لبنان.. ومقامرة الطاولة الخالية من أوراق القوة

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في لحظة دقيقة من التصعيد الإسرائيلي، ومع التهويل الأميركي بأن لبنان قد يترك وحيداً إذا لم ينه ملف سلاح حزب الله، يعود النقاش إلى المربع الأساس: هل يملك لبنان ترف الذهاب إلى مفاوضات جديدة مع عدو لم يلتزم يوماً باتفاق أو قرار دولي؟ أم أن الطريق الوحيد الممكن يبدأ بالتمسك الصارم بالقرارات الدولية التي تشكل الضمانة الوحيدة للسيادة والحقوق؟

Advertisement


منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، لم تنفذ إسرائيل أياً من التزاماتها تجاه لبنان: لا انسحاب من النقاط الخمس، ولا تحرير للأسرى، ولا حتى السماح بإعادة إعمار ما دمرته حروبها وغاراتها المتكررة. وفي كل مرة يفتح فيها باب التهدئة، ترد إسرائيل بانتهاكات جديدة، سواء عبر الغارات المباشرة أو عبر الطلعات الجوية المكثفة فوق الجنوب وسائر المناطق اللبنانية. أمام هذا الواقع، تبدو العودة إلى طاولة التفاوض من دون أرضية تنفيذية بمثابة القفز إلى المجهول.

ويقول مصدر سياسي مطلع إن على لبنان أن يتمسّك بالقرارات الدولية الأربعة التي يفترض أن تشكل مرجعية موقفه: القرار 1701، القرار 425، اتفاقية الهدنة، والقرار 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين. فهذه القرارات ليست بنوداً تفاوضية يمكن التلاعب بها، بل نصوص ملزمة لم تنفذها إسرائيل بعد. لذلك، فإن تجاوزها تحت ضغط الخارج أو إغراءات السلام الاقتصادي يعني ببساطة شطب ما تبقى من أوراق لبنان القانونية والسياسية في مواجهة عدو لم يتوقف يوماً عن خرق كل التزام.

وفي موازاة ذلك، تستعد لجنة "الميكانيزم" لاستئناف اجتماعاتها في الناقورة الأربعاء المقبل، بحضور محتمل للمسؤولة الأميركية مورغان أورتيغاس، على أن تتوالى اللقاءات بشكل دوري بين كبار الضباط والمعاونين. غير أن الرهان اللبناني، بحسب المصدر نفسه، يجب أن يكون واضحاً لجهة أن هذه الاجتماعات ينبغي أن تكون أداة لإلزام العدو بوقف انتهاكاته وتنفيذ البنود المعلقة من القرار 1701، ولا سيما الانسحاب من الأراضي المحتلة جنوب الليطاني. فوقف إطلاق النار لا يمكن أن يكون من طرف واحد، ولا يجوز الحديث عن مرحلة ثانية قبل أن يستكمل الانسحاب الإسرائيلي الكامل.

وفي السياق نفسه، يقدم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مقاربة واقعية ووطنية حين يؤكد أن لبنان الذي التزم بوقف الأعمال العسكرية منذ لحظة إعلانه، يعلق آمالاً كبيرة على عمل لجنة الإشراف للمساعدة في إعادة الاستقرار إلى الجنوب ومنع الاعتداءات الإسرائيلية غير المقبولة. هذه المقاربة تمثل خريطة طريق متوازنة: تثبيت وقف النار، تحميل العدو مسؤولية خروقاته، وتعزيز موقع الدولة عبر المؤسسات، لا عبر التسويات المفروضة.

ولا تبحث تل أبيب، بحسب المصدر نفسه، عن سلام بقدر ما تسعى إلى اتفاقات تدار بشروطها. فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض العرض اللبناني الذي نقله إليه الموفد الأميركي توم براك، ما يؤكد أن منطق السلام بالقوة يتناقض جوهرياً مع فكرة الاستقرار العادل. فالقهر بالعنف ليس سلاماً، بل استمرار للحرب بوسائل أخرى.

وفي الداخل، يبرز تباين واضح بين من يرى في التمسك بالمقاومة والجيش ضمانة لعدم الانزلاق نحو التفريط، وبين من يروج لتسويات مبكرة تفرغ السيادة من مضمونها وتفتح الباب أمام تطبيع تدريجي، علماً أن إسرائيل لم تعط لبنان يوماً شيئاً عبر المفاوضات، ولن تعطيه الآن، كما تؤكد المصادر نفسها. ولذلك، فإن الحديث عن سلاح حزب الله شمال الليطاني لا يمكن، بحسب مصادر مقرّبة من الحزب، أن يطرح إلا بعد تنفيذ إسرائيل لكل التزاماتها. فالمعادلة بسيطة وواضحة: الالتزام يقابله التزام، والانتهاك يقابله حق الدفاع المشروع. لبنان نفذ ما عليه، وعلى إسرائيل أن تلزم بما عليها قبل أن يبدأ أي نقاش داخلي حول ترتيبات ما بعد الحرب.

أمام هذا التخبط، تبرز حاجة ملحة، بحسب المصدر نفسه، إلى إعادة تفعيل الدور اللبناني في المحافل الدولية، من الفاتيكان إلى باريس، خصوصاً وأن فرنسا تبدي تفهماً واضحاً للموقف اللبناني وتدرك أن أصل الأزمة يكمن في عدم التزام إسرائيل بالاتفاقات. فالفاتيكان، بما يمثله من موقع روحي ودبلوماسي عالمي، قادر على حمل ملف لبنان إلى منابر أوسع تذكر العالم بأن العدالة في الشرق الأوسط تبدأ من احترام القرارات، لا من تجاوزها.

وعليه، تشدد الأوساط السياسية على أن لبنان لا يملك ترف المقايضة بين سيادته ووهم سلام يفرض بالقوة. فالجلوس إلى طاولة من دون انسحاب ولا التزامات واضحة مقامرة خاسرة ستقود البلد إلى المجهول.

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق