لم يكن أحد من سكان شارع غرب البلد في أسيوط يتخيل أن صرخات الاستغاثة التي مزقت سكون الليل ستكون الأخيرة لأسرة بسيطة كانت تقضي سهرتها في دفء منزلها الصغير، قبل أن يتحول المكان إلى كتلة من اللهب تلتهم كل شيء.
كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حينما دوّى صوت انفجار قوي، تبعه تصاعد ألسنة النيران من شقة في الطابق الثالث. هرع الجيران إلى الخارج، بعضهم حافي القدمين، يحملون زجاجات المياه ويحاولون كسر الباب الخشبي المغلق، لكن النيران كانت أسرع وأشد من أي محاولة إنقاذ.
داخل الشقة، كان فتحي. ح، الرجل السبعيني، يحاول بكل ما يملك من قوة الوصول إلى زوجته شادية. ج التي حاصرها الدخان في غرفة المعيشة، بينما كان حفيدهما إسلام، صاحب الـ13 عامًا، يصرخ مستغيثًا من داخل المطبخ بعد أن اشتعلت النار إثر انفجار أنبوبة الغاز. دقائق معدودة كانت كفيلة بتحويل الشقة إلى جحيم لا يُطاق.
سيارات الإطفاء والإسعاف
مع وصول سيارات الإطفاء والإسعاف، كانت الصورة مؤلمة؛ الجيران في الشارع يصرخون، وألسنة النار تلتهم الستائر والأثاث، بينما يحاول رجال الحماية المدنية السيطرة على الحريق قبل أن يمتد للشقق المجاورة. وبعد جهود استمرت نحو ساعة، تمكنت القوات من إخماد الحريق، لكن الفاجعة كانت أكبر من أي توقع.
بين الدخان والرماد، عُثر على جثامين الجد والجدة وحفيدهما وقد فارقوا الحياة داخل الشقة، بينما كانت رضا، ابنتهم البالغة من العمر 20 عامًا، تتنفس بصعوبة إثر إصابتها بحروق متفرقة، فتم نقلها في حالة حرجة إلى مستشفى الجامعة لتلقي العلاج اللازم.
لم يتمالك أحد الجيران دموعه وهو يقول: "الأسرة دي طيبة جدًا، طول عمرهم ناس غلابة وعلى قد حالهم.. محدش كان يتخيل إن النهاية تكون كده!"
قوات الأمن بقيادة اللواء وائل نصار، مدير أمن أسيوط، فرضت طوقًا أمنيًا حول المكان، وبدأت النيابة العامة في معاينة موقع الحريق. المعمل الجنائي تولى فحص بقايا أنبوبة الغاز وبؤرة الاشتعال، لتؤكد المعاينة الأولية أن تسربًا في الأنبوبة تسبب في الانفجار المروع.
وفي الوقت الذي نُقلت فيه الجثامين إلى مشرحتَي مستشفى الجامعة والإيمان تحت تصرف النيابة، كان الحزن يخيّم على الحي بأكمله، وسط دعوات الأهالي للضحايا بالرحمة وللمصابة بالشفاء.














0 تعليق