من حلم الألفية إلى صرح القرن.. كيف رأت صحافة العالم المتحف المصرى الكبير؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بعد عقدين من الانتظار وأكثر من مليار دولار من الاستثمارات، افتتحت مصر رسميًا المتحف المصري الكبير (GEM) جوار أهرامات الجيزة، في حدث يوصف بأنه الأضخم في تاريخ المتاحف المكرّسة لحضارة واحدة.

حلم بدأ قبل عشرين عامًا

بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في أوائل التسعينيات، عندما قررت الدولة إنشاء متحف حديث يستوعب كنوز الحضارة المصرية القديمة بعيدًا عن الازدحام الذي يعانيه المتحف القديم في ميدان التحرير.

وبحسب جريدة “ذا جارديان” البريطانية، فإن المشروع واجه على مدى عقدين سلسلة من التأجيلات بسبب اضطرابات سياسية واقتصادية متعاقبة، بدءًا من ثورة يناير 2011 وصولًا إلى جائحة “كوفيد-19”.

وأضافت الصحيفة أن الحكومة المصرية كانت قد حددت أكثر من موعد للافتتاح قبل أن يُحسم الموعد النهائي في نوفمبر 2025، ليُفتح المتحف أخيرًا أمام الجمهور بعد أكثر من عشرين عامًا من العمل المتواصل.

تصميم استثنائي في موقع أسطوري

يقع المتحف على مساحة تُقدّر بنحو 500 ألف متر مربع، ويطل مباشرة على هضبة الأهرامات، في مشهد بصري فريد يربط بين الماضي السحيق والعمارة المعاصرة.

ووفقًا لتقرير رويترز، فإن تصميم المتحف الذي نفذه مكتب Heneghan Peng Architects الأيرلندي يتميّز بواجهة ضخمة من الزجاج والرخام تعكس ضوء صحراء الأهرامات وتستقبل الزائر بتمثال رمسيس الثاني الذي يبلغ وزنه أكثر من 80 طنًا.

ويضم المتحف ما يزيد على 100 ألف قطعة أثرية، منها 50 ألف قطعة تُعرض للمرة الأولى، في مقدمتها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون والمكوّنة من نحو 5000 قطعة، حسبما ذكرت وكالة أسوشييتد برس.

بين الثقافة والاقتصاد

بحسب “لو موند” الفرنسية، تراهن الحكومة المصرية على المتحف بوصفه “العمود الفقري الجديد لصناعة السياحة الثقافية” في البلاد.

وتُشير الصحيفة إلى أن تكلفة المشروع تجاوزت مليار دولار أمريكي، تم تمويل جزء كبير منها عبر قرض ميسّر من الحكومة اليابانية من خلال وكالة التعاون الدولي (JICA)، إلى جانب مساهمة الدولة المصرية في البنية التحتية والمرافق.

ونقلت “لو موند” عن وزير السياحة والآثار قوله إن المتحف “ليس مشروعًا ثقافيًا فقط، بل رسالة سياسية واقتصادية تؤكد أن مصر قادرة على حماية تراثها وتقديمه للعالم في أبهى صورة”.

الأرقام تتحدث

وفقًا لتقرير نشرته وكالة رويترز في الأول من نوفمبر 2025، تتوقع الحكومة أن يجذب المتحف نحو سبعة ملايين زائر سنويًا، وهو رقم كفيل بزيادة عائدات السياحة بما يتجاوز ملياري دولار سنويًا.

كما أوضحت الوكالة أن المتحف وفّر ما يزيد على 10 آلاف فرصة عمل مباشرة في قطاعات الإنشاء والتشغيل، إلى جانب آلاف الوظائف غير المباشرة في السياحة والخدمات.

وذكر تقرير “أسوشييتد” برس أن المتحف يحتوي على مراكز بحثية وصيانة تُعدّ من الأكبر في الشرق الأوسط، تتيح للعلماء المصريين والأجانب العمل جنبًا إلى جنب في دراسة وصيانة الآثار.

بين التراث والهوية

وأكدت ذا جارديان أن افتتاح المتحف يحمل أبعادًا رمزية عميقة؛ فبينما تمر البلاد بظروف اقتصادية صعبة، تسعى الحكومة إلى إبراز صورة الاستقرار والقدرة على الإنجاز.

وأضافت الصحيفة أن اختيار موقع المتحف عند بوابة الأهرامات يحمل رسالة واضحة: “إن الحضارة التي بَنَت الأهرامات لا تزال قادرة على البناء اليوم”.

وفي المقابل، رصدت بعض وسائل الإعلام تساؤلات حول قدرة المشروع على الوصول إلى جميع فئات المجتمع، إذ يخشى بعض النقاد أن تصبح أسعار التذاكر مرتفعة بالنسبة للمصريين.

المتحف كقوة ناعمة

بحسب تقرير “لو موند”، فإن المتحف لا يُعدّ فقط مشروعًا أثريًا ضخمًا، بل أداة “قوة ناعمة” تستخدمها مصر لإعادة تموضعها الثقافي على الساحة الدولية.

وأضافت الصحيفة أن الدولة تسعى من خلاله إلى تقديم “رواية مصرية للحضارة المصرية”، بعيدًا عن النظرة الاستشراقية الغربية التي لطالما سيطرت على المتاحف العالمية.

ووفقًا لتقرير أسوشييتد برس، فإن الحكومة المصرية تعوّل على جذب وفود من جامعات ومتاحف عالمية لتوقيع اتفاقيات تعاون وبحوث مشتركة، ما قد يجعل من المتحف مركزًا دوليًا لدراسة الآثار المصرية.

التحديات التي سبقت الافتتاح

يشير تقرير “ذا جارديان” إلى أن المشروع واجه موجة من الانتقادات بسبب طول مدة التنفيذ وتضخّم التكلفة التي تجاوزت التقديرات الأولية بنحو 40 في المائة.

كما نقلت رويترز عن خبراء آثار قولهم إن التحدي الأكبر بعد الافتتاح سيكون في “إدارة الحشود” وحماية القطع الأثرية في ظلّ الإقبال المتوقع.

في المقابل، أكدت وزارة السياحة والآثار للصحف المحلية أن منظومة الأمن والمراقبة تم تحديثها بالكامل، وأن المتحف مزوّد بأحدث أنظمة الحفظ المناخي ومراقبة الرطوبة.

مشهد الافتتاح

شهد حفل الافتتاح حضور عدد من القادة والمسؤولين الدوليين، من بينهم ممثلون عن منظمة اليونسكو والحكومة اليابانية وعدد من وزراء الثقافة العرب.

وحسبما ذكرت وكالة “أسوشييتد برس”، فقد افتُتح الحفل بعرض مقطوعة موسيقية سمع دويها في عواصم مختلفة من العالم تلاه عرض موسيقي أوركسترالي يروي فصولًا من التاريخ المصري القديم.

كما صرّح الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفقًا لوكالة رويترز، بأن المتحف “هدية من مصر إلى الإنسانية، ودليل على أن جذورنا العريقة ما زالت تُثمر مستقبلًا جديدًا”. 

بين البهاء والمسؤولية

يرى محللون أن المتحف الكبير يشكّل اختبارًا لقدرة مصر على تحويل التراث إلى مشروع مستدام اقتصاديًا وثقافيًا.

وتنقل لو موند عن أحد الأكاديميين قوله إن “التاريخ لا يمكن أن يعيش في قاعات العرض فقط، بل في العقول التي تتعلم منه”، مشيرًا إلى أهمية إدماج المتحف في العملية التعليمية والسياحية المحلية.

وفي السياق ذاته، شددت ذا جارديان على ضرورة ضمان وصول المصريين إلى هذا الفضاء المعرفي، لأنه ليس مجرد مقصد للسياح بل مرآة لهوية الأمة.

رؤية للمستقبل

تقول رويترز إن مصر تخطط لربط المتحف بخط مترو جديد يمتد حتى ميدان التحرير، وهو بالفعل ما تم بدء العمل فيه إلى جانب إنشاء منطقة خدمات سياحية متكاملة حوله تشمل فنادق ومطاعم ومسارات مشي تمتد إلى الأهرامات.

كما كشفت أسوشييتد برس خططا لإطلاق تطبيق إلكتروني يسمح بحجز التذاكر مسبقًا وتقديم جولات افتراضية ثلاثية الأبعاد، ما يجعل المتحف من أوائل المتاحف الذكية في المنطقة.

ويُتوقع أن تُضاف أقسام جديدة خلال السنوات المقبلة، من بينها قاعة مخصصة للتاريخ القبطي والإسلامي، لتوسيع نطاق السرد الزمني للحضارة المصرية.

من رمسيس الذي يستقبل الزوار في البهو، إلى قناع توت عنخ آمون الذي يلمع تحت الأضواء الحديثة، يبدو المتحف المصري الكبير أكثر من مجرد مبنى؛ إنه إعلان بأن الحضارة المصرية لا تزال تنبض بالحياة.

لكن نجاح هذا الصرح لن يُقاس بعدد الصور الملتقطة عند الافتتاح، بل بعدد الزائرين العائدين إليه، وبالقدرة على جعله مصدر فخرٍ ومعرفةٍ واقتصادٍ مستدام.

كما قالت “ذا جارديان”: “بعد عقدين من البناء، مصر لم تفتح متحفًا فحسب، بل فتحت نافذةً على روحها القديمة وهي تنظر إلى المستقبل”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق