خطة لتصدير كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر مجمع إدكو
في لحظة تتشابك فيها السياسة بالاقتصاد، وتتصدر فيها الطاقة واجهة الصراع العالمي، تعود مصر لتثبيت أقدامها كلاعب محوري على خريطة الغاز الطبيعي، ليس فقط كمستهلك يسعى لتأمين احتياجاته، بل كمُصدّر قادر على توظيف موارده وبنيته التحتية لخدمة الأسواق الدولية.
خطة لتصدير كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر مجمع إدكو
فبين ضغوط الطلب الأوروبي، وتقلبات أسعار الطاقة، وسعي الدول لتأمين مصادر بديلة ومستقرة، تتحرك القاهرة بخطوات محسوبة لإعادة تدوير أوراقها في سوق الغاز المسال.
خلال السنوات الأخيرة، لم يكن ملف الغاز مجرد أرقام إنتاج أو شحنات تصدير، بل تحول إلى أحد أعمدة الاستراتيجية الاقتصادية للدولة، وأداة لجذب الاستثمارات الأجنبية، ورسالة ثقة للشركاء الدوليين بأن مصر قادرة على الوفاء بالتزاماتها، حتى في ظل تحديات الإنتاج المحلي وارتفاع الاستهلاك الداخلي. ومن هذا المنطلق، جاء التحرك الأخير للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” ليعكس توجهاً عملياً يعيد رسم المشهد.
الحديث هنا لا يدور فقط حول شحنتين من الغاز المسال، بل عن منظومة متكاملة تشمل إدارة دقيقة للموارد، وترشيداً مدروساً للاستهلاك المحلي، واستغلالاً أمثل للبنية التحتية القائمة، وعلى رأسها مجمع إدكو للإسالة، الذي عاد مجدداً ليكون بوابة مصر إلى الأسواق الأوروبية. فكل متر مكعب يتم توجيهه للتصدير يحمل في طياته رسالة مزدوجة: دعم الاقتصاد الوطني، وسداد جزء من مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في قطاع البترول.
وتأتي هذه الخطوة في توقيت بالغ الحساسية، حيث تسعى الحكومة إلى تحقيق توازن دقيق بين تلبية احتياجات السوق المحلية وضمان استمرار عجلة التصدير، في وقت يشهد فيه الإنتاج المحلي فجوة واضحة مقارنة بمعدلات الاستهلاك. لكن القاهرة، كما يبدو، تراهن على عاملين حاسمين: الاكتشافات الجديدة التي دخلت بالفعل حيز الإنتاج، وتراجع الاستهلاك خلال الأشهر الأخيرة، ما أتاح مساحة للمناورة وإعادة توجيه الفوائض.
مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة
في العمق، لا يمكن فصل هذه التحركات عن الرؤية الأوسع التي تسعى لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة، مستفيدة من موقعها الجغرافي، وشبكة خطوط الأنابيب، ومحطات الإسالة، والشراكات الدولية الممتدة من شرق المتوسط إلى أوروبا. ومع كل شحنة غاز تغادر الموانئ المصرية، تتعزز هذه الرؤية خطوة إضافية نحو الواقع.
هكذا، لا تبدو شحنات الغاز المرتقبة مجرد عملية تصدير عابرة، بل فصل جديد في قصة تسعى فيها مصر لإعادة تموضعها في سوق عالمي شديد التنافس، واضعة نصب أعينها هدفاً واضحاً: تثبيت الثقة، جذب الاستثمارات، وتعظيم العائد من ثروة طبيعية باتت ورقة استراتيجية من الطراز الأول.
بدأت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” تنفيذ خطة لتصدير كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر مجمع إدكو، في خطوة تستهدف تصدير نحو 300 ألف متر مكعب قبل نهاية عام 2025، لصالح الشركات الأجنبية العاملة في قطاع الغاز بمصر.
وبحسب مصادر مطلعة، سيتم توجيه الكميات المقررة إلى الأسواق الأوروبية عبر شحنتين متتاليتين، تبلغ حمولة كل منهما 150 ألف متر مكعب، حيث من المنتظر تصدير الشحنة الأولى خلال أيام، على أن تتبعها الشحنة الثانية بفارق زمني قصير.
القيمة الإجمالية للشحنتين تتراوح بين 80 و90 مليون دولار
وتشير التقديرات إلى أن القيمة الإجمالية للشحنتين تتراوح بين 80 و90 مليون دولار، وفقاً لأسعار الغاز العالمية وتوقيت التوريد، على أن تؤول عائدات التصدير إلى حسابات الشركات الأجنبية التي تمتلك مستحقات مالية لدى الحكومة المصرية.
وتأتي هذه الخطوة في إطار التزام “إيجاس” بدعم استراتيجية الدولة الرامية إلى تشجيع الشركاء الأجانب على ضخ استثمارات جديدة في أنشطة البحث والتنمية، بما يسهم في زيادة الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي، ويعزز من دور مصر كمركز إقليمي لتجارة الطاقة.
وفيما يتعلق بمصادر الغاز، أوضحت المصادر أن الشركة وفرت كميات شهرية تقدر بنحو 250 ألف متر مكعب نتيجة تنمية الحقول، إلى جانب كميات إضافية ناتجة عن تراجع الاستهلاك المحلي، ما رفع إجمالي الفوائض المحققة خلال ديسمبر الجاري إلى نحو 400 ألف متر مكعب، سيتم توجيهها للتصدير بعد إسالتها.
وشهدت السوق المحلية خلال شهري نوفمبر وديسمبر انخفاضاً في استهلاك الغاز الطبيعي بنحو 200 مليون قدم مكعبة يومياً، الأمر الذي ساعد على إتاحة كميات إضافية للتصدير خلال الفترة الحالية، دون التأثير على استقرار الإمدادات الداخلية.
ويبلغ متوسط الاستهلاك المحلي حالياً نحو 6 مليارات قدم مكعبة يومياً، في حين يصل الإنتاج المحلي إلى حوالي 4.2 مليار قدم مكعبة يومياً، ويتم استكمال الفجوة عبر واردات الغاز المسال وبعض الكميات المستوردة من إسرائيل عبر خطوط الأنابيب.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية أن عدد الاكتشافات الجديدة منذ يوليو الماضي بلغ 18 كشفاً للزيت والغاز، دخل 13 منها بالفعل مرحلة الإنتاج، بإجمالي إنتاج يومي يقارب 14 ألف برميل من الزيت والمتكثفات، و44 مليون قدم مكعبة من الغاز، ما يدعم جهود تقليل الاعتماد على الاستيراد وتعزيز الموارد المحلية.















0 تعليق