بعد إعلان انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، وضعت الإدارة الانتقالية في دمشق نفسها في عدة مآزق، أبرزها تحريض داعش ضدها، إلى جانب تشكيك حلفاء الحكومة من التنظيمات المسلحة المختلفة، خاصة وأن هيئة تحرير الشام التي سيطرت على السلطة في سوريا كانت قد ألقت القبض على قيادات وخلايا تابعة لتنظيمات أخرى أبرزها تنظيم "حراس الدين" الذي أعلن عن حل نفسه بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
وأثار انضمام الرئيس السوري أحمد الشرع إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، منتصف نوفمبر الجاري، التكهنات عن مدى العلاقات السرية التي جمعت بينه وبين قوات التحالف قل وصوله إلى السلطة في دمشق، وهو ما جعل الرئاسة السورية تخرج لنفي أي علاقة بين الرئيس الشرع وبين التحالف الدولي أثناء مرحلة القتال ضد النظام السابق.
وقالت مديرية الإعلام في الرئاسة السورية إن المعلومات التي وردت في بعض التقارير الصحفية عن وجود تعاون بين الشرع وبين التحالف الدولي غير صحيحة، ونفت وجود أي تعاون بين الشرع وبين التحالف منذ العام 2016.
داعش تعلن القتال ضد الإدارة الانتقالية
وهاجم التنظيم الإرهابي الحكومة الانتقالية في دمشق، وخاصة زيارة الشرع إلى واشنطن، مؤكدا وفق لصحيفته "النبأ"، أن الشرع غير انتمائه الجهادي السلفي كي ينتمي إلى الدول الغربية، كما شبهوه بأنه أتاتورك جديد، وشبهوه أيضا بالدليل الذي قاد جيش أبرهة إلى هدم الكعبة، في إشارة إلى التعاون ما بين الشرع وبين ترمب في الحرب ضد التنظيم الإرهابي.
وعلق التنظيم في افتتاحية صحيفته، على مشاهد لعب الكرة بين الرئيس الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني مع مجموعة من القادة العسكريين الأمريكيين، وتساءل التنظيم الإرهابي: "فيا ترى في شباك أي خصم سيحرزون الأهداف؟ ولمصلحة أي فريق سيلعبون؟".
وجدد التنظيم الإرهابي دعوته بضرورة الانضمام إلى راية "داعش"، وخاصة دعوته للمسلحين المتحالفين مع الشرع، قائلا: "إن راية الجهاد التي رفعتها الدولة الإسلامية (داعش) لم تزل كما نشأت صافية نقية، لم تتلوث بما تلوثت به الرايات العمية والجاهلية حولكم، فلوذوا بها وكثروا سوادها وانضووا تحتها قبل فوات الأوان، ولا تكرروا الخطأ مرتين".
محاولات كسب الشرعية الخارجية
وعلى الرغم من أن الخطوة السورية باتجاه التنسيق مع التحالف الدولي أثارت الجدل كثيرا بين حلفاء الشرع بالأمس، وأثارت حفيظة تنظيم داعش للتحريض ضد النظام الحالي وإعلان القتال ضده، فإن الخطوة تمثل مرحلة مهمة في انخراط سوريا الجديدة داخل المجتمع الدولي التي انعزلت عنه لسنوات طويلة.
وبحسب تقرير للمركز الأوربي لدراسات مكافحة الإرهاب فإن المشاركة في التحالف الدولي تمثل فرصة لسوريا لإعادة تأكيد دورها الإقليمي والدولي.
وبعد سنوات من النزاع الداخلي والحرب الأهلية، تسعى دمشق لاستعادة الشرعية السياسية على الساحة الدولية، وتجاوز صورة الدولة المنعزلة. من خلال الانخراط في جهود مكافحة الإرهاب، يمكن لسوريا تحسين علاقاتها مع بعض الدول الغربية والعربية، وربما الحصول على دعم دبلوماسي واقتصادي يخفف من آثار العقوبات المفروضة عليها.
وفي السياق؛ فإن عدد من الأصوات السورية شددت على أن تتقدم الحكومة السورية في تحقيق خطوات فعالة في كسب الشرعية الداخلية، وذلك من خلال عدم تأجيج الصراعات الطائفية، والعمل على دمج المكونات المختلفة في سوريا الجديدة.
واشنطن تؤكد على تحقيق الاستقرار بالحرب على داعش
وفي الوقت الذي انضمت فيه سوريا للتحالف ضد "داعش"، فإن واشنطن أكدت دورها في مساعدة الشركاء المحليين في مواجهة داعش يعدة طرق منها المشورة والمساعدة والتمكين، حيث أكدت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) أنها نجحت في تنفيذ أكثر من 22 عملية أمنية ضد تنظيم داعش الإرهابي بالتعاون مع شركائها المحليين في سوريا خلال الشهر الماضي. ما قلل من قدرة الجماعة الإرهابية على شن عمليات محلية وتصدير العنف إلى جميع أنحاء العالم.
ووفقًا لبيان صادر عن "القيادة المركزية"، قبل أيام؛ فإن القوات قدمت المشورة والمساعدة والتمكين لأكثر من 22 عملية ضد تنظيم داعش مع شركائها في سوريا، خلال الفترة من الأول من أكتوبر الماضي وحتى السادس من شهر نوفمبر الجاري، حيث قامت قوة المهام المشتركة - عملية العزم الصلب (CJTF-OIR) بتنفيذ العمليات بالتنسيق مع شركاء سوريين، مما أسفر عن مقتل 5 من عناصر داعش، وأسر 19 آخرين.
وصرح الأدميرال براد كوبر؛ قائد القيادة المركزية الأمريكية: "إن نجاحنا في مواجهة تهديد داعش في سوريا إنجازٌ بارز. سنواصل ملاحقة فلول داعش بشراسة في سوريا، بالتزامن مع العمل مع التحالف الدولي ضد داعش لضمان استمرار المكاسب التي تحققت ضد التنظيم في العراق وسوريا، ومنع داعش من تجديد نشاطه أو تصدير هجماته الإرهابية إلى دول أخرى".
وشجّع "كوبر" خلال مؤتمر للأمم المتحدة عُقد خلال شهر سبتمبر الماضي، أعضاء التحالف على مضاعفة جهودهم في حرمان داعش من فرصة العودة إلى الظهور من خلال تسريع عودة المعتقلين والنازحين في شمال شرق سوريا إلى بلدانهم الأصلية.
كما تدعو الولايات المتحدة الدول إلى دعم الاحتجاز المسؤول والآمن لمعتقلي داعش في شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى إعادتهم إلى أوطانهم للمعالجة القضائية المناسبة في بلدانهم الأصلية.
وخلال مراحل الذروة عام 2019، استضافت مخيمات النازحين في الهول وروج 70 ألف شخص. أما اليوم، فقد انخفض العدد إلى أقل من 30 ألفًا. وتُقلل الإعادة إلى الوطن من فرص نفوذ المتطرفين، وخاصة بين النساء والأطفال المعرضين للخطر.
وفي السياق، قال كوبر: "إن إعادة الفئات المستضعفة قبل تطرفها ليست عملية عطف بل هي ضربة قاصمة لقدرة داعش على التجدد". وأضاف: "ستواصل الولايات المتحدة دعم التحالف وجميع الدول الملتزمة بإعادة مواطنيها إلى أوطانهم".
وهكذا فإن الخطوة السورية تجاه التنسيق مع التحالف الدولي تعد خطوة مهمة في سبيل الانخراط في المجتمع الدولي وعدم الانعزال عنه، إلى جانب تحقيق الشرعية الخارجية، فيما تنتظر أطراف سورية أن تتخذ الحكومة الانتقالية خطوات جادة في تحقيق الاستقرار الداخلي، فضلا عن غضب التنظيم الإرهابي الذي بات يهدد الحكومة ويسعى للانتقام.












0 تعليق