كأي صحفي يدرك عمرو الديب أن الصدمة هي أكثر طريق لإثارة انتباه من أمامه، تعود أن يصدم جمهوره بآرائه السياسية، وتحليلاته البرلمانية، وأسئلته المحرجة التي يطرحها على النواب من خلال لقائه بهم على منصات السوشيال ميديا في موقع "تحيا مصر".
لكن رئيس التحرير هذه المرة وجد نفسه على مقعد الضيف في "هلا بودكاست" في مواجهة مباشرة مع الإعلامية د. أسماء البطريق، التي طرحت عليه أسئلة مفخخة، لتقتصر مهمته على تفجير الألغام دون أن يصاب بأذى.
نجحت د. أسماء في أن تنتزع من الديب إجابات يتغلب فيها الصدق على الحكمة، وتنتصر فيها الجرأة على الحياد، وتتفوق فيها الصراحة على الدبلوماسية، ويفرض فيها البوح والتداعي الحر شروطه على الجلسة.
لسه في عندكم تار؟
يبدو أن لهجة عمرو الصعيدية أغرت د. أسماء بإلقاء السؤال الذي كان يمكن أن يتفادى رئيس تحرير تحيا مصر الرد عليه بإجابة مقتضبة وينتهي الأمر، إلا أن اعتناق الديب لأسلوب الصدمة جعله يهديها أكثر من الإجابة التي تتمناها.
كأي صعيدي أصيل يحفظ عمرو كتاب الموروثات في الصعيد، فلم يكتفِ بالتأكيد على انخفاض معدل حوادث الثأر في السنوات الأخيرة مقارنة بالماضي، بل تطرق إلى فلسفة الثأر في الصعيد، وهو يوضح لـ د. أسماء أنه لا يرتبط بالفقر أو الثراء، ولا يتحكم فيه درجة التعليم، بدليل أن أستاذ الجامعة في الصعيد لا يفرط في الأخذ بالثأر.
"اللي ليه دم مينمش". بهذا المثل الصعيدي يدلل الديب على أهمية الثأر في المجتمع الجنوبي، قبل أن يتهم المرأة هناك بأنها السبب الرئيسي في استمرار تلك العادة التي يتوارثها الأجيال جيلاً بعد آخر.
ليكم نفس تاكلوا واللي قتل أبوكم عايش؟
"99% من أسباب استمرار عادة الثأر يمكن اختصارها في المرأة" يؤكد عمرو، قبل أن يشرح بلهجته الأسيوطية المميزة "الواحد يتقبض عليه، ويدخل السجن، ويقعد فيه 25 سنة، وبمجرد ما يطلع الست اللي في البيت تقعد طول الوقت تعاير في عيالها، تحط لهم الأكل، وهي بترزع الأطباق وتصرخ فيهم: اطفحوا.. انتوا ليكم نفس تاكلوا واللي قتل أبوكم، أو اللي قتل أخوكم عايش؟.. انت ليك نفس تقول أتجوز؟.. انت ليك نفس إنك تعيش؟.. لغاية ما تخرج ابنها عن شعوره، ويبقى ما قداموش غير حاجتين: يقتل أمه وده ما يصحش أبداً عندنا.. يا إما ياخد بتاره، فـ بيروح ياخد بتاره".
يعود الديب ليؤكد أن انخفاض جرائم الثأر في السنوات الأخيرة جاء بفضل القبضة الأمنية، وتأثير رجال الدين، إضافة إلى الجلسات العرفية، وأخيراً الأحوال الاقتصادية التي أفقدت الناس التركيز، وجعلتهم منكبين على لقمة العيش، إضافة إلى ارتفاع درجة الوعي، ويختتم بقوله: لكن هل سينتهي الثأر؟ ويجيب قائلاً: لن ينتهي.











0 تعليق