تتخطّى المفاعيل الاقتصاديّة للحرب العسكريّة بين اسرائيل وإيران جغرافيّة كلّ منهما، لتطال منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع. وما يزيد من التبعات السلبيّة، أنّ المواجهة العسكرية غير المسبوقة بينهما، ّّتحوّلت إلى حرب مفتوحة، لا يمكن التكهّن بمسارها،رغم وقف اطلاق النار، على عكس الضربات الإسرائيليّة الخاطفة لايران والردود المحدودة النطاق، التي جرت بعد طوفان الأقصى.
الحرب تهزّ أسعار النفط والعين على هرمز
طالت التأثيرات المباشرة أسواق النفط، حيث قفزت أسعار النفط 11% في الأسبوع الأول للحرب، بفعل تصاعُد المخاوف من احتمال تعطّل الإمدادات في منطقة الشرق الأوسط المنتجة للنفط، خصوصًا بعداستهداف منشآت النفط والغاز داخل إيران في تصعيد نوعي، من بينها مصفاة مدينة "ري" جنوبي طهران ومستودعات "شهران" لتخزين النفط الإيراني. مضيق هرمز، بوصفه شريان الطاقة العالمي، يتصدّر قائمة المسارح الجغرافيّة التي تطالها تبعات الحرب، كونه الممر المائي بين إيران وسلطنة عُمان، ويربط منتجي النفط في الشرق الأوسط بأسواق آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، يمرّ عبره نحو 80% من النفط السعودي والعراقي والإماراتي والكويتي، إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وسنغافورة، ويُنقل عبره أكثر من 21 مليون برميل نفط يوميًّا، إضافة إلى ثلث صادرات الغاز الطبيعي المسال. ومن تبعات الحرب، القفزة الكبيرة التي سجّلتها أسعار شحن النفط من الشرق الأوسط إلى آسيا بنحو 60%،كما علّق عدد من مالكي الناقلات عمليات التعاقد لتقييم المخاطر. لبيقى السيناريو الأخطر في امكان لجوء إيران إلى إغلاق المضيق في حال تجددت الحرب.
أمام تسعير المواجهة كيف تتأثر منطقة الشرق الأوسط من الناحية الاقتصادية؟ وماذا عن التبعات على الاقتصادات الناشئة ومنها لبنان الذي لا يزال يرزح تحت وقع أزمته الاقتصاديّة؟
تساؤلات جوهرية تُطرح اليوم حول مصير المنطقة اقتصاديًّا، في ظلّ تصاعد التوترات العسكرّية بين إسرائيل وإيران، ليس فقط على مستوى الأسواق الآنيّة أو أسعار النفط، بل على صعيد أعمق، يتعلّق بصورة الشرق الأوسط كمركز جاذب للاستثمار العالمي، وفق الخبير الاقتصادي عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا البروفسور بيار الخوري في حديث لـ "لبنان 24" لافتًا إلى تبعات الحرب على الاستثمارات في المنطقة "بعد سنوات من محاولات إعادة رسم موقع المنطقة في الاقتصاد الدولي – من خلال رؤى كبرى كـ"رؤية السعوديّة 2030"، وخطط التنويع في الإمارات، واستقطاب رؤوس الأموال إلى مصر وحتّى لبنان – تأتي هذه الحرب لتعيد خلط الأوراق، وتبعث برسائل مقلقة إلى المستثمرين وصناديق التمويل الدوليّة". من هنا يرى الخوري أنّ التأثير يتعدّى حدود الدول المشاركة مباشرة في الحرب، ليشمل كامل المنطقة "سوق المال في الخليج قد يشهد تراجعات بسبب قلق المستثمرين من امتداد الحرب، وشركات الخدمات اللوجستيّة قد تبدأ بتقليص عملياتها أو تعديل مساراتها، فيما قد تُعلّق صناديق استثماريّة كبرى قرارات التمويل بانتظار اتضاح المشهد. هذه الديناميكيّة تهدد ما بنته المنطقة خلال العقد الماضي من سردية مفادها أنّ الشرق الأوسط يتحول من بؤرة نزاع إلى واحة استثمار".
الخوري: خسائر غير مرئيّة أخطر من المباشرة
خلف الخسائر المباشرة للحرب هناك ما هو أخطر وفق الخوري، ويكمن في ضرب الثقة، إذ أنّ رأس المال بطبعه جبان، يهرب من أيّ نقطة يتصاعد فيها الدخان، ويبحث عن الاستقرار قبل الربح. ومع كلّ تصعيد أمني في الشرق الأوسط، تبدأ الشركات الكبرى بإعادة حساباتها: هل هذه المنطقة آمنة لإنشاء مصانع؟ هل يمكن توقيع عقود طويلة الأجل؟ هل خطوط الشحن والتوريد مؤمّنة في حال توسعت رقعة الاشتباك؟ كل هذه الأسئلة تطفو على السطح مجدّدًا مع اشتداد الصراع، ويبدأ التأثير في الظهور تدريجيًّا، من تراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، إلى ارتفاع كلفة التأمين والنقل، وانخفاض التصنيف الائتماني لبعض الدول المجاورة لنطاق النزاع.
يضيف الخوري"المستثمر الذي بدأ يغيّر نظرته للمنطقة كمركز واعد، سيعيد تقييمه من جديد، وربما يوجّه أنظاره إلى أسواق أكثر استقرارًا في شرق آسيا أو أميركا اللاتينيّة. السمعة الاستثمارية التي راكمتها الدول تحتاج إلى سنوات من العمل حتى تُبنى، لكن حربًا واحدة قد تهدمها في أسابيع. إن الرسائل التي تبعث بها الأسواق حاليًا، من تراجع في البورصات، إلى قفزات في كلفة التأمين على المخاطر، إلى تجميد بعض التمويلات، ليست مجرد ردّات فعل لحظيّة، بل إشارات إلى أنّ البيئة أصبحت أكثر تقلّبًا وأقل أمانًا. وقد لا يكون الضرر دائمًا، لكن أثره النفسي والمالي على قرارات المستثمرين قد يستمر طويلّا. والسؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم: إذا ما توقفت الحرب بعد أسابيع، هل يمكن للمنطقة أن تستعيد ثقة المستثمر؟ أم أنّنا على أعتاب مرحلة جديدة، يعود فيها الشرق الأوسط إلى صورته النمطيّة القديمة كمنطقة نزاع لا استقرار فيها، ولا أفق اقتصاديا آمن؟".
في لبنان: إلغاء حجوزات وتصاعد في الأسعار
لبنان بدوره لن يكون بمنأى عن تبعات الحرب بين إسرائيل وإيران، حتّى ولو ان حزب الله لم ينخرط فيها مباشرةً. الانعكاسات المباشرة بدأت تظهر في قطاعات عديدة، أبرزها ضرب القطاع السياحي مع تراجع عدد الوافدين إلى بيروت في بداية الموسم السياحي، حيث عمدت شركات الطيران إلى تقليص رحلاتها ورفع الأسعار بسبب المخاطر الأمنيّة، وألغيت الحجوزات في الفنادق بعدما كان الإشغال الفندقي واعد، حتّى أنّ النشاطات الثقافية والترفيهية ستشهد تراجعًا، وقد تُعلّق أوُ تلغى بعض المهرجانات في حال طال أمد الصراع، حيث تم تعليق مهرجانات بيت الدين لهذا العام، إلى جانب السياحة، وكون لبنان يستورد كلّ حاجاته من الوقود، تنعكس الحرب ارتفاعًا في أسعار السلع بما فيها الغذاء والدواء،بفعل ارتفاع أسعار الغاز والنفط عالميًّا وتزايد كلفة الشحن والتأمين، بسبب المخاطر في البحر الأحمر والخليج. ومن التأثيرات غير المباشرة، تراجع الاستثمارات الأجنبيّة والمحليّة، بحيث تتسبب المخاطر الإقليميّة العالية في تجميد أي استثمار خارجي لاسيّما في القطاع العقاري والخدمات، فضلًا عن خوف المستثمرين المحليين من ضخ الأموال في السوق بسبب الغموض، وتأجيل أيّ مشاريع دوليّة أو مساعدات اقتصاديّة للبنان، كانت قيد النقاش.
Advertisement
طالت التأثيرات المباشرة أسواق النفط، حيث قفزت أسعار النفط 11% في الأسبوع الأول للحرب، بفعل تصاعُد المخاوف من احتمال تعطّل الإمدادات في منطقة الشرق الأوسط المنتجة للنفط، خصوصًا بعداستهداف منشآت النفط والغاز داخل إيران في تصعيد نوعي، من بينها مصفاة مدينة "ري" جنوبي طهران ومستودعات "شهران" لتخزين النفط الإيراني. مضيق هرمز، بوصفه شريان الطاقة العالمي، يتصدّر قائمة المسارح الجغرافيّة التي تطالها تبعات الحرب، كونه الممر المائي بين إيران وسلطنة عُمان، ويربط منتجي النفط في الشرق الأوسط بأسواق آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، يمرّ عبره نحو 80% من النفط السعودي والعراقي والإماراتي والكويتي، إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وسنغافورة، ويُنقل عبره أكثر من 21 مليون برميل نفط يوميًّا، إضافة إلى ثلث صادرات الغاز الطبيعي المسال. ومن تبعات الحرب، القفزة الكبيرة التي سجّلتها أسعار شحن النفط من الشرق الأوسط إلى آسيا بنحو 60%،كما علّق عدد من مالكي الناقلات عمليات التعاقد لتقييم المخاطر. لبيقى السيناريو الأخطر في امكان لجوء إيران إلى إغلاق المضيق في حال تجددت الحرب.
أمام تسعير المواجهة كيف تتأثر منطقة الشرق الأوسط من الناحية الاقتصادية؟ وماذا عن التبعات على الاقتصادات الناشئة ومنها لبنان الذي لا يزال يرزح تحت وقع أزمته الاقتصاديّة؟
تساؤلات جوهرية تُطرح اليوم حول مصير المنطقة اقتصاديًّا، في ظلّ تصاعد التوترات العسكرّية بين إسرائيل وإيران، ليس فقط على مستوى الأسواق الآنيّة أو أسعار النفط، بل على صعيد أعمق، يتعلّق بصورة الشرق الأوسط كمركز جاذب للاستثمار العالمي، وفق الخبير الاقتصادي عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا البروفسور بيار الخوري في حديث لـ "لبنان 24" لافتًا إلى تبعات الحرب على الاستثمارات في المنطقة "بعد سنوات من محاولات إعادة رسم موقع المنطقة في الاقتصاد الدولي – من خلال رؤى كبرى كـ"رؤية السعوديّة 2030"، وخطط التنويع في الإمارات، واستقطاب رؤوس الأموال إلى مصر وحتّى لبنان – تأتي هذه الحرب لتعيد خلط الأوراق، وتبعث برسائل مقلقة إلى المستثمرين وصناديق التمويل الدوليّة". من هنا يرى الخوري أنّ التأثير يتعدّى حدود الدول المشاركة مباشرة في الحرب، ليشمل كامل المنطقة "سوق المال في الخليج قد يشهد تراجعات بسبب قلق المستثمرين من امتداد الحرب، وشركات الخدمات اللوجستيّة قد تبدأ بتقليص عملياتها أو تعديل مساراتها، فيما قد تُعلّق صناديق استثماريّة كبرى قرارات التمويل بانتظار اتضاح المشهد. هذه الديناميكيّة تهدد ما بنته المنطقة خلال العقد الماضي من سردية مفادها أنّ الشرق الأوسط يتحول من بؤرة نزاع إلى واحة استثمار".
الخوري: خسائر غير مرئيّة أخطر من المباشرة
خلف الخسائر المباشرة للحرب هناك ما هو أخطر وفق الخوري، ويكمن في ضرب الثقة، إذ أنّ رأس المال بطبعه جبان، يهرب من أيّ نقطة يتصاعد فيها الدخان، ويبحث عن الاستقرار قبل الربح. ومع كلّ تصعيد أمني في الشرق الأوسط، تبدأ الشركات الكبرى بإعادة حساباتها: هل هذه المنطقة آمنة لإنشاء مصانع؟ هل يمكن توقيع عقود طويلة الأجل؟ هل خطوط الشحن والتوريد مؤمّنة في حال توسعت رقعة الاشتباك؟ كل هذه الأسئلة تطفو على السطح مجدّدًا مع اشتداد الصراع، ويبدأ التأثير في الظهور تدريجيًّا، من تراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، إلى ارتفاع كلفة التأمين والنقل، وانخفاض التصنيف الائتماني لبعض الدول المجاورة لنطاق النزاع.
يضيف الخوري"المستثمر الذي بدأ يغيّر نظرته للمنطقة كمركز واعد، سيعيد تقييمه من جديد، وربما يوجّه أنظاره إلى أسواق أكثر استقرارًا في شرق آسيا أو أميركا اللاتينيّة. السمعة الاستثمارية التي راكمتها الدول تحتاج إلى سنوات من العمل حتى تُبنى، لكن حربًا واحدة قد تهدمها في أسابيع. إن الرسائل التي تبعث بها الأسواق حاليًا، من تراجع في البورصات، إلى قفزات في كلفة التأمين على المخاطر، إلى تجميد بعض التمويلات، ليست مجرد ردّات فعل لحظيّة، بل إشارات إلى أنّ البيئة أصبحت أكثر تقلّبًا وأقل أمانًا. وقد لا يكون الضرر دائمًا، لكن أثره النفسي والمالي على قرارات المستثمرين قد يستمر طويلّا. والسؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم: إذا ما توقفت الحرب بعد أسابيع، هل يمكن للمنطقة أن تستعيد ثقة المستثمر؟ أم أنّنا على أعتاب مرحلة جديدة، يعود فيها الشرق الأوسط إلى صورته النمطيّة القديمة كمنطقة نزاع لا استقرار فيها، ولا أفق اقتصاديا آمن؟".
في لبنان: إلغاء حجوزات وتصاعد في الأسعار
لبنان بدوره لن يكون بمنأى عن تبعات الحرب بين إسرائيل وإيران، حتّى ولو ان حزب الله لم ينخرط فيها مباشرةً. الانعكاسات المباشرة بدأت تظهر في قطاعات عديدة، أبرزها ضرب القطاع السياحي مع تراجع عدد الوافدين إلى بيروت في بداية الموسم السياحي، حيث عمدت شركات الطيران إلى تقليص رحلاتها ورفع الأسعار بسبب المخاطر الأمنيّة، وألغيت الحجوزات في الفنادق بعدما كان الإشغال الفندقي واعد، حتّى أنّ النشاطات الثقافية والترفيهية ستشهد تراجعًا، وقد تُعلّق أوُ تلغى بعض المهرجانات في حال طال أمد الصراع، حيث تم تعليق مهرجانات بيت الدين لهذا العام، إلى جانب السياحة، وكون لبنان يستورد كلّ حاجاته من الوقود، تنعكس الحرب ارتفاعًا في أسعار السلع بما فيها الغذاء والدواء،بفعل ارتفاع أسعار الغاز والنفط عالميًّا وتزايد كلفة الشحن والتأمين، بسبب المخاطر في البحر الأحمر والخليج. ومن التأثيرات غير المباشرة، تراجع الاستثمارات الأجنبيّة والمحليّة، بحيث تتسبب المخاطر الإقليميّة العالية في تجميد أي استثمار خارجي لاسيّما في القطاع العقاري والخدمات، فضلًا عن خوف المستثمرين المحليين من ضخ الأموال في السوق بسبب الغموض، وتأجيل أيّ مشاريع دوليّة أو مساعدات اقتصاديّة للبنان، كانت قيد النقاش.