تتحوّل المراكز التجارية في القاهرة والإسكندرية رويدًا رويدًا إلى ما يشبه “مسارات مشي داخلية”، بعدما بدأ عدد متزايد من الزائرين يعتمد على المولات كبديل عملي للمشي في الشوارع المكتظة أو غير المناسبة لحركة المشاة.
وتُظهر جولة بسيطة في ممرات أي مول كبير أن الحركة الصباحية لم تعد مقتصرة على المتسوّقين، بل تضم أفرادًا يمشون بوتيرة ثابتة؛ بعضهم يحمل سماعات، وآخرون يمشون في مجموعات صغيرة وكأنهم في جولة رياضية.
أسباب تفضيل الشباب للمشي في المولات التجارية؟
تتزايد هذه الظاهرة تحديدًا مع دخول الشتاء، إذ يفضّل كثيرون تجنّب الشوارع المفتوحة بسبب الأمطار أو البرودة، ويبحثون عن مساحة مغلقة توفر الإضاءة المستقرة والحرارة المناسبة والهدوء النسبي، وتُعد المولات بالنسبة لهؤلاء حلًا جاهزًا، أرضيات مستوية، أمن، دورات مياه قريبة، ومسارات طويلة تسمح بالحركة دون توقف.
ويؤكد موظفون في أكثر من مركز تجاري أن المشي الصباحي أصبح ملحوظًا، خاصة قبل ازدحام الفترات المسائية، ويشير بعضهم إلى أن وجود مقاهٍ مفتوحة مبكرًا يسهّل على الزائرين بدء يومهم بتمرين خفيف ثم قهوة سريعة قبل الذهاب إلى العمل، وتراوحت أعمار من شوهدوا في جولات المشي بين شباب في أوائل العشرينات وسيدات في الأربعينات وخمسينات العمر، الأمر الذي يعكس اتساع شريحة المهتمين.
وبينما يبحث آخرون عن الخصوصية والهدوء، يجدون أن المشي في الشارع لا يوفّر بيئة مريحة، سواء بسبب الزحام المروري أو عدم توافر رصيف مناسب أو خشونة بعض الطرق، ويُفضّل عدد من النساء على وجه الخصوص المولات كمساحة آمنة خالية من المضايقات، ما يجعل الجولة اليومية أكثر راحة وأسهل التزامًا.
في المقابل، يرى بعض المهتمين بالصحة والرياضة أن المشي داخل المول حل “مؤقت” وليس بديلًا كاملًا للمشي في الهواء الطلق، ويعتبرون أنّ المول مكان جيد للحركة الخفيفة، لكنه لا يمنح فوائد التنفس في الهواء أو الشعور بالمساحات المفتوحة، ومع ذلك، يعترفون بأن الظروف الحضرية في القاهرة خاصة في مناطق الكثافة العالية، تجعل الخيار الخارجي صعبًا، ما يُبرر هذا الاتجاه.
كما تتغير أنماط الحياة في المدن الكبرى بسرعة، ومعها تتغير فكرة “الخروج”، ففي السابق، ارتبط التنزّه بالحديقة العامة أو المشي على الكورنيش، بينما اليوم وجد الناس بديلًا عمليًا في المول، خصوصًا في أيام العمل التي لا تسمح بفسحة طويلة، وقد أصبحت جُمَل مثل “ننزل نمشي لفة في المول” شائعة بين الأصدقاء والعائلات، كأنها دعوة لفسحة قصيرة ومنظمة بعيدًا عن الفوضى الخارجية، وفي ظل استمرار الزحام وتقلّب الطقس، يبدو أن “المشي داخل المول” قد يتحول ببساطة إلى عادة يومية جديدة، تُلائم إيقاع الحياة السريع وتمنح الناس فرصة لالتقاط الأنفاس في مساحة منظمة وأكثر رحابة.






0 تعليق