عزّز الجيش الإسرائيلي وجوده العسكري على طول خط وقف إطلاق النار داخل قطاع غزة، المعروف بـ"الخط الأصفر"، في خطوة أثارت تساؤلات واسعة حول نوايا تل أبيب بشأن مستقبل القطاع.
نقاط مراقبة وسواتر رملية تفصل غزة عن نفسها
ووفق تقارير ميدانية وصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، فقد شرع الجيش الإسرائيلي في تحصين مواقعه على طول الخط وإقامة بنية تحتية جديدة تقسم غزة تقريبًا إلى نصفين، تنفيذًا لما يشبه خطة ترامب لوقف الحرب وإعادة توزيع السيطرة داخل القطاع.
وعلى امتداد "الخط الأصفر"، الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، أقامت القوات الإسرائيلية نقاط مراقبة جديدة محاطة بأسلاك شائكة وسواتر رملية ضخمة، فيما بدأت في وضع كتل خرسانية صفراء لتحديد الخط رسميًا.
وأوضحت مصادر عسكرية إسرائيلية أن نحو 20% فقط من هذه التحصينات اكتملت حتى الآن، إلا أن الهدف النهائي هو تحويل الخط إلى حاجز دفاعي دائم يتيح للجيش الإسرائيلي مراقبة غزة من مناطق مرتفعة بشكل آمن.
زيارة إعلامية نادرة تكشف ملامح "الخط الأصفر"
وللمرة الأولى منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، اصطحب الجيش الإسرائيلي مجموعة من الصحفيين الأجانب لرؤية ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، حيث تقع النقطة التي تمت زيارتها على أرض مرتفعة تطل على حي الشجاعية المدمر.
وأظهرت الجولة أن الخط يفصل بين مناطق الدمار في غزة وبين مواقع الجيش الإسرائيلية عبر سواتر بعرض طريق للسيارات، في مشهد يرمز إلى فصل واقعي بين منطقتين داخل القطاع نفسه.
خطة إسرائيلية لبنية تحتية ومراكز مساعدات على الخط
تعمل إسرائيل – بحسب تصريحات رسمية – على بناء بنية تحتية جديدة للمياه والكهرباء على جانبها من الخط الأصفر، إلى جانب تخطيط مراكز لتوزيع المساعدات للفلسطينيين على جانبي الخط، في خطوة تُقدَّم على أنها جهد إنساني، لكنها تُقرأ سياسيًا كـ تمهيد لإقامة كيان إداري بديل عن حماس داخل غزة.
وأوضح نائب الرئيس الأمريكي السابق جي دي فانس وصهر الرئيس السابق دونالد ترامب جاريد كوشنر، خلال زيارتهما لإسرائيل الأسبوع الماضي، أن هذا المشروع يهدف إلى توفير "مناطق آمنة" للفلسطينيين في حال رفضت حماس التخلي عن سلاحها.
محللون: "الخط الأصفر" بديل سياسي لحماس داخل غزة
من جانبه، اعتبر أفنر غولوف، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن الخط الأصفر يمثل واحدًا من أهم إنجازات الصفقة الجديدة، قائلاً:"نظراً للبدائل السيئة في التعامل مع حماس، كان لابد من خطوة مبتكرة تُعيد تشكيل الواقع الأمني في غزة".
وأشار إلى أن الخط قد يفتح الباب أمام إدارة مدنية فلسطينية تحت إشراف إسرائيلي جزئي، ما يعزز المخاوف من تثبيت تقسيم فعلي داخل القطاع.
الوجود الفلسطيني في المنطقة العازلة.. بين الخوف والرفض
وتشير التقارير إلى أن مئات الفلسطينيين يعيشون حالياً على الجانب الإسرائيلي من الخط الأصفر، من بينهم أشخاص انتقدوا حماس خلال الحرب، ويخشون الآن العودة إلى مناطقهم خوفاً من الانتقام.
وتكشف هذه المعطيات عن بداية تشكل واقع إنساني وأمني جديد داخل غزة، قد يخلق مناطق نفوذ متباينة يصعب التعايش معها على المدى الطويل.
نتائج وتداعيات: تقسيم غزة بين الواقع والرفض
يرى مراقبون أن التحركات الإسرائيلية الحالية قد تمهد لتقسيم فعلي ودائم للقطاع، تحت مبررات أمنية وإنسانية، ما يشكل تحدياً جوهرياً لأي تسوية سياسية قادمة.
وتبقى الأسئلة مطروحة حول مدى قبول الفلسطينيين والوسطاء الدوليين بهذا الوضع الجديد، وهل سيُنظر إلى "الخط الأصفر" كـ خط دفاع مؤقت أم بداية لتقسيم دائم يعيد رسم خريطة غزة بالكامل؟
بين التهدئة والتقسيم
في الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل التزامها بوقف إطلاق النار، فإن خطواتها الميدانية على الأرض توحي بـ اتجاه مختلف تمامًا نحو تكريس واقع جديد داخل غزة.
وبينما تصف تل أبيب هذا المشروع بأنه ضرورة أمنية، يرى كثيرون أنه خطوة سياسية تهدف إلى إعادة صياغة الوجود الفلسطيني وتقليص نفوذ المقاومة، في وقت لا تزال فيه الهدنة هشة والسلام بعيد المنال.













0 تعليق