إدوارد سعيد يحتفي بالحياة والقدرة على النجاة بالذاكرة في وجه العدم

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

صدر حديثا عن دار الساقي للنشر، النسخة العربية لكتاب “بعد السماء الأخيرة”، للمفكر والمنظر الفلسطيني الأمريكي الراحل، إدوارد سعيد، بمشاركة المصور الفوتوغرافي السويسري، جان مور، وترجمة أحمد دياب.

ويقع الكتاب في 216 صفحة من القطع الوسط، وفيه يمزج “سعيد” بين الكلمة والصورة ليُعيد رسمَ ملامح الفلسطينيين ليسوا لاجئين فحسب، بل أفرادٌ يعيشون تفاصيل الفرح والألم، الحنين والتّيه، البقاء والغياب.

إدوارد سعيد يحتفي بالحياة والقدرة على النجاة بالذاكرة في وجه العدم

وفي مقدمته للكتاب، يذكر إدوارد سعيد أن: "بعد السماء الأخيرة هو كتاب منفى. كُتب في منتصف ثمانينيات القرن العشرين كمحاولة لتجسيد حياة الفلسطينيين من منظور ذاتي على بعد كبير من فلسطين نفسها. 

غادرت عائلتي القدس للمرة الأخيرة في ديسمبر 1947؛ كنت حينها في الثانية عشرة من عمري، وكان وعيي وذاكرتي محدودين كما هو حَريٌّ بصبي نشأ معزولًا ومحاطًا برعاية عائلته. بحلول منتصف ربیع 1948، غادرت عائلتي الكبيرة بأكملها، وطردت من فلسطين مع ما يقرب من مليون فلسطيني آخر. 

كانت هذه هي النكبة، أو الكارثة، التي أنبأت بتدمير مجتمعنا وسلبنا نحن الشعب من أرضنا وهي تتزامن تمامًا مع قيام دولة إسرائيل.

ويضيف “سعيد”: في عام 1992، بعد خمسة وأربعين عامًا من مغادرتي فلسطين، وبعد ست سنوات على نشر هذا الكتاب في بريطانيا العظمى، عدتُ إلى فلسطين إسرائيل لأول مرة برفقة زوجتي وطفلي كانت رحلة ذات أهمية عظيمة بالنسبة إليّ، إذ تمكنت أن أُرِي عائلتي المكان الذي ولدتُ فيه، والمنزل الذي نشأت فيه، والمدرسة التي درست فيها والتي سبق أن درس فيها والدي من قبلي، بالإضافة إلى البلدات والقرى التي عاش فيها أجدادي وأعمامي وعماتي وأبناء عمومتي.

غلاف الكتاب

 خلال تجوالي في أنحاء ما أصبح الآن إسرائيل، اعترتني الصدمة عندما اكتشفت مجددًا أنه لم يتبق لي أحد هناك، رغم أنني ما زلت أتذكر البيوت والصفوف المدرسية والشواطئ والحدائق، وبالطبع أصدقاء الصبا، وكثير منهم فارقوا الحياة.

رغم ما أصابني من الغمّ لم أكن مع ذلك يائسًا. كانت الضفة الغربية وغزة، اللتان احتلتهما إسرائيل في 1967، موقعًا لانتفاضة مدهشة مناهضة للاستعمار (بدأت بعد عام من نشر الكتاب) قادها بشكل أساسي الشباب، فتيان وفتيات من طلاب وآباء وأمهات شباب يرشقون الحجارة. لقد هزت الانتفاضة إسرائيل وأذهلت العالم بما تمخضت عنه من شجاعة ورمزية. 

إدوارد سعيد.. لا أستطيع تصوّر عودة كاملة إلى الوطن

وفي موضع آخر من مقدمته للكتاب، يقول “سعيد”: على الرغم من كل أنواع الجهود المبذولة للتخلص منا سياسيًا كشعب، فقد واصلنا وجودنا ومقاومتنا كشعب أيضًا، وكانت الشواهد على ذلك واضحةً جليّةً من حولي أنا وعائلتي أثناء تجوالنا داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة.

 زرنا أماكن مثل جامعة بيرزيت، التي عرفتها آخر مرة في الأربعينيات مدرسةً ثانوية يديرها أصدقاء حميمون وأقرباء من عائلتي الممتدة؛ أما الآن فقد صار الحرم الجامعي مكانًا مهيبًا يمتد على تلة تجذب الأنظار تبعد عشرة كيلومترات عن رام الله، وقد صارت الجامعة جامعة وطنية بكلّ معنى الكلمة ما كان مصدر قلق لدي عندما كنت أنظر إلى فلسطين من بعد، تبيّن عند التفحص من كتب أنها مؤسسات وجمعيات مزدهرة وصامدة تقوم على تلبية الاحتياجات الشعبية. 

ومع ذلك، أدركت أيضًا أنه سيتعين عليّ أن أبقى منفيًا، وأنه على الرغم من أنني أستطيع الآن زيارة فلسطين، فما زلت لا أستطيع تصوّر عودة كاملة إلى الوطن. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق