لا يكل الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي عن إطلاق تهديداته العدوانية ضد الأسرى الفلسطينيين، ولا يمل من استعراض نزعاته الانتقامية السادية على حساب أبسط القيم الإنسانية والقانونية.
الرجل الذي جاء من قلب التطرف الديني والاستيطاني لا يرى في الفلسطيني سوى هدف مشروع للعقاب، ولا يعرف من السياسة إلا سلاح القوة، ومن القانون إلا ما يخدم أهواءه العنصرية.
حديث بن غفير عن إعدام الأسرى الفلسطينيين هو تجسيد حيّ لعقيدة سياسية قائمة على محو الآخر، وتحويل الاحتلال إلى نظام انتقامي مؤسسي. هذا الوزير الذي يتباهى بسجله في التحريض والعنف ضد العرب، يحاول اليوم أن يلبس ثوب المشرّع ليمنح غريزته الانتقامية غطاء قانونيا، عبر الدفع نحو سن قانون يتيح إعدام الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية.
في إسرائيل، لا يسمح القانون الحالي بالإعدام، ويكتفي بما يسمى “الأحكام المؤبدة المتعددة”، حيث يعادل المؤبد الواحد 99 عاما من السجن، لكن بن غفير يرى أن هذه العقوبات رحيمة أكثر مما يجب، وأنها لا تردع الفلسطينيين عن مقاومة الاحتلال، لذلك يسعى إلى تغيير التشريعات لفتح الباب أمام تنفيذ أحكام الإعدام. بعبارة أخرى، يريد تحويل الانتقام الشخصي إلى تشريع رسمي، وتحويل القضاء إلى منصة لتصفية الحسابات القومية والدينية.
ليس غريبا أن يختار بن غفير الأسير مروان البرغوثي هدفا رئيسيا لخطابه العدواني، فهو يدرك أن البرغوثي ليس مجرد سجين سياسي، بل رمز وطني يجسد فكرة المقاومة السياسية في وجه الاحتلال، لذلك، فإن تهديداته ليست ضد شخص، بل ضد فكرة، فكرة الحرية والمساواة، وضد الحلم الفلسطيني الذي لم تمت جذوته رغم القهر والسجون.
بن غفير لا يكتفي بالتهديد الكلامي؛ إنه يستعرض ساديته على الملأ، يقف في زنازين الأسرى كأنه بطلا في فيلم رعب، يصور نفسه جلادا ويقوي صورته الإعلامية على حساب كرامة إنسان مُحاصر. هذا الاقتحام المسرحي وتباهيه بحرمان الأسرى من حقوقهم ليس فعلا إداريا باردا، بل إعلان عن روح انتقامية مرضية تسعى لتطهير المشهد السياسي من أي محاولة لسلام وحل إقامة الدولتين، وتحويل السجون إلى منابر للاحتفاء بالقسوة، والتعذيب، والقتل.
الأدهى أن هذا السلوك لا يبقى محصورا في المشهد الداخلي فحسب؛ بل يرسل رسالة قاتلة للمجتمع الدولي مفادها أن بعض قادة اليمين المتطرف مستعدون لتطويع القانون وتحويله إلى أداة تصفية سياسية، لذا، على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ألا يقتصر موقفها على الإدانة الشفوية، بل يجب أن تفتح تحقيقات فورية وتفرض آليات رقابة وحماية للأسرى، قبل أن يتحول تهويل بن غفير إلى واقع يفجر المزيد من العنف والانتقام.، والبدء في تفعيل اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، التي تكفل الحماية الكاملة لأسرى الحرب من خلال معاملتهم بإنسانية وضمان حصولهم على الرعاية الطبية اللازمة، ومنحت للأسير حقوقا منها الاحتفاظ بأغراضه الشخصية، وحظر استخدام التعذيب البدني أو النفسي لاستخلاص معلومات منهم، وأن يتم احتجازهم في مبان فوق الأرض تتوفر فيها شروط الصحة والسلامة، وتوفير الطعام والملبس والرعاية الطبية المناسبة للحفاظ على صحتهم.
الخطير في خطاب بن غفير أنه يحاول نقل الصراع من مستوى الأمن والسياسة إلى مستوى الوجود والبقاء، أي من نزاع يمكن التفاوض حوله إلى حرب وجودية لا مكان فيها للرحمة، أو القانون.
هذا النوع من الخطاب لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يهدد إسرائيل نفسها، لأنه يغذي ثقافة الكراهية ويقوّض أي إمكانية لتعايش أو تسوية مستقبلية.
وفي النهاية، لا يمكن التعامل مع بن غفير كظاهرة عابرة، بل كنتاج طبيعي لحقبة سياسية إسرائيلية فقدت بوصلتها الأخلاقية، وسمحت للغوغاء أن يقودوا القرار. ومع كل تصريح له، تتعرّى منظومة “الديمقراطية الإسرائيلية” أمام العالم، وتنكشف حقيقتها كدولة تمارس الفصل العنصري تحت غطاء القانون.
سيبقى الأسرى الفلسطينيون عنوانا للكرامة، وسيبقى بن غفير ومن على شاكلته مجرد وجه قبيح للاحتلال، مهما حاولوا أن يمنحوا القتل لباسا قانونيا، لأن القوانين التي تُكتب بالحقد لا تبني دولة، بل تكتب فصلها الأخير في سجل العار.











0 تعليق