عرق وملح: كيف يُحوّل جسمك سلاحاً ضد موجات الحر الشديدة؟

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عندما ترتفع حرارة الجو أو يبذل الجسم جهداً، تفعّل الغدد العرقية عملية التعرّق كوسيلة طبيعية لتنظيم الحرارة.

يتكوّن العرق في الأساس من ماء، لكنه لا يخلو من الإلكتروليتات مثل الصوديوم (الملح).

وعندما يتبخّر العرق من سطح الجلد، فإنه يسحب معه حرارة الجسم، ما يُحدث تبريدًا فعّالًا.

لكن الأمر ليس بسيطًا كما يبدو: مع فقدان الماء من خلال التعرّق، يفقد الجسم أيضًا الأملاح، خصوصًا الصوديوم، وهذا قد يؤدي إلى اختلال في توازن الإلكتروليتات إن لم يتم تعويضه.


التكيّف مع الحرارة: دراسات حديثة تكشف تغيُّرات أساسية

في الأبحاث الحديثة جدًا، أظهرت الدراسات أن الجسم يتكيّف مع التعرض المتكرر للحرارة عبر تغييرات ملموسة في طبيعة التعرّق.

 

 فمثلا، هناك دراسة حديثة استخدمت تقنيات التصوير ثلاثية الأبعاد (بواسطة OCT) لرصد التغير في شكل الغدد العرقية مع اختلاف درجات الحرارة، مما يمنح الباحثين نظرة فريدة على كيفية استجابة الأنسجة لهذه الضغوط.

كما أن دراسة أخرى بيّنت أن عملية التعرّق ليست مجرد “ماء يُفرَز” بل معقدة جدًا: بمقاييس دقيقة، تمت متابعة كيفية بدء التعرّق على المستوى المجهري، وكيف تتراكم أملاح على سطح الجلد، وارتباط ذلك بمعدل التبخر.

هذه التعديلات لا تحدث بشكل عشوائي: مع التأقلم الحراري (بمعنى التعرّض المستمر لحرارة مرتفعة)، ينخفض تركيز الصوديوم في العرق لدى العديد من الأشخاص.

وهذا التغيير يُفيد الجسم بطريقتين: أولاً، يقلل من فقدان الملح، وثانيًا، يجعل التبخّر أكثر كفاءة، لأنه يصبح العرق “أخف” ملوحة.


المخاطر الصحية: عندما يفقد الجسم توازنه

رغم أن التعرّق هو وسيلة تبريد استراتيجية، فإن الإفراط فيه، أو فقدان الكثير من الصوديوم دون تعويض، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة.

من أبرز هذه المشاكل هو انخفاض صوديوم الدم (Hyponatremia)، والتي قد تسبب دوارًا أو ارتباكًا، وفي الحالات الشديدة تصل إلى اختلاجات أو غيبوبة.

هذا الخطر يصبح أكثر وضوحًا مع ارتفاع درجات الحرارة في المدن أو بعد موجات حرّ قوية، خاصةً إن لم يكن هناك برنامج واضح لتعويض الإلكتروليتات عند الأشخاص المعرضين لمجهود كبير أو تعرّق مكثّف.


توصيات وقائية: كيف نحمي أنفسنا؟

1. شرب السوائل بذكاء: لا يكفي شرب الماء فقط، خصوصًا إذا كان التعرّق شديدًا — من المهم تضمين مصادر من الإلكتروليتات (مثل المشروبات المُعدَّلة أو الأطعمة الغنية بالصوديوم) لتعويض ما يفقده الجسم من ملح.


2. الفترات الزمنية للتأقلم: إذا كنت ستعمل أو تمارس نشاطًا في بيئة حارة باستمرار، خصص أيامًا للتعرّض التدريجي للحرارة؛ هذا يمنح الجسم وقتًا للتكيف وإعادة تنظيم إفراز العرق والملح.


3. رصد الأعراض: احذر من علامات الإنهاك الحراري مثل التعب الشديد أو الدوار أو التشنّجات.

في هذه الحالات، قد يكون هناك فقدان كبير للصوديوم أو جفاف، ويجب التوقف فورًا والبحث عن التكيّف أو العلاج الطبي.

4. اهتمام خاص للفئات الضعيفة: كبار السن، المرضى (ضغط الدم، القلب)، والعاملون في الظروف الحارة ينبغي أن يكون لديهم استراتيجيات تعويض واضحة، لأن توازن الصوديوم لديهم قد يتأثر بسرعة.


آلية دفاع ذكية للجسم

العرق والملح ليسا مجرد “إزعاج في الصيف” بل آلية دفاع ذكية للجسم، من خلال الفهم العلمي لكيفية تكيُّف الجسم والتوازن بين الماء والملح، يمكننا حماية أنفسنا من مخاطر موجات الحرّ الشديدة والاستفادة من هذه الآليات الطبيعية، بدلًا من مواجهتها فقط بـ “تبريد خارجي” أو تجاهلها حتى الإصابة بالإجهاد الحراري.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق