة ١٩٧٦، وبطولة أمم إفريقيا للمحليين مرتين ٢٠١٨، و٢٠٢٠. 

الاهتمام بالبطولة دفع المغاربة إلى إقامة جسر جوى خاص لتمكين الجماهير من السفر إلى العاصمة التشيلية سانتياجو، من أجل حضور المباراة النهائية ومساندة الأسود فى موقعة الختام، ووقف جمهور تشيلى مع المنتخب المغربى أيضًا وسانده لأنه اقتنع بطموحه، الإنجاز الكبير هو إنجاز يفخر به العرب، «الرسميون هناك يعتبرونه إفريقيًا فقط!»؛ لأنها أول بطولة لهم فى تاريخ اللعبة، وإنجاز إفريقى أيضًا كثانى بطولة بعد اقتناص غانا لها من قبل. 

«وهبى» قال بعد الفوز المستحق على الأرجنتين فى المباراة النهائية: «نحن نكتب التاريخ، والانتصار على الأرجنتين والتتويج بكأس العالم يشكلان امتدادًا طبيعيًا لما حققته كرة القدم المغربية خلال السنوات الأخيرة، سواء فى مونديال قطر أو مع منتخبات مختلف الفئات السنية». وقال ملك المغرب فى برقيته بعد الفوز الكبير: «إننا لنشيد بهذا التألق الرياضى الذى جاء ثمرة مباركة لثقتكم العالية بالنفس، ولإيمانكم الراسخ بقدراتكم ومهاراتكم، ولما أبنتم عنه من روح التلاحم والانسجام، وأداء احترافى رائع طيلة أطوار هذه البطولة، حيث شرفتم بلدكم وشبابه أيّما تشريف، ومثلتموه وقارتنا الإفريقية خير تمثيل». 

الفرح بفوز المغرب بالبطولة ينبغى أن يكون ملهمًا لنا، لأن شبابنا قادر أيضًا على تكرار هذا الإنجاز، بشرط تغليب المصلحة العامة على المجاملات، وتوزيع المناصب الكروية على محدودى الكفاءة والموهبة، بشرط وجود ملاعب مجانية يرتجل فيها الصغار مواهبهم، بشرط تنقية الإعلام الرياضى من مثيرى الفتن فى الشارع. كرة القدم فى مصر واعدة ولا تحتاج الى معجزة لكى تنهض وتشرفنا فى المحافل الدلية، هى محتاجة فقط إلى العلم وحسن اختيار الكفاءات، وعدم توريث الأبناء. المغاربة نجحوا، ولا نستبعد ظهور كرامات لهم فى المستقبل القريب، وسنكون سعداء بنجاحاتهم، لأن سعادة الشعب المغربى من سعادتنا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق