في السابع والعشرين من أكتوبر تحل ذكرى ميلاد المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق (1933–2008)، أحد أبرز من جمعوا بين دقة المؤرخ ووعي المثقف الوطني، وصاحب الدور الحاسم في معركة استعادة طابا، تلك البقعة الغالية من أرض سيناء التي عادت إلى أحضان الوطن بفضل وثائقه وإيمانه العميق بعدالة القضية المصرية.
يونان لبيب رزق.. من قاعات الجامعة إلى صفحات التاريخ
ولد يونان لبيب رزق في 27 أكتوبر عام 1933، وتخرج في كلية الآداب بجامعة عين شمس قسم التاريخ عام 1955، ثم حصل على الماجستير عام 1963 والدكتوراه عام 1967 في التاريخ الحديث، وتنقل في العمل الأكاديمي بين كلية البنات وكلية الآداب بجامعة عين شمس، حتى تولى رئاسة قسم التاريخ الحديث.
ولم يكن مجرد أستاذ جامعي، بل كان مؤرخًا مهمومًا بوعي الناس بالتاريخ، فأسس في جريدة الأهرام صفحة "ديوان الحياة المعاصرة"، التي وثّق فيها لحظات من التاريخ المصري الحديث بلغة تجمع بين الدقة الأكاديمية وروح الصحافة.
طابا.. قضية العمر
كانت قضية طابا ذروة عطائه الوطني والعلمي، إذ شارك الدكتور يونان لبيب رزق ضمن هيئة الدفاع المصرية في قضية التحكيم الدولي لاستعادة طابا عام 1988، حيث استندت مصر إلى وثائق وصور وخرائط تاريخية نادرة جمعها وأعدها بنفسه، وأثبتت بما لا يدع مجالًا للشك مصرية طابا.
وكانت تلك الوثائق بمثابة السلاح العلمي الذي حسم القضية لصالح مصر أمام لجنة التحكيم في جنيف عام 1989، ولهذا لم يكن غريبًا أن يصفه زملاؤه بأنه "المؤرخ الذي استعاد الأرض بالتاريخ"، وقد وثّق هذه التجربة في كتابين أصبحا من المراجع المهمة في دراسة القضية، هما: "الأصول التاريخية لمسألة طابا" (1983)، و"طابا.. قضية العمر" (1989).
يونان لبيب رزق.. من التاريخ إلى الموقف الوطني
إلى جانب دوره في قضية طابا، شارك الدكتور يونان لبيب رزق في الوفد المصري بمؤتمر مدريد عام 1990، كما كان عضوًا في المفاوضات المصرية السودانية حول قضية حلايب خلال عامي 1992 و1993، ما يعكس إيمانه بدور المؤرخ في خدمة قضايا الوطن لا في توثيقها فقط.
مؤلفات يونان لبيب رزق
ترك الدكتور يونان أكثر من أربعين مؤلفًا في التاريخ الحديث، من أبرزها: الحياة الحزبية في مصر في عهد الاحتلال البريطاني (1970)، حرية الصحافة في مصر من عام 1778 إلى 1924 (1973)، الأحزاب المصرية قبل الثورة (1977، والأهرام ديوان الحياة المعاصرة (1995–2008).
وقد حصد خلال مسيرته جائزة الدولة التقديرية (1995)، وجائزة مبارك في العلوم الاجتماعية (2005)، فضلًا عن وسام الجمهورية تقديرًا لإسهاماته.
رحيل يونان لبيب رزق
في 15 يناير 2008، رحل الدكتور يونان لبيب رزق بعد صراع مع المرض، في اليوم نفسه الذي كان من المفترض أن يشارك فيه في مؤتمر بالمجلس الأعلى للثقافة عن جمال عبد الناصر، وكأن القدر اختار له أن يغادر في يوم كان مكرسًا للحديث عن التاريخ الذي عاش من أجله.














0 تعليق