غزة في مفترق السيادة.. لماذا تؤخّر حكومة نتنياهو الانتقال إلى «المرحلة الثانية»من اتفاق شرم الشيخ؟

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تعيش غزة اليوم لحظة (سياسية مفصلية) يتقاطع فيها الأمن والسيادة وإعادة الإعمار، في ظل مشهد تشابكي تتداخل فيه الاعتبارات الوطنية الفلسطينية مع الضغوط الإقليمية والدولية.

وفي هذا السياق، جاء توقيع الاتفاق في شرم الشيخ، والذي يُعد خطوة أولية في مسار واسع لإعادة الاستقرار في القطاع. ومن ثم، أصبحت الأنظار منصبّة على كيفية نقل هذه التفاهمات إلى واقع ملموس يُعيد لغزة توازنها واستقرارها.

ماذا تضمّن الاتفاق وما يُفترض أن تتحقّق؟

وفق المصادر المتخصصة، ينقسم المسار إلى ثلاث مراحل رئيسية:

المرحلة الأولى: وقف فوري لإطلاق النار، تبادلات أسرى ورفات، تدفّق مساعدات إنسانية، وتراجع محدود للقوات الإسرائيلية.

المرحلة الثانية: تشمل دعم الأمن والانسحاب الإسرائيلي من المناطق المأهولة، تفكيك البنية العسكرية لـ حماس، وإطلاق إدارة مدنية فلسطينيةدولية تحت إشراف دولي.

المرحلة الثالثة: تتعلق بإعادة الإعمار، الحوكمة، وإقامة إطار سياسي طويل الأمد ضمن رؤية تعترف بالحقوق الفلسطينية.

جدير بالذكر، أن معهد ‎RAND Corporation اعتبر أن تنفيذ المرحلة الثانية سيواجه «عوائق تاريخية» بسبب مقاومة حماس للانسحاب أو تفكيك أسلحتها.

أسباب التأجيل المتكرر: تحليل متكامل

شروط إسرائيلية أمنية مشدّدة

نجد ان إسرائيل تضع شروطاً عالية قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية، من بينها تفكيك البنى العسكرية لحماس والانسحاب الكامل أو الجزيئي من قطاع غزة. ووفق  تقرير لـ ‎Atlantic Council يرى أن «أفضل توقع واقعي للمرحلة الثانية هو إعادة تمركز إسرائيلي تكتيكي داخل غزة، وليس انسحاباً كاملاً» حسب المصادر.

ضغوط داخلية إسرائيلية وحكومية

الحكومة الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، تواجه ضغوطاً من تحالف يميني متطرّف يرفض تخفيف السيطرة أو نقل الصلاحيات النقدية للهياكل الفلسطينيةالدولية. ووفق تحليل لدى ‏The Guardian، فإن نتنياهو يُتّهم بتعطيل المراحل التالية «لحماية موقعه السياسي».

غياب ضمانات دولية وإشكالية الحوكمة

ومن ناحية فلسطينية، ثمة معارضة أو تحفظ كبير على مشاركة دولية واسعة النطاق تُحدث تغييرا جوهرياً في الحوكمة داخل غزة. وفي هذا الصدد، يُشير تحليل إلى أن «المرحلة الثانية لا تزال تفتقر إلى آليات تنفيذ واضحة أو أطر زمنية ملزمة».

التداخل الإقليمي والدولي ومعضلة السيادة

المقترَح الخاص بنشر قوة دولية متعددة الجنسيات ضمن المرحلة الثانية أثار جدلاً قانونياً وسياسياً حول مدى مشروعيّتها وتأثيرها على سيادة الفلسطينيين.

الواقع الميداني: الإنذار المبكر

وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر ميدانية أن تسليم رفات أسرى إسرائيليين شكّل إشارة إلى أن ترتيبات المرحلة الأولى دخلت حيز التنفيذ. بيد أن الواقع أظهر خلاف ذلك: فقد سُجّلت تفجيرات في مناطق يفترض أن تكون القوات الإسرائيلية انسحبت منها، مما يُعد «إشارة خطيرة على وجود إشكالات في الالتزام بالتفاهمات».

وفي ذات السياق، يلفت خبراء إلى أن استمرار مثل هذه الخروقات يُضعف الثقة بين الأطراف ويجعل من المرحلة الانتقالية شبيهة بـ«دوّامة انتظار» بدلاً من انطلاق نحو الاستقرار.

تحليلات دولية: ماذا يقول الخبراء؟

ومن جانبه يرى معهد بروكنغز أن اتفاق شرم الشيخ «قد يُعدّ وقفاً للنار أكثر من خطة سلام»، وأن التحديات الأساسية «ما زالت مؤجلة إلى وقت لاحق.

وفي سياق متصل جاء تحليل  لAtlantic Council يشير إلى أن «الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة سيعتمد بدرجة كبيرة على قدرة إدارة ‎دونالد ترامب على مراقبة التنفيذ».

وتؤكد صحيفة Times of Israel  أن «حماس تخشى أن تتحول غزة إلى لبنان، وإسرائيل تخشى أن تستمرّ حماس بحكم الأمر الواقع»، مما يعقّد انتقال السلطة.

دوافع نتنياهو وتأجيله: قراءة سياسية

تجنّب مخاطر سياسية داخلية: التحالف الحاكم في إسرائيل متطرّف ويخشى أن يُفسر الانسحاب أو الانتقال كأضعاف أمام حماس.

الحفاظ على أدوات ضغط وأمن: تأجيل المرحلة الثانية يتيح لإسرائيل استمرار السيطرة على مفاصل أمنية واستراتيجية.

كسب الوقت لتعزيز موجة إعادة الإعمار وشروطها: ربما تسعى إسرائيل إلى إنجاز أولي لإعادة الإعمار بشرط شكل من السيطرة يضمن عدم تكرار الهجمات.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن التأجيل ليس فقط فشلاً تنفيذياً، بل خياراً سياسياً محسوباً من قبل حكومة نتنياهو ضمن لعبة قوة مع الأطراف الفلسطينية والدولية.

السيناريوهات المحتملة والمخاطر

سيناريو التنفيذ الكامل: انسحاب أكبر للقوات الإسرائيلية، إدارة مدنية فلسطينية–دولية، موجة إعادة إعمار واسعة، وتحسّن في الأوضاع الإنسانية.

سيناريو التعطّل: استمرار الوضع الراهن، تجميد الاتفاق، عودة احتمالية للتصعيد العسكري، وتحول غزة إلى «مشهداً للأزمة بدل بوابة للاستقرار».

المخاطر الكبرى: أن تتحوّل المرحلة الثانية من مسار تمكين وطني إلى شكلٍ من أشكال الوصاية الدولية، ما قد يُضعف السيادة الفلسطينية ويزيد الإحباط الشعبي.

إن ما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد تفاهمات أو بنود اتفاق، بل اختبار حقيقي لقدرة الأطراف — الفلسطينية والإسرائيلية والدولية — على تحقيق الانتقال من النزاع إلى الاستقرار. مفتاح النجاح يكمن في: انسحاب فعلي، مشاركة فلسطينية حقيقية في اتخاذ القرار، وضمانات دولية تحترم السيادة ولا تقيدها. تأجيل المرحلة الثانية ليس عيباً تنفيذياً فحسب، بل إشعار بأن الصراع الحقيقي ليس مع حماس فقط، بل مع العوائق السياسية والأمنية والهيكلية التي تعترض أي عملية انتقال. وفي هذا الإطار، يبقى السؤال مطروحاً: هل ستكون غزة محطة تأسيس أو محطة تأجيل؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق