الأحد 17/نوفمبر/2024 - 03:06 م 11/17/2024 3:06:47 PM
يزداد التقارب بين القاهرة وأنقرة، وسط التوترات بين إثيوبيا والصومال، وتتواصل اللقاءات بين المسئولين المصريين والأتراك، في محادثات بشأن إفريقيا وليبيا، تركو على منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، توصل خلالها الجانبان إلى أرضية مشتركة وتفاهم بشأن (سبل الحفاظ على الأمن والاستقرار) في منطقة القرن الإفريقي، بما يسمح (باستعادة حركة الشحن) إلى مستوياتها الطبيعية في البحر الأحمر، وأكدا أن تركيا ومصر (ستعززان التعاون على مستويات متعددة لتحقيق أهدافهما المشتركة، في المنطقة)، في حين تدعمان الصومال في جهوده (لمكافحة الإرهاب) وبناء جيشه الوطني.. وقد سبق وقدم البلدان الدعم للصومال، حيث وقعت أنقرة اتفاقية دفاعية تاريخية مع الحكومة الصومالية في فبراير الماضي، بموجبها ستقوم تركيا بدوريات والدفاع عن المياه الإقليمية الصومالية.. كما وقعت مصر بروتوكول تعاون عسكري مع الصومال، ينص على نشر قوات مصرية في البلاد، كجزء من قوة حفظ السلام الإفريقية.. وفي سبتمبر الماضي، زار الرئيس عبد الفتاح السيسي تركيا، حيث التقى نظيره رجب طيب إردوغان بعد أكثر من عقد من الخلاف.
توترت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، في وقت سابق من هذا العام، بعد اتفاق شهد موافقة منطقة أرض الصومال، المُعلنة استقلالها من جانب واحد، على تأجير جزء من ساحلها على البحر الأحمر لجارتها غير الساحلية إثيوبيا.. وفي إطار التفاهم، اعترفت أديس أبابا باستقلال المنطقة، وتخطط لبناء قاعدة بحرية على أراضيها.، وهو اعتبرته دولة الصومال انتهاكًا لسيادتها.. هنا، أطلقت تركيا مبادرة للمصالحة بين اثنين من أهم شركائها في شرق إفريقيا في مايو الماضي، عقب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى أنقرة.. واستضاف وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، نظيريه الصومالي والإثيوبي، أحمد معلم فقي، وتاي آسكي سيلاسي، وأعقب ذلك بيان مشترك، وصف المحادثات بأنها (صريحة وودية).. وتم تقديم موعد الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة، التي كان مقررًا عقدها أوائل سبتمبر في أنقرة، إلى أغسطس، مما أثار توقعات بحدوث تطورات كبرى لم تتحقق في النهاية على أرض الواقع.. إلا أنه، وفي خطوة خلطت كل الأوراق، أعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في خطاب تليفزيوني قوي، مساء السابع عشر من أغسطس، أن بلاده لن تجري المزيد من المحادثات مع إثيوبيا، ما لم (تعترف بسيادة الصومال)، الأمر الذي يعرض مستقبل الوساطة التركية للخطر.
ويأتي اختيار تركيا للعب دور الوسيط، بسبب علاقاتها القوية مع طرفي الصراع، حيث تُعد أنقرة أحد اللاعبين الإقليميين البارزين في منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الجيوستراتيجية العالية.. ولدى تركيا مصالح متعددة الأوجه في إثيوبيا، ويقال إنها ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في الدولة الإفريقية بعد الصين.. وبحسب السفير التركي في أديس أبابا، يوجد نحو مائتي شركة تركية تعمل في إثيوبيا، في مختلف القطاعات، لا سيما البناء، والأدوية، وصناعة الأغذية.. وتعد الدولة الواقعة في شرق إفريقيا أيضًا واحدة من أكبر المشترين للطائرات بدون طيار والذخيرة التركية في القارة.. ومن ناحية أخرى، تشكل الصومال العمود الفقري للنفوذ التركي في المنطقة، حيث تستضيف أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج.. كما تنشط تركيا في الدولة ذات الموقع الاستراتيجي منذ عام 2011، وفي فبراير الماضي، وقع الطرفان اتفاقية دفاعية اقتصادية، تساعد أنقرة بموجبها الصومال في الدفاع عن مياهها الإقليمية، مقابل فوائد اقتصادية لأنقرة.. فيما يشير بعض المحللين، إلى أن استعداد أنقرة للتوسط في هذه المنطقة الحساسة جيوسياسيًا، هو جزء من استراتيجية أوسع، لتعزيز نفوذها في إفريقيا، من خلال أدوات القوة الناعمة، مثل تقديم الدعم الاقتصادي والدبلوماسي والمساعدات الإنسانية.
ويبدو أن الاستثمارات التركية الكبيرة في البلدين، تشكل أيضًا عامل تحفيز لأنقرة، لمنع تدهور العلاقات بينهما، إذ إن أي حرب وشيكة في المنطقة قد تهدد مصالح أنقرة.. وبحسب تونتش دميرتاش، الأستاذ المساعد للعلاقات الدولية بجامعة مرسين، فإن النزاع الحالي له تأثيرات جيوسياسية أوسع نطاقًا، تتجاوز مخاوف الصومال وإثيوبيا، حيث قد يؤثر على جيبوتي وحوض البحر الأحمر، وبالتالي مصر واليمن والمملكة العربية السعودية والسودان.. وتسعى تركيا إلى الحفاظ على التوازن بين الاضطراب المحتمل لمصالحها الجيوستراتيجية، ومخاطر السماح للجهات المسلحة من غير الدول والمنظمات الإرهابية بالتورط في هذه العملية.. وما مبادرة تركيا في هذه الوساطة إلا محاولة من أنقرة، للعب دور في دعم والدفاع عن القانون الدولي داخل النظام العالمي، باعتبار أن مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال لا تعتبر سارية المفعول.
ويمثل النزاع المتصاعد بين مقديشو وأديس أبابا، اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدبلوماسية التركية، على سد الفجوة بين دولتين، اتسمت علاقاتهما تاريخيًا بالعداء المتبادل.. وفي هذا السياق، كان لافتًا أن أنقرة لجأت إلى الدبلوماسية على أعلى مستوى، حيث التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بشكل مباشر، أو عبر محادثات هاتفية، لكسر الجمود بين الطرفين.. لكن هذه الجهود لم تنجح بعد في تحقيق تحسن ملموس، حيث يرى بعض المحللين أن إلغاء مذكرة التفاهم فقط، بين أديس أبابا وأرض الصومال، من شأنه أن يشجع الصومال على بدء المفاوضات.. وقد طالبت مقديشو أديس أبابا بعدم عسكرة طموحاتها الاقتصادية، وإن تطوير قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، من شأنه أن يشكل خطرًا أمنيًا على الدول الإقليمية التي تخشى صعود النفوذ الإثيوبي.. وبدلًا من ذلك، فإن الصومال (سيفتح موانئه أمام التجارة الإثيوبية، كما هو الحال في جيبوتي وكينيا وتنزانيا).
ومع ذلك، وفي ضوء التقارير المسربة التي تتحدث عن طلب إثيوبيا وساطة تركية، هناك مؤشرات على أن أديس أبابا لا تريد تصعيد النزاع، لكنها تهدف إلى جعل الصومال وتركيا تدركان حاجتها إلى منفذ بحري، بسبب مخاوفها الاقتصادية والأمنية.. وأشار وزير الخارجية التركي، إلى أن التوترات بين البلدين قد تنتهي بحصول إثيوبيا على الوصول إلى البحر عبر الصومال، طالما اعترفت بسلامة أراضيها وسيادتها.. لكن هناك تساؤلات، حول كيفية حل العقدة التي تُجسدها المواقف المتناقضة، التي تعكسها مذكرة التفاهم مع أرض الصومال، بشأن البحر الأحمر، إذ سيكون من الصعب على الجانب الإثيوبي التراجع عن مذكرة التفاهم، وذلك لن يحدث، إلا بشرط ضمان البدائل التي تلبي مُتطلبات أديس أبابا الأمنية والاقتصادية.
ورغم أن الجانب الاقتصادي يمكن أن يتحقق من خلال اتفاق مع الصومال، فإنه سيكون من الصعب على مقديشو أن توافق على القاعدة العسكرية التي تطالب بها إثيوبيا لتأمين مصالحها.. وبالتالي، فإن الجهود التركية لا تزال بعيدة كل البعد عن إقناع الطرفين بتقديم التنازلات.. لأن رغبة إثيوبيا في فصل ملف مذكرة التفاهم، عن المفاوضات بشأن الوصول إلى البحر، ستؤدي إلى فشل الوساطة التركية (الآن وفي المستقبل).. إلا أن ما يجب الاعتراف بأنه لا توجد (عصا سحرية) لحل مشاكل بهذا التعقيد والعمق، لكن هذا لا يعني أن الجهود باءت بالفشل (بعد اجتماعين أو ثلاثة).. وعلاوة على ذلك، فإن قبول الطرفين للدبلوماسية كأداة للتغلب على الأزمة، يُشكِّل في حد ذاته نجاحًا يستحق الدعم، من أجل منع إمكانية اندلاع صراع مسلح في المستقبل.
●●●
ملف القرن الإفريقي ذاته، كان واحدًا من نقاط الالتفاء بين مصر وتركيا.. إذ استعرض الرئيس السيسي والتركي، رجب طيب إردوغان، في آخر لقاء بينهما، الأوضاع هناك، وخصوصًا في الصومال، حيث اتفقنا على ضرورة الحفاظ على وحدة الصومال الشقيق وسيادته وسلامة أراضيه، ضد التهديدات التي تواجهه.. مما يعني، أن المشهد الجيوسياسي المتغير، يشكل عاملًا حاسمًا آخر، لدفع تركيا ومصر إلى إعادة معايرة علاقتهما، وإيجاد مجالات للتعاون، على الرغم من خلافاتهما السابقة.. وقد كان قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بأول زيارة رئاسية له إلى تركيا، منذ إثنتى عشر عامًا، نقطة تحول، بعد سنوات من العلاقات المتوترة، ومثلت بداية حقبة جديدة في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين القوتين الإقليميتين، بعد علاقة معقدة بين مصر وتركيا، وإعلان بأن زمن التنافسات الإيديولوجية قد ولى؛ والآن يبدو أن البراجماتية والمصالح الاقتصادية هي المحركات التوجيهية.. وتتجلى المخاوف والمصالح المشتركة في العديد من الصراعات الإقليمية، بما في ذلك تلك الموجودة في غزة وليبيا والسودان والقرن الإفريقي.
في الواقع، يشترك البلدان في مصالح اقتصادية كبيرة، مما يشجعهما على تحسين العلاقات. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك، قال الرئيس أردوغان إن تركيا ومصر أكدتا عزمهما على تعزيز التعاون في كل المجالات، بما في ذلك الصناعة والدفاع والصحة والبيئة والطاقة.
كما عقد اجتماع رفيع المستوى لمجلس التعاون الاستراتيجي حيث أشرف الزعيمان على توقيع 17 اتفاقية عبر قطاعات مختلفة، بما في ذلك التعليم والبنية التحتية والطيران والنقل والصحة والطاقة. وتسعى تركيا إلى أن تصبح مركزا للإمداد الأوروبي من خلال استيراد الغاز الطبيعي المسال من مصر واستئناف شحن البضائع بين ميناء مرسين التركي والإسكندرية في مصر. وكذلك تهدف القاهرة وأنقرة إلى زيادة حجم التجارة من 10 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
ويبدو أن المشهد الجيوسياسي المتغير يشكل عاملا حاسما آخر يدفع تركيا ومصر إلى إعادة معايرة علاقتهما وإيجاد مجالات للتعاون على الرغم من خلافاتهما السابقة. وتتجلى المخاوف والمصالح المشتركة في العديد من الصراعات الإقليمية، بما في ذلك تلك الموجودة في غزة وليبيا والسودان والقرن الأفريقي.
●●●
وبخلاف تركيا وروسيا وفرنسا والصين، وغيرهما، كلاعبين دوليين في القرن الإفريقي، تبدو الولايات المتحدة لاعبًا آخر في المعادلة.. التي تضع عينًا على محاربة الإرهاب وأخرى على التجارة الدولية في البحر الأحمر. وفي تتويج للتعاون العسكري بينهما، وقّعت كل من مقديشيو وواشنطن اتفاقًا عسكريًا منتصف فبراير الماضي، تقوم بموجبه واشنطن بتعزيز قدرات الجيش الصومالي، في مواجهة حركة الشباب المجاهدين.. وتُعد هذه الخطوة امتدادًا للانخراط العسكري الأمركيي في الساحة الصومالية، الذي شهد تناميًا مستمرًا منذ مايو 2022، حين قرر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إرسال المئات من الجنود الأمريكيين إلى الصومال، في تراجع لافت عن سياسة الانسحاب من (الحروب الأبدية)، التي أطلقها سلفه دونالد ترامب.. هذا القرار الذي عكس الأهمية الجيوستراتيجية والأمنية للصومال، المُشرف على كل من المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، حيث يمثل بوابة مفتاحية إلى شرق وعمق القارة الإفريقية، ونقطة محورية في القرن الإفريقي، الذي يشكل إحدى ساحات الحرب الباردة الحالية بين واشنطن ومنافسيها.
وتبرز التطورات الأخيرة في جنوب البحر الأحمر، في كواليس الاتفاق العسكري الذي عقدته واشنطن مع مقديشو، إذ تربط عديد من التحليلات، بين الهجمات التي يقوم بها الحوثيون على المصالح الغربية قرب باب المندب، ورغبة الإدارة الأمريكية في دعم وجودها العسكري والاستخباري في الصومال، القريب من مسرح العمليات هذا.
وتذهب ورقة صادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، إلى أن قرار بايدن بإعادة جنوده إلى الصومال، جسد رغبته في تعزيز حضور واشنطن في ذلك البلد، بعد أن شهدت العلاقات بين الطرفين توترًا كبيرًا، في عهد الرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله فرماجو ـ 2017: 2022.. وفي هذا السياق، كان لافتًا توقيت إعلان القرار، الذي تلا بيوم واحد انتخاب حسن شيخ محمود، رئيسًا للصومال في 15 مايو 2022، مما اعتبرت حينها رسالة دعم مباشرة لشيخ محمود، الذي وضع مواجهة التحديات الأمنية على رأس أجندته، مع تزايد نشاط حركة الشباب، عقب سحب ترامب قوات بلاده من الصومال، في ديسمبر 2020.
بجانب هذا، حملت الخطوة الأمريكية مؤشرًا، إلى محاولة استباقية من واشنطن لتقليص التداعيات الأمنية المتوقعة، لانسحاب القوات الأفريقية من الصومال بنهاية العام الحالي، والتي تُشكل ظهيرًا حيويا للجيش الصومالي في معركته مع حركة الشباب، مما سيُلقي بتبعة تولي المهام الأمنية في البلاد على كاهل القوات الصومالية، فيما قبل تشكيل قوة بديلة، تابعة للاتحاد الإفريقي، خصوصًا وأن الأعوام الأخيرة شهدت تعاظمًا مستمرًا في قوة حركة الشباب في الصومال، وهو ما اضطر ستيفن تاونسند، القائد السابق للقوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، إلى وصفها، مطلع عام 2022، بأنها (قادرة على التكيف، ومرنة، ولديها القدرة على مهاجمة مصالح الغرب وشركائه في الصومال وشرق إفريقيا).. وفي مواجهة هذا التطور، ترمي واشنطن من خلال تنشيط حضورها العسكري والأمني في الصومال، إلى تقويض الحركة ومحاصرتها، وحماية حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين من استهدافاتها.
وأورد تقييم (التهديد الإرهابي العالمي) لعام 2024 ـ الصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن ـ حركة الشباب ضمن أهم المُهددات الأمنية في شرق إفريقيا، إذ قامت الحركة بهجمات دامية على أهداف عسكرية ومدنية في كل من أوغندا وكينيا.. وتضمن ذلك أيضًا، هجومها على قوات كينية وأمريكية، في قاعدة بخليج ماندا في كينيا عام 2020، كما هددت باستهداف جيبوتي، التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في إفريقيا.
من جانب آخر، تبدو واشنطن معنية بالحيلولة دون تمدد نشاطات حركة الشباب، إلى الجوار الملتهب في كل من إثيوبيا والسودان.. ففي هذين البلدين، تتيح السيولة الأمنية الناتجة عن الحرب في السودان والصراعات الداخلية في إثيوبيا، الفرصة للحركة للتغلغل داخلهما وفتح جبهات جديدة لنشاطاتها الإرهابية، إذ تمثل هذه البيئات الهشة أجواء مثالية لنشاطات التنظيمات المسلحة.،. وقد تم إحباط هجمات متكررة لحركة الشباب، استهدفت إحداها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا صيف عام 2022، في حين أن نفاذ الحركة إلى السودان، يعني صنع حزام من الفوضى الأمنية، يمتد من غرب القارة في منطقة الساحل إلى شرقها.
وتصف ورقة صادرة عن مركز بروكينجز، القارة الإفريقية، بأنها إحدى المناطق التي تشهد (فجر الحرب الباردة الثانية)، حيث تحوّل القرن الإفريقي، خلال العقد الأخير، إلى ساحة اختبار قوة حاد، بين الولايات المتحدة ومنافسيها الدوليين، وعلى رأسهم الصين وروسيا.. وفي هذا السياق، يذهب مقال ـ شاركت في كتابته البروفيسورة المساعدة في جامعة كاليفورنيا، سمر البلوشي ـ إلى أن خطة الحكومة الأمريكية لتدريب قوات الأمن الصومالية، تمثل إستراتيجية غير مباشرة، ليس فقط لتوسيع الوجود العسكري الأمريكي في الصومال، بل لمواجهة أكثر حزمًا مع القوى الأخرى المنافسة في المنطقة.. وفي هذه المقاربة، تستند البلوشي إلى أن المادة 1202 من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2018، توسِّع قدرة الولايات المتحدة على شن الحرب، عبر قوات بديلة، في الأماكن التي لم يتم إعلان الحرب رسميًا فيها، بهدف مواجهة نفوذ الخصوم، مثل الصين وروسيا.
أيضَا، تشير ورقة صادرة عن جامعة براون الأمريكية، إلى أن مجموع ما أنفقته واشنطن على محاربة الإرهاب في الصومال، بين عامي 2007 و2020، زاد على ملياري ونصف المليار دولار، توزعت على مجالات مختلفة، كالتدريب والتسليح والدعم اللوجستي والاستخباري.. ومنذ مايو 2022، يقدم أربعمائة وخمسين جنديًا أمريكيًا المشورة للجيش الصومالي، وينخرطون في برامج تدريب متنوعة، تتضمن أيضًا القوات الإفريقية العاملة في البلاد.. ووفقًا للتفاهم الأمريكي ـ الصومالي الأخير، سيعمل البنتاجون على بناء خمسة قواعد عسكرية، لتدريب قوات (داناب) في جنوب البلاد، الذي تنشط فيه حركة الشباب، مما سيسهم في زيادة القدرات الاستخبارية الميدانية، من خلال الاتصال المباشر مع العشائر القاطنة في المنطقة.. ويمثل داناب (أي البرق باللغة الصومالية)، أحد أهم الاستثمارات الأميكيية في القطاع العسكري الأمني في الصومال، وهو لواء لقوات التدخل السريع، تم إنشاؤه عام 2014، يبلغ قوامه قرابة ألأف وخمسمائة جندي، ويستهدف البنتاجون زيادته إلى ثلاثة آلاف، إذ يمثل رأس الحربة في المعركة مع حركة الشباب.. وتتولى واشنطن الإشراف على داناب، إذ تقوم شركة بانكروفت الأمنية الأمريكية الخاصة بتقديم التدريب الأساسي لجنودها، في حين تقدم القوات الأمريكية الخاصة التدريب المتقدم.. وتوصف هذه الوحدة بالاحترافية وببعدها عن المناورات السياسية العشائرية في الصومال، نتيجة السيطرة الوثيقة للولايات المتحدة عليها، فهي لا تكتفي بتدريبها فقط، بل توفر لها الدعم اللوجستي والتسليحي والرواتب الثابتة، بجانب التغطية الجوية لهجماتها.
وتعتبر الغارات الجوية، إحدى الركائز الأساسية للعمليات الأييركية التي تستهدف حركة الشباب في الصومال.. وقد اعترفت واشنطن بتنفيذها تسعة عشر ضربة جوية خلال عام 2023، في انخفاض لافت عن الذروة التي بلغتها عام 2019 بما مجموعه ثلاثة وستين غارة جوية، إذ تنطلق المسيرات الأمريكية من القواعد العسكرية في المنطقة، ولا سيما قاعدة ليمونييه في جيبوتي، وتستهدف قادة حركة الشباب، وترد على هجمات الحركة، بجانب تقديم الغطاء الجوي للعمليات الهجومية للقوات الصومالية.
وقد قدم الانخراط العسكري الأمريكي في الصومال، دعمًا حيويًا لبلد يعاني من تبعات انهيار الدولة، منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث وفَّر، على سبيل المثال، الغطاء الجوي الذي تفتقر إليه القوات الصومالية.. غير أن العديد من الانتقادات توجه إلى النهج العسكري الذي اتبعته السياسة الأمريكية في الصومال، إذ إن اعتمادها على الضربات الجوية، على أهميته، يكشف محدودية القدرة على السيطرة على الأرض، دون توفر قوات برية مصاحبة، كما أن خطر إلحاق هذه الضربات الضرر بالمواطنين وممتلكاتهم يهدد بتقويض الدعم الشعبي لجهود واشنطن.. هذه التحديات وغيرها، دفعت دانيال لاريسون، المحرر الكبير في مجلة American Conservative - إلى التساؤل عن جدوى الإستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة، بالنظر إلى التنامي المستمر للتهديدات الإرهابية في الصومال، رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها واشنطن خلال قرابة عقدين من الزمان.
إلى جانب ما سبق، يُلقى الغموض المرتبط بنتائج الانتخابات الأمريكية، التي جاءت بدونالد ترامب ثانية إلى البيت الأبيض، بظلال كثيفة على مستقبل النشاط العسكري الأمريكي في الصومال، حيث تؤشر باحتمالات سحب ترامب قوات بلاده، كما فعل سابقًا.. لذلك، تقترح ورقة نشرتها مجموعة الأزمات الدولية، عددًا من الخطوات لجعل التحركات الأمريكية أكثر فاعلية واستدامة.. وتتعلق الإجراءات المقترحة بشكل رئيسي، بدعم الجهود غير العسكرية لتحقيق الاستقرار في الصومال، من خلال تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة على كل مستويات الدولة والمجتمع الصوماليين، ودعم حوارات السلام المحلية، والتوسع في المشاريع التي تشتد حاجة المجتمع إليها، كإصلاح الآبار وتسهيل تقديم الخدمات.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.