Advertisement
منذ انتهاء ذروة الحرب المباشرة بين إسرائيل و"حزب الله" وانقضاء أحد عشر شهرًا على اتفاق وقفٍ للنار، لا يزال هشًّا، تبدو المنطقة، ومن ضمنها بالطبع لبنان، أمام مفترقٍ جديد. فإعلان الرئيس نبيه بري بأن إمكانية التفاوض مع إسرائيل قد سقطت يعدّ تطورًا سياسيًّا له دلالاته غير محدودة كنتائج مباشرة.
فإذا اعتبر الأميركيون أن الخطاب الرسمي اللبناني قد استنفد سبل التفاوض، فهل يعني ذلك أن الأطراف الدولية الداعمة لإسرائيل أو حتى بعض الأصوات الأميركية كالسيناتور ليندسي غراهام، ستدفع تل أبيب في اتجاه خيار الخطة "باء"، التي تعتمد على الاستخدام المفرط للقوة؟
الإجابة عن هذا السؤال لن تكون بـ نعم" أو "لا"، لأن أي إجابة موضوعية لا بدّ من أن تأخذ في الاعتبار عدّة معطيات عسكرية وسياسية وإقليمية متشابكة.
ماذا يُقصد بالخطة "باء"، ولماذا تقصّد السيناتور غراهام طرحها من على منبر القصر الجمهوري في بعبدا؟
المقصود بهذه الخطة بالطبع، وكما يرّوج لها بعض السياسيين الأميركيين المقربين من الخطّ الأمني الإسرائيلي، ليست معدّة سلفًا، بحسب بعض الخبراء الاستراتيجيين، بل هي مجرد خيارات قد يتمّ اللجوء إليها في حال اعتُبر الحلّ السياسي متعذرًا أو مستحيلاً. وهذه الخيارات قد تأخذ أشكالًا متعدّدة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، قيام جيش العدو بتوجيه ضربات محددة ضدّ مواقع تدّعي إسرائيل بأن "حزب الله" قد أعاد إليها قدراته القتالية (الغارات على البقاع أمس)، أو استهداف بنى تحتية أو شبكات لوجستية، أو وربما محاولة إيجاد "منطقة آمنة أو عازلة"، أو ممارسة أقصى الضغوطات الاقتصادية والسياسية.
في المقابل يجب أن يُسال سؤال استتباعي، وهو: هل في قدرة إسرائيل اللجوء إلى أحد هذه الخيارات من دون أخذ الضوء الأخضر الأميركي، لأن لكل خيار من هذه الخيارات تبعات متباينة جداً على أرض الواقع. من هنا فإن دون اللجوء إلى ما يُسمّى بالخطة "باء" معوقات وعراقيل عدّة، ومن بينها:
أولًا، إن إسرائيل خرجت من حرب طويلة في غزة استنزفت قواها، وأدّت إلى إنهاكها، ما يجعل قرار شنّ اعتداء واسع على لبنان مخاطرة استراتيجية.
ثانيًا، أن أي اعتداء عسكري واسع سيُعيد لبنان إلى مسار تصعيدٍ قد يستقطب دولاً أخرى كإيران وحلفاء إقليميين لـ "حزب الله"، مع ما سينتج عن هذه الاعتداءات من تبعات إنسانية وسياسية هائلة.
ثالثًا، في الوقت الذي نسمع فيه بعض الأصوات الأميركية الداعمة لتحركات إسرائيلية أقوى، فإن إدارة واشنطن، على ما يبدو، لا تريد تصعيدًا إقليميًا كبيرًا قبيل استحقاقات دولية أو انتخابات داخلية، وهي قد تفضّل أدوات ضغط غير مباشرة بدلاً من إعطائها ضوءًا أخضر مباشرًا لحرب شاملة.
في اعتقاد بعض "المتشائلين"، على حدّ تعبير الرئيس بري، أن ليس في الأفق ما يؤشرّ إلى حرب شاملة، وإن كانت أصوات قرع طبولها تُسمع من وقت لآخر في تل أبيب، بل "نسخة هجينة" من الخطة "باء"، أي مزيج من ضربات مُستهدفة، عمليات استخباراتية واغتيالات نوعية، ضغط ديبلوماسي ومالي على دوائر موالية لـ "الحزب".
فهذا السيناريو يبدو أقل تكلفة سياسياً من حرب شاملة، لكنه في الوقت ذاته يُبقي المنطقة على صفيحٍ ساخن، وبالتالي فإن ثمة اعتقادًا بأن الخطة "باء" لن تفعّل في شكل عملياتٍ واسعة إلا إذا تلاقت مع ثلاثة شروط: قرارٌ إسرائيلي نهائي بالتصعيد، غطاء أو دعم أميركي واضح لتنفيذ عمليات واسعة، وفشل أي ضغط دولي لإعادة فرض مسار تفاوضي.
حتى الآن، ما هو واضح هو أن الواقع يبدو أقرب إلى حالة من الاحتكاك والتهديد المتبادل، مع ميلٍ واضح نحو "خيارات هجينة" أكثر من الجنوح نحو حرب شاملة، لكن هذا الميل قابل للتغير بسرعة إذا ازداد الإحباط السياسي أو تغيّرت حسابات القوى الكبرى.







0 تعليق