تّعج كتب التاريخ المصري فيما يتعلق بالشيخ عبد العزيز جاويش (31 أكتوبر 1876 - 25 يناير 1929)، بالكثير من الروايات التي تنحو نحو كونه أحد المجاهدين المصريين، وأحد رواد الإصلاح والعمل الوطني؛ خاصة بعد انضمامه إلى الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل (1874-1908)، وكونه ناضل ضد الحكم الاستعماري البريطاني.
وتعيينه بعد وفاة مصطفى كامل رئيسًا لتحرير صحيفة اللواء التابعة للحزب، وهو المنصب الذي شغله من عام 1908 إلى عام 1912 بسبب معارضته للحكم الاستعماري.
تورط في اغتيال "غالي" وقام بتعريب الأسلحة من فرنسا إلى مصر
ولكن للشيخ عبد العزيز جاويش وجه آخر ورد بين الحين والحين في صفحات بعض الوثائق التاريخية وجاءت على استحياء في متون كتب التاريخ؛ ومنها تورطه في عملية توفير الدعم اللوجيستي لعملية اغتيال بطرس باشا غالي عّبر جمعيته السرية التي اسسها باسم "التشجيع علي التعليم الحر" وساعد على إمداد "الورداني" الشاب الصيدلي الذى نفذ العملية بالسلاح، وأن هذا الدعم لم يكن بغرض خدم القضية الوطنية المصرية بل لأهداف أبعد تتعلق بالخلافة العثمانية.
وتشير العديد من الوثائق التاريخية الأجنبية إلى دور الشيخ عبد العزيز جاويش رئيس البعثة الأزهرية في مونبلييه بفرنسا عام 1912، بإن الدافع وراء ذهابه لفرنسا هو تنظيم مشروع لتهريب الأسلحة إلي مصر، والذى التقي بأحد الشباب المصريين هناك يدعي "علي إمام وأكد" والذي قال له إن مصر بحاجة إليه وعاد "وأكد" ومعه عدد من الشباب المصريين الشباب إلى مصر بالبنادق والسلاح، في محاولة لاغتيال الخديوي عباسس حلمي الثاني في ساحة محطة القطار، واللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر.
عباس محمود العقاد يكشف وجها آخرًا من وجوه "جاويش"
في كتابه "رجال عرفتهم"، أفرد المفكر الراحل عباس محمود العقاد فصلًا كاملًا عن الشيخ عبد العزيز جاويش الذى تزامل معه في مدرسة "أسوان الأميرية" والذي لا تقل شهرته بين العقاد وزملائه بالجهل عن شهرته بالعبث والمبالاة؛ حسبما أشار في كتابه.
ويروى "العقاد" أحد المواقف الغريبة التي كشفت وجهًا آخرًا من وجوه "جاويش"؛ حيث يقول: حضرنا يوما إلى مكتب الصحافة بوزارة الداخلية، فسألنا موظف فيه: «هل صحيح أن الشيخ جاويش اعتزل عمله في تحرير «اللواء»؟
فقال زميل صحفي: «إني أشك في صحة الخبر. وقلنا جميعًا: إن دار اللواء قريبة، والسؤال هناك أيسر من الشك بغير دليل. ودخلنا مكتب الشيخ فوجدناه فيه، وتبين من الكلمة الأولى أن الخبر غير صحيح ثم مضى الشيخ في كلامه إلى التعليق على الصحف عامة وعلى السياسة والأحزاب، ثم إلى الكلام عن حرية الصحافة وحرية الزعماء السياسيين. وجلست أسمع وأنا أعجب لرجل يفهم الوطنية المصرية في نهضة المطالبة بالاستقلال، ثم ازداد عجبي حين قدم للمحاكمة، فكان دفاعه الأول أنه «غير مصري»؛ لأنه ينتمي إلى أسرة تونسية، و«تونس» خاضعة للحماية الفرنسية. ثم ازداد العجب حين سافر إلى الآستانة» وأنشأ فيها صحيفة «الهلال العثماني»؛ لينشر بها دعوته السياسية على الوجه الذي كان يفهمه ولم يعدل عنه بقية حياته، وبلغ غايته حين علمنا أنه أنشأ في الآستانة حزب الوطن العثماني»؛ ليعارض به حزب«محمد فرید»، الذي جعل شعاره «مصر للمصريين». وكانت صحيفة الهلال العثماني تصل إلينا سرا في فترات متقطعة، فكنت أسأل نفسي: هل بلغ من يقين الشيخ بمذهبه في الوطنية أن يفترض قبوله على كل مصري يسمع باسمه من بعيد؟
وعدنا إلى زي الشيخ حين سمعنا نبأ الحملة التركية على هذه البلاد، فقد قيل يومئذ إن كسوة المشيخة الإسلامية كانت في حقيبة الشيخ، وإنه قد حيل بينه وبين مصاحبته الحملة في اللحظة الأخيرة لامتعاض شيخ الإسلام هناك من حركاته حول مصر والحجاز وانتهت الحرب، ولقيت الشيخ اتفاقا قبل تعيينه مرة أخرى بوزارة المعارف، فإذا هو هو في تفكيره وتقديره عن السياسة الوطنية: «أنقرة» هي صاحبة القول الفصل في السيادة المصرية، أنقرة» هي المرجع الأخير في الامتيازات الأجنبية، معاهدة سنة ١٨٤٠ هي أساس ما نطالب به من حقوق".