لا أعرف إن كان ما يدور فى ذهنى ذكريات لحقيقة حدثت أم أنه ذكريات حلم.
رأيت هذا البيت فى أكثر من ثلاثة أحلام على فترات زمنية متباعدة، هو هو البيت نفسه الذى يبدو لى أنه جزء من ذكرياتى، يقع هذا البيت فى شارع قصر العينى، بالتحديد على ناصية لشارع اتحاد المحامين العرب «الطلمبات» سابقًا، وهو الشارع الذى يوجد به معهد الدراسات العربية بجاردن سيتى، علاقتى بجاردن سيتى قديمة وممتدة.. مجلة صباح الخير أول مجلة تدربت فيها، لا تفصلها إلا خطوات عن جاردن سيتى، وبعد التخرج ترددت سنوات على مكتبة السفارة الأمريكية، لاستعارة الكتب.
وخلال عملى فى محطة راديو وتليفزيون العرب، ترددت على جاليرى دروب، الكائن أمام بوابة السفارة فى العمارة التى كان يقطنها الأستاذ محمود أمين العالم، من هذا المكان الفنى الرائع قدمت حلقات من برنامجى «من القاهرة» فى تغطيات لأنشطة وفعاليات الفن التشكيلى من مايو ١٩٩٨ حتى أبريل ٢٠٠٣.
كل الطرق للمكتبة الأمريكية والدروب كانت مفتوحة قبل الغزو الأمريكى للعراق، ميدان التحرير إلى شارع عبدالقادر حمزة مرورًا بمسجد عمر مكرم حتى ميدان سيمون بوليفار إلى ٥ شارع توفيق دياب مقر السفارة، ومن شارع قصر العينى أدخل شارع الإبراهيمى أو كمال الدين حسين، لم تكن هناك كتل خرسانية، أو بوابات معدنية، حجبت عنى المكتبة والجاليرى وجعلتنى أتكاسل وربما كان الدافع احتجاج وغضب مكتوم، حتى إننى لا أعرف الآن ما آل إليه الجاليرى فى منفاه القسرى فى قلب القاهرة.
انبثق ذلك البيت فى ذاكرتى بعد عام ٢٠٠٧.
بعد أن عرفنا بحملى فى ابنتنا مريم، بدأنا فى البحث عن سكن جديد، بعيدًا عن شارع العشرين، فيصل، تولدت رغبة بأن تولد طفلتنا فى منطقة أرقى، وقمت بالبحث عن شقق كثيرة فى منطقة الهرم، ولم أجد ما يناسبنا، حتى أخبرنى محمد برغبته فى الإقامة فى الدقى، فتوقفت عن البحث، وأنجبنا مريم فى شقة العشرين وإن كان تسجيل ميلادها تم فى المنيل؛ لأنى ولدتها فى مستشفى الندى فى المنيل، وعندما ذهب محمد لتسجيلها فى مكتب صحة المنيل، ومعه شهادة من المستشفى سجلوها من مواليد المنيل، دون أن نعرف أنها ستكون مستقرنا، بعد أن حصلنا على شقتنا فى المنيل واستغرق تشطيبها والانتقال للسكن فيها عامين.
بعد إقامتنا فى المنيل لم أبحث عن شقة للسكن، بحثت عن مكتب لسيا ولأطياف.
وفعليًا لم أبحث عن شىء، فقد قررنا فجأة تنفيذ خطوة كنا نفكر فيها منذ فترة طويلة، أن نفتتح مكتبًا للإنتاج الفنى والاستشارات والتدريب الإعلامى، واقترح علينا حازم عادل، رئيس تحرير برنامج آخر النهار، مكتبًا فى ميدان ابن الوليد بالدقى، وقد شاهدناه واتفقنا مع المالك الدكتور حسن على تأجيره فى اليوم نفسه، ونحن واقفون على رصيف الشارع فى يوم الخميس الأول من شهر مايو عام ٢٠٢١.
تصميم البيت الذى يتردد صداه داخلى، أقرب لبيوت المماليك أو البيوت العثمانية، وبعض الغرف تؤدى إلى غرفة داخلها، مع وجود سلالم صعودًا أو هبوطًا «سلمة أو اثنتين» لبعض الغرف، لكنه يختلف فى عدم وجود فناء داخلى تطل عليه غرف البيت، بل توجد به شرفة كبيرة محاطة بدرابزين من أعمدة خشبية منحوتة بيضاء اللون، أرضية الشرفة، التى تمتد بواجهة البيت وتأخذ ناصية، بلاط أو رخام أبيض، الشرفة عريضة ممتدة قد تمثل شقة بأكملها وليست شرفة صغيرة، كأنها واجهة قصر، أتذكرنى أقف فى طرفها الجانبى فأرى طريقًا ترابيًا يحازى ترعة ماء، ينتشر على جانبيها نباتا البوص والحلفا، بعدها مساحة كبيرة من الأراضى الزراعية، يمتد اللون الأخضر على مرمى البصر، تقطع الأبدية الخضراء تجمعات صغيرة من أشجار نخيل محملة بسباطات من البلح الأحمر، مع تجمعات بيضاء ورمادية من سحب تتكاثف على صفحة سماء زرقاء تودع صفاء صيف رائق، وتستعد للمسة برد من خريف مقبل.
أنتبه، كيف يقع البيت فى جاردن سيتى من ناحية شارع قصر العينى وتطل شرفته على أراض زراعية؟
لعلها ليست جاردن سيتى، حاولت مطابقة واجهة البيت والشرفة مع كل الشوارع الرئيسية، شارع الهرم، شارع رمسيس، شارع البطل أحمد عبدالعزيز، شارع جامعة الدول العربية، لا أستطيع تذكر أى موقع محدد فى هذه الشوارع، وتستدعى ذاكرتى دائمًا الناحية القبلية من شارع قصر العينى.
هل اخترعت ذلك البيت؟ ولماذا يتردد فى أحلامى؟.. لا أعرف.
سأحاول أن أفكك أحلامى.. ثلاثة أحلام رأيتها، ولكن هذا يحتاج مساحة حكى أكبر..














0 تعليق