لم تكن مباراة ليفربول أمام فرانكفورت مجرد ليلة كروية عادية في دوري الأبطال، بل كانت لحظة فاصلة في علاقة محمد صلاح بنادي ليفربول الذي صنع فيه مجده الأوروبي، وكانت النتيجة خماسية مبهرة، لكنها تركت عاصفة هزت المدينة الهادئة بعدما قام المدرب الهولندي آرني سلوت بوضع صلاح على مقاعد البدلاء، ليوجه المدرب رسائل مشفرة لا تحتاج إلى ترجمة، ووضح انه قرار سلطوي يعلن من خلاله أنه أصبح هو “الرجل الأقوى في غرفة الملابس” وانه لا يعترف بالنجوم وان صلاح لن يحظي بالدلال والنجومية مثلما كان يفعلها المدرب السابق يورجن كلوب.
اصبح من الواضح ان هناك ازمة عنيفة بين المدرب والفرعون المصري، وبدأت تتحول الي صراع علي السلطة في ليفربول، ولا أحد يعرف من سيجلس على الكرسي، هل يحتفظ سلوت بسلطته ؟ أم يستعيد صلاح عرشه ؟ لكن المؤكد أن النهاية لن تكون ودّية.
فالتاريخ في إنجلترا لا يعترف بالمجد القديم، بل يعترف بمن يسجل الهدف القادم، وصلاح اليوم يشبه زعيمًا فقد جزءًا من سلطته، وهناك مدرب شاب يحلم بالثورة على الملوك، لكن كما علمتنا السياسة والكرة معا أن الثورات لا تنجح دائمًا، لكنها تترك آثارًا لا تُمحى.
واصبح من الواضح ان ليفربول يعيش مرحلة “ما بعد كلوب”، حيث تريد الإدارة بناء مشروع فريق جديد بدماء مختلفة، ويريد المدرب أن يفرض فلسفته دون أن يُتهم بأنه “أسير نجومية صلاح”، ومن هنا تبدو الأزمة،لأن صلاح لم يعد فقط نجم الفريق، بل رمزه وتسويقه وقوته الجماهيرية، وهو ما يجعل أي قرار يخصه يبدو كزلزال داخل النادي.
و منذ أن وطأت قدم آرني سلوت ليفربول، وهو يتصرف كأنه جاء ليهدم دولة صلاح ويؤسس جمهوريته الخاصة، ولم يحتج إلى وقت طويل ليعلن “الانقلاب التكتيكي” الأول بوضع صلاح على الدكة، في رسالة مشفرة بلغة باردة بأن "العهد انتهى يا مو، والعرش لم يعد محجوزًا باسمك."
ويتبع سلوت مدرسة "اضرب النجم يتأدب الباقون"، تلك الفلسفة التي تجعل المدرب يبدو شجاعًا حتى لو كانت الشجاعة على حساب المنطق، هو لا يريد أن ينتصر في دوري الابطال فقط، بل يريد أن ينتصر على تاريخ صلاح نفسه، ويريد أن يقول للجميع انه قادم لصناعة فريق جديد وتاريخ جديد في ليفربول، وانه جاء لترتيب البيت، وانه قائد التطوير وصاحب المشروع، وان صلاح ضيف شرف على مائدة التاريخ، ولكنه نسي أن البيت بدون صلاح، يصبح بيتًا بلا رؤية وفاقد الهوية.
الفرعون المصري اختار الصمت، ولم يتحدث، وهذا في حد ذاته أخطر من أي تصريح، والصمت في عالم كرة القدم مثل الابتسامة في السياسة تخفي خلفها معركة قادمة، وظهر صلاح بوجه متجمد، ولم يصفق، ولم يبتسم، ولم يلمح للكاميرا، وكأنه يقول “خلصتوا المسرحية ؟ انتظروني في الجزء القادم"، وتترقب ليفربول اياما مثيرة قد تقلب الموازين وتعيد تسطير التاريخ في ظل غضب صلاح، وتوتر سلوت ، وانقسام الجمهور بين مؤيد ومعارض لما يحدث في الريدز.
فإذا كانت هذه بداية “جمهورية سلوت”، فربما تكون أيضًا نهاية مملكة صلاح في إنجلترا، ولكنها قد تكون بداية رحلة جديدة للفرعون نحو عرشٍ ذهبي، وتاريخ جديد مع نجوم العالم في السعودية، حيث لا يُستبدل الملوك، بل يُكرَمون بأناشيد وأرقام خرافية.
الأخطر في المشهد أن الأزمة هذه المرة قد تفتح الباب لرحيل حقيقي في ظل مساعي الدوري السعودي لخطف صلاح في صفقة القرن، حيث ينتظره في الرياض مشروع جديد وتاريخ جديد، وأرض لم تكتفِ بالإغراء المالي، بل أصبحت حلم النجوم الكبار بعد نهاية رحلتهم في أوروبا، ويدرك صلاح صاحب الثلاثة والثلاثين عاما، أن العلاقة مع ليفربول لم تعد كما كانت، وأن احترام التاريخ لا يصنع مستقبلًا في إنجلترا القاسية.
السيناريو بات قريبًا في ظل تصاعد الخلاف مع المدرب، ووجود ضغوط إعلامية قد تعجل بقرار الرحيل “بهدوء الكبار”، وقد يقول البعض إن الأزمة قد يتم حلها، لكن الأزمة الحالية مختلفة، لأنها ليست بين لاعب ومدرب فحسب، بل بين رمز يبحث عن احترام إرثه، ومدرب يريد إثبات سلطته، وإن لم يتم ادارة الازمة بحكمة، فإنها لن تكتب فصلًا جديدًا في مسيرة صلاح مع ليفربول، بل ستكتب الفصل الأخير.
وهكذا تتحول الأزمات الفنية في إنجلترا إلى فرص ذهبية في الخليج، ولم يعد الطريق إلى الدوري السعودي بحاجة إلى طائرة، بل إلى قرار واحد فقط، وسبق ان صمد صلاح أمام عروض فلكية قبل عامين، ولكنه قد يجد الآن أن الرحيل ليس خيانة، بل انه خلاص.















0 تعليق