من دون ثلاثية الأمن والرغيف والمنزل يبقى السلام ناقصًا

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
"راحت السكرة واجت الفكرة". هو مثل لبناني للدلالة عن انتهاء وقت الاستمتاع والترفيه والرخاء، وحلول وقت الجد والتفكير والتأني. ويشبه هذا المثل قول الشاعر امرؤ القيس: "اليوم خمرٌ، وغدا أمر".
ما حصل أمس الأول في شرم الشيخ لم يكن ليتمّ لو لم تتوافر إرادة عربية ودولية جامعة لإنهاء مأساة شعب ذاق الأمرّين على مدى سنتين متواصلتين، ليلًا ونهارًا. وبهذه الإرادة يمكن التأسيس لما هو آت. وقد يكون هذا الآتي على ظهر حصان أميركي أصعب بكثير من ظروف الحرب بحدّ ذاتها. فما سمعه العالم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تل أبيب وفي شرم الشيخ عن السلام كلام أكثر من جميل. وبهذا الكلام المنمق أحيانًا وغير المنمق أحيانًا أخرى انتهت مرحلة من الحروب الدامية لتبدأ مرحلة جديدة من السلام.

Advertisement

ففي حرب السنتين سالت دماء كثيرة، وذُرفت دموع لم تجف بعد، وتهدّمت بيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتحوّلت ساحات الفرح إلى ساحات نواح وألم وحزن. هذا من الماضي. هي صفحة سوداء طويت، ولكن سوادها لم يطوَ. هي صفحة مليئة بالأحزان والمآسي والموت والدمار لن تطوى بسهولة بالنسبة إلى من فقد عزيزًا على قلبه، وإلى من ينظر إلى منزله فلا يرى فيه سوى ركام وحطام.
فبالنسبة إلى هذا الواقف في العراء من دون مأوى أو ملجأ أو مسند يتكئ إليه لم تنتهِ الحرب، التي سرقت منه أطفاله وأحلامه ومستقبله. فـ "السلام الورقي" ليس بسلام، وإن كان التوقيع على قصيصات من ورق قد أنهى حقبة من الحقد والكراهية تجاه شعب عانى ويعاني الأمرّين.
السلام الحقيقي بالنسبة إلى كل غزّاوية أو غزّاوي يكون بإعادة الحقّ إلى أصحابه. ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن الفرح النسبي، وإن ناقصًا، عمّ القطاع من شماله إلى جنوبه. ولكن هذا الفرح لن يكتمل إلاّ إذا تحقّق كل ما ورد في كلمات 13 تشرين الأول من العام 2025 من وعود برّاقة.
الهدم سهل؛ إذ يكفي صاروخ واحد ليدمّر منزلًا استلزم بناؤه سنوات طويلة من الكدّ والتعب وعرق الجبين ومن مدّخرات السنين. لكن إعادة الاعمار يتطلب وقتًا لا يعرف أحد من أهل غزة، واستتباعًا واستلحاقًا أهالي الجنوب اللبناني، متى يأتي الدعم الكافي لكي يتحقّق ما لا يمكن أن يتحقّق بين ليلة وضحاها. وفي الانتظار كيف يمكن أن تسير عجلة الحياة اليومية وسط كل هذا الدمار؟
أسئلة لا بدّ من أن تُطرح. فإذا كانت الاجابات عن هذه الأسئلة المصيرية إيجابية فيمكن عندها أن يٌُبنى على الشيء مقتضاه. أمّا إذا بقيت هذه الأسئلة من دون أجوبة شافية ومقنعة فإن الرهان على المستقبل يبقى غامضًا ومجهولًا إن لم تصحبه إجراءات كافية لتبديد الشكوك وطمأنة النفوس القلقة والمضطربة. ومن بين هذه الإجراءات العملية المطلوبة ضمان أمن أهالي غزة. وما يُقال عن الغزاويين يصحّ قوله عن أهل الجنوب اللبناني. فالأمن في مثل هذه الحالات قد يأتي قبل الرغيف، وإن كان الرغيف من الضمانات الأساسية المطلوبة قبل الوصول إلى المطالبة بإعادة البناء، وبإعادة الحياة في القطاع وفي الجنوب إلى طبيعتها.
هي مطالب مثلثة الاضلع ومتساوية من حيث الأهمية: أمن ورغيف ومنزل. وهذه المطالب لم يعثر عليها أهل غزة في كلمات الرئيس ترامب، التي بدت من حيث أهميتها الإستراتيجية خطوة متقدّمة في الطريق الموصلة إلى السلام بعد مخاض عسير.
جميل جدًا ما قاله الرئيس ترامب عن "أن اتفاق غزة يؤسس لشرق أوسط جديد ينبذ الإرهاب ويعيش في سلام واستقرار".
وجميل أيضًا قوله بأنه "لن تحدث حرب عالمية ثالثة في الشرق الأوسط. للمرة الأولى لدينا فرصة حقيقية لتحقيق السلام. نريد أن تحل الحياة محل الموت، والانسجام محل الكراهية، والوحدة محل الانقسام. سنأخذ الشرق الأوسط إلى مستقبل أفضل".
لكن ما قاله عن "أن الخطوات الأولى نحو السلام هي الأصعب"، فيه الكثير من الواقعية. وهذا ما يجب الإشارة إليه. لأن ما بعد التوقيع أصعب بكثير مما قبله، على رغم "أن عددا من البلدان الغنية أبدت رغبتها في المساعدة بإعادة إعمار قطاع غزة".

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق