دولة التلاوة.. «الودود» مصر عادت شمسك الذهب

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هناك لحظات تتجاوز فيها الكلمات نفسها، لحظات تهبط فيها الآية من السماء مباشرة إلى القلوب، فتسكن فيها سكينة لا توصف، تنهمر فيها الدموع بغير قصد، لحظات يسمع فيها المستمع أكثر من الصوت، يسمع الروح، ويشعر بأن القرآن الكريم ليس مجرد نص، بل حياة كاملة تنبض في كل حرف ونغمة، تلك اللحظات التي تتكرر اليوم فور خروج الحلقتين الأولى والثانية من برنامج «دولة التلاوة»، الذي حمل شعار «الودود»، والذي يقام بالتعاون بين كلٍ من وزارة الأوقاف والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ليكون منصة وطنية فريدة لاكتشاف المواهب الشابة في عالم الترتيل والتلاوة، يجمع بين الإرث الصوتي المصري العريق والأجيال الجديدة التي تُعيد إشعاع مصر إلى العالم بأصوات ترتل القرآن بأعذب الكلمات وأصفى المشاعر.

على مدى أشهر طويلة، شهد التسابق نحو 14 ألف مشارك من مختلف محافظات الجمهورية، تتراوح أعمارهم بين الأطفال والشباب، ليخوضوا سلسلة من الاختبارات الصارمة، التي ضمت مراحل متعددة من التصفيات الدقيقة، حتى وصل العدد إلى ما يقرب من الـ30 متسابقًا، كلٌ منهم يحمل حلمًا كبيرًا، وصوتًا قادرًا على إيصال رسالة القرآن للعالم، ويضمن البرنامج، جوائز مالية حيث يحصل صاحب المركز الأول في التجويد والمركز الأول في الترتيل كلٌ منهما على مليون جنيه، كما سيسجل المصحف كاملًا بصوته ويذاع على قناة القرآن الكريم، كما سيؤُم المصلين في صلاة التراويح بمسجد الحسين في شهر رمضان.

أصوات ذهبية 

فالأصوات الجديدة التي تظهر اليوم في «دولة التلاوة» ليست مجرد أصوات عادية، بل هى امتداد حي للجيل الذهبي لتلاوة القرآن، الذي أسس معايير الترتيل منذ عشرينيات القرن الماضي، وحتى فترة الستينيات حين أمر الرئيس جمال عبد الناصر بجمع تسجيلات كبار المشايخ مثل محمود خليل الحصري وعبد الباسط عبد الصمد ومحمد صديق المنشاوي ومصطفى إسماعيل، والشيخ محمد محمود الطبلاوي، لتصبح مصر مرجعًا عالميًا في ضبط الحروف وفن الأداء الصوتي، ولتصبح تلاوة القرآن المصري نموذجًا عالميًا يُدرس في مدارس التحفيظ والإذاعات حول العالم.. هذه المبادرة التي تهدف إلى اكتشاف المواهب في ترتيل آيات الذكر الحكيم، وضعت أسسًا صلبة يمكن للجيل الجديد أن يستند إليها، مع منح الفرصة للتجديد والإبداع في الترتيل، وإيصال رسالة مصرية للعالم، كما فعل الجيل الذهبي قبل أكثر من نصف قرن.

أصوات المشاركين اليوم ترتل القرآن بأعذب الكلمات، وتضيء سماء التلاوة بحرفية وإحساس عميقين، لتؤكد أن مصر تهدي للعالم أصواتًا ذهبية ترتل القرآن بنفس الروعة التي قدمتها أصوات الجيل الذهبي، وكأن البرنامج يحمل في كل تلاوة رسالة واضحة، تمامًا كما أهدت مصر للعالم مؤخرًا المتحف المصري الكبير، لتسمع الشعوب رسالة مفادها أن ريادة مصر لا تزال بين أيدي أبنائها من الأجيال الجديدة، وأن الشمس الذهبية في سماء التلاوة لم تغرب أبدًا،  ففي كل حرف وكل نغمة، يلمس المستمع عبقرية التدريب الطويل وروح التلاوة التي تتجاوز الصوت لتصل إلى القلب، في تجربة لا ينسى أثرها.

ومع كل هذا الإبداع، هناك مفارقة تستحق الإشارة، وهي تفاوت الأعمار بين المتسابقين، التي تراوحت بين الأطفال الصغار والشباب الأكبر سنًا، هذا التنوع، رغم ما يضفيه من حيوية وروح جديدة، قد يكون التحدي الوحيد للبرنامج، إذ أن دمجهم في مسابقة واحدة يخضع لنفس الشروط قد يُظلم الأطفال الصغار في المراحل العمرية المبكرة، بسبب الفارق في الخبرة والنضج الصوتي؛ ومن ثم، قد يكون من المفيد في الدورات القادمة مراعاة عامل السن وتقسيم الفئات العمرية، بحيث تظل المنافسة عادلة، ويستطيع كل متسابق أن يظهر قدراته الحقيقية دون أي ظلم، ويظل البرنامج منصة لإبراز المواهب الحقيقية لكل جيل دون أي قصور.

تستمع لجنة التحكيم، المؤلفة من كبار المشايخ، وعلى رأسهم وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري، والشيخ طه النعماني والدكتور طه عبد الوهاب، والشيخ حسن عبد النبي، وعدد كبير من ضيوف الشرف من كبار العلماء، إلى كل صوت بعناية فائقة، لتقييم مهارات الحفظ، وضبط الحروف، وعمق الخشوع، وجمال الأداء الصوتي، وتعد هذه التجربة درسًا متكاملًا للمتسابقين في الصبر والانضباط، وللمشاهدين في متابعة رحلة نشوء الموهبة.

وليس غريبًا على مصر أو على المصريين في أن يتصدر البرنامج موقع الصدارة عبر كل المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ليؤكد على أن الذوق المصري الأصيل لا يزال يبحث عن الأصالة، فمع كل تلاوة، يلمس المشاهد والمستمع سحر صوت مصر الذي يذكرنا بأصوات الحصري وعبد الباسط والمنشاوي والبنا، حيث الترتيل الدقيق والخشوع العميق وإتقان المقامات، ما يجعل البرنامج رحلة متكاملة لاكتشاف جيل جديد قادر على حمل رسالة القرآن للعالم بأصوات ذهبية.

وهنا تحول «دولة التلاوة» من مجرد مسابقة إلى مشروع ثقافي متكامل، يربط بين إرث الصوت المصري القديم وأصوات الأجيال الجديدة، ويؤكد أن الشمس الذهبية لمصر في سماء التلاوة لا تزال مشرقة، وأن مصر مستمرة في ريادتها القرآنية. البرنامج يحمل شعار «الودود» ليس فقط في اسمه، بل في روحه: ود للقرآن، وود للمواهب، وود للعالم بأسره، ليظل صوت مصر في القرآن حاضرًا كما كان وسيظل دائمًا، رسالة حب وعطاء وإتقان تمتد من الجيل الذهبي إلى أجيال المستقبل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق