هجوم "حزب الله" على نصار وسعيد.. هل بدّل "تكتيكاته"؟!

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
بالتوازي مع هجومه على الإدارة الأميركية، التي تسعى لتحقّق في السياسة ما لم تحقّقه إسرائيل في الحرب، على حدّ تعبيره، وجّه الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم سهام نقده، في خطابه الأخير، إلى الداخل كما لم يفعل منذ تسلّمه الأمانة العامة، مسمّيًا بشكل خاص وزير العدل عادل نصّار، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، على خلفية ما اعتبره تنفيذًا للإملاءات الأميركية، متسائلاً عمّا إذا كان لبنان صار "سجنًا لأهله بإدارة أميركية".

Advertisement

 
ولا يبدو هذا التصعيد معزولًا عن السياق الأوسع لخطاب الشيخ قاسم، القائم على سرديّة تدور عمليًا حول "محاولة الإدارة الأميركية أخذ ما عجزت عنه إسرائيل بالحرب"، ودعوته الحكومة إلى تحمّل "مسؤوليّة السيادة"، بما يحوّل نقد "حزب الله" لشخصيّتين نافذتين في السلطة التنفيذية والنقدية امتدادًا لمحاججته الأصلية ضد الضغوط الأميركية المباشرة على لبنان، والتي تتقاطع مع الاعتداءات الإسرائيلية التي لا تتوقف.
من هنا تبرز الإشكاليّة في طرح "حزب الله" المستجدّ، فهل يمثّل الهجوم تبديلًا في تكتيكاته بعد مرحلة "تحييد الداخل" نسبيًا، في سياسة انتهجها منذ ما قبل اتفاق وقف إطلاق النار، على الرغم ممّا توصَف بـ"الاستفزازات"، خصوصًا في ملف نزع السلاح، أم أنّه جزء من مواجهةٍ يرى الحزب أنّها لم تعد محصورة بواشنطن، بل باتت تشمل المحسوبين عليها ممّن ينفذون إملاءاتها وشروطها، ولو كانت نتيجتها "محاصرة اللبنانيين"؟
 
سرّ الهجوم وخلفيّاته
 
على الرغم من أنّ هجوم الأمين العام لـ"حزب الله" على وزير العدل وحاكم مصرف لبنان، والحكومة برمّتها قبلهما، جاء تحت عنوان واحد هو رفض الخضوع للإملاءات الخارجية، ولا سيما الأميركية، فإنّ من المفيد التوقف عند الأسباب المباشرة لهذا الهجوم، الذي يعتقد كثيرون أنه قد تكون له تبعاته على المشهد الداخلي، في ظلّ الاحتقان السياسي الذي تشهده الساحة، والذي يُخشى أن يكون خطاب الرجل قد فاقمه، بصورة أو بأخرى.
 
فعلى المستوى القضائي، جاء هجوم الشيخ قاسم على وزير العدل بعد تعميم أصدره الأخير، طلب بموجبه من كتّاب العدل التحقق عند تنظيم الوكالات والعقود من أن جميع الأطراف غير مدرجين على لوائح العقوبات الوطنية والدولية، والامتناع عن تنظيم المعاملة خلاف ذلك، مع التحقّق من مصدر الأموال وذكره صراحة. وقد فُهِم هذا التعميم في أوساط الحزب على أنه محاولة متجدّدة لمحاصرة بيئته الحاضنة، وتعطيل مصالح كلّ من يتعامل معه، بناءً على شروط أميركية.
 
أما في الشق المالي-النقدي، فقد جاء الهجوم بحسب المعلومات على خلفية التعميم 170 الذي أصدره حاكم مصرف لبنان، والذي يمنع دخول أي أموال، بشكل مباشر أو غير مباشر، مصدرها هيئات أو منظمات لبنانية خاضعة لعقوبات دولية، إلى مصرف لبنان". وقد فُهِم هذا التعميم أيضًا في أوساط الحزب على أنه ترجمة للضغوط الغربية، ولا سيما أنّ التعميم يطال عمليًا جمعية "القرض الحسن" المحسوبة على الحزب ويحظر التعامل معها مصرفيًا.
 
"حزب الله" يعاني من التضييق؟
 
في حين يدافع خصوم "حزب الله" عن إجراءي وزير العدل وحاكم المصرف باعتبار أنّهما لا يستهدفان الحزب بقدر ما يحاولان تجنيب لبنان العزلة التي يأخذه الحزب إليها، بعدما أخذ نفسه ولبنان إلى الهلاك، وفق وصفهم، يوم فتح "جبهة الإسناد" من دون أن يحسب الأمور جيّدًا، يتمسّك المحسوبون على الحزب بالحديث عن "حصار" يتعرّض له على كل المستويات، بل يتحدّثون عن "مؤامرة وجودية" يتعرّض لها، ملمحين إلى مشاركة أطراف داخلية فيها.
 
وفقًا للعارفين، فإنّ هذه القراءة قد تكون مرتبطة بالواقع الذي وصل إليه "حزب الله" في الآونة الأخيرة، والذي لا يشبه واقعه ما قبل الحرب الأخيرة، فأدوات الضغط المالية والقضائية تكاد تكون "أقسى" عليه من الضغوط العسكرية المستمرة منذ اتفاق وقف إطلاق النار، لأن انعكاساتها تمسّ مباشرة الشرائح الأوسع من جمهوره وبيئته، التي لا يخفى على أحد شعورها بالإحباط وربما اليأس، نتيجة المتغيّرات الدراماتيكية التي حلّت بها في الأشهر الأخيرة.
 
ولعلّ ما يزيد من وقع ذلك، أنّ "حزب الله" يعاني فعلاً من التضييق، إذ بات واضحًا أنّ قوى سياسية داخلية وازنة تقارب اللحظة بوصفها فرصة للتصويب عليه، بعد فقدانه لجزء واسع من النفوذ الذي كان يتمتّع به، وهو ما يستغربه العارفون بأدبيّات الحزب، الذين يذهبون لحدّ القول إنّ هناك في الداخل اللبناني من يراهن على ضربة إسرائيلية جديدة ضدّ الحزب، بل هناك من يذهب أبعد من ذلك، بالتحريض على مثل هذه الضربة، حتى يحقّق أجنداته السياسية.
 
في المحصلة، يتجاوز الاشتباك الراهن الأشخاص إلى خياريْن متوازييْن، تشديد الامتثال بما يقي لبنان عواقب دولية، أو تخفيف القيود بما يخفّف الأثر الاجتماعي المباشر. بهذا المعنى، سيُقاس نجاح أي مسار بقدرته على تجنّب "حِصارٍ" فعلي على اللبنانيين من جهة، وعدم تعريض البلاد لعزلة مالية وقضائية من جهة أخرى. وما بين هذين الحدّين، يبدو أن لغة التصعيد ستبقى حاضرة ما لم تُعالَج جذور الأزمة في المستويين السياسي والاقتصادي...

أخبار ذات صلة

0 تعليق