هل ستقبل إسرائيل اليوم ما رفضته بالأمس؟

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لم يكن اختيار السفير سيمون كرم رئيسًا مدنيًا للوفد اللبناني في لجنة "الميكانيزم" اختيارًا اعتباطيًا، بل استند، بحسب ما يقوله مقربون من مركزية القرار في القصر الجمهوري، إلى ماضي هذا الرجل، الذي له صولات وجولات في ميدان المواقف الجريئة في حياته السياسية تمامًا كما كان اختيار الرئيس الشيخ أمين الجميل للسفير أنطوان فتال صائبًا وموفقًا، وذلك باعتراف العدو قبل الصديق. فما بين السفيرين قواسم مشتركة كثيرة من حيث ما يُشهد لهما من مواقف صلبة في الدفاع عما يريانه يصب في مصلحة لبنان قبل أي أمر آخر، مع فارق في الزمن والمعطيات والظروف، وإن يكن العدو واحدًا.
منذ تعيين السفير سيمون كرم، عاد النقاش ليطرح نفسه حول إمكان اعتماد سياسة "خطوة مقابل خطوة" مع الجانب الإسرائيلي، كمسار تدريجي لتثبيت التهدئة ومنع الانزلاق إلى مواجهة شاملة. لكن هذا السؤال، على وجاهته، لا يمكن مقاربته من زاوية الأشخاص بقدر ما يجب ربطه بحدود الدور المرسوم لهذه اللجنة وبسقف التوازنات السياسية والعسكرية التي تتحكم بها.
يدخل السفير كرم إلى هذا المسار من موقع ديبلوماسي مدني، لا عسكري ولا أمني، وهي نقطة قوة أساسية. فهو يتحرّك بلغة القانون الدولي والقرارات الأممية، ويحظى بغطاء فرنسي واضح ودعم أميركي مشروط، ما يتيح له نظريًا إدارة تفاوض هادئ قائم على التدرّج، لا على الصدام. غير أن هذه القدرة تبقى محكومة بقيود بنيوية تتجاوز شخصه وخبرته.
فلجنة "الميكانيزم" ليست إطارًا لمفاوضات سياسية شاملة، بل آلية لضبط الاشتباك ومنع الانفجار الكبير. فهي لا تبحث في السلام، ولا في التطبيع، ولا في الاعتراف المتبادل، بل في إدارة النار تحت سقف القرار 1701. من هنا، فإن سياسة "خطوة مقابل خطوة" تصطدم تلقائيًا بنظرة إسرائيل إلى هذه اللجنة كأداة ضغط أمنية، لا كمسار تفاوض متوازن. فإسرائيل تريد خطوات ملموسة على الأرض في مقابل أي التزام، لا تعهدات ولا وعود، فيما يعاني الجانب اللبناني من محدودية القدرة على تنفيذ التزامات كاملة، خصوصًا جنوب الليطاني.
العامل الحاسم في هذا السياق يبقى موقع "حزب الله" ودوره. فنجاح أي سياسة تدريجية يفترض هدوءًا ميدانيًا مستدامًا، وغطاءً سياسيًا داخليًا موحّدًا، وقدرة الدولة على فرض التزاماتها. وهذه الشروط، حتى الساعة، غير متوافرة بالكامل. فالدولة اللبنانية تستطيع تقديم خطوات من نوع تعزيز انتشار الجيش وتحسين التنسيق، لكنها عاجزة عن تقديم ضمانات نهائية تطلبها إسرائيل، ما يجعل معادلة "خطوة مقابل خطوة" عرجاء في جوهرها.
مع ذلك، لا يعني هذا أن مهمة السفير كرم محكومة بالفشل. بل يمكن الحديث عن نجاح نسبي ومحدود، إذا توافرت ظروف إقليمية مؤاتية، أبرزها تهدئة طويلة نسبيًا على الجبهة الجنوبية، وضغط أميركي فعلي على إسرائيل لضبط اندفاعها، ودعم عملي للجيش ، وفصل الجنوب عن مسار الحرب في غزة. وفي هذه الحالة، يمكن للجنة أن تحقق إنجازات مرحلية، كخفض مستوى الخروقات، وتثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة تفعيل مرنة للقرار 1701.
في المقابل، يصبح الفشل شبه حتمي إذا توسّعت المواجهة الإقليمية، أو استُخدمت اللجنة كغطاء لتكريس وقائع ميدانية جديدة، أو إذا بقي الداخل اللبناني منقسمًا حول مفهوم السيادة وحدودها، أو تحوّل الجنوب إلى ورقة تفاوض إيرانية – إسرائيلية غير مباشرة.
في الخلاصة، يستطيع السفير سيمون كرم إدارة سياسة "خطوة مقابل خطوة" ديبلوماسيًا، لكنه لا يستطيع ضمان نتائجها سياسيًا وأمنيًا. فنجاحه الحقيقي لن يكون في انتزاع تنازلات إسرائيلية كبرى، بل في ضبط الاشتباك، وتأجيل الانفجار، وشراء الوقت للبنان في مرحلة إقليمية شديدة الخطورة. أما الرهان على تحويل لجنة "الميكانيزم" إلى مسار تفاوضي متكامل، فيبقى رهانًا أكبر من قدرتها، وأصغر من حجم الصراع الذي يتجاوزها.
وهذا الواقع المأزوم يفرض على لبنان التعاطي مع المعطيات الموضعية بنظرة تفاؤلية، ولكن في الوقت ذاته واقعية، وذلك من خلال ما يمكن أن يُقدّم له من دعم حتى ولو لم يكن مباشرًا، بالتوازي مع ممارسة واشنطن أقصى الضغوطات الممكنة والمتاحة على تل أبيب لتجنيب لبنان حربًا يعتقد جميع الخبراء العسكريين أنها لن تكون كسابقاتها من حروب، من حيث ما سينتج عنها من خسائر، وما سترتبه من انعكاسات سلبية على وضعية لبنان، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.
فلماذا قد تقبل إسرائيل اليوم بما سبق أن رفضته بالأمس عندما كان توم برّاك يتولى نقل الرسائل بين بيروت وتل أبيب؟
سؤال يبقى برسم لجنة "الميكانيزم"، وبرسم الأيام الآتية.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق