تُعرف هذه الرقصة الملعونة بـ«رقصة الموت»، أو «الرقصة القاتلة»، أو «الرقصة الأخيرة»، كما تسمى برقصة «الحجاب السبعة»، أو رقصة «المناديل السبعة»، أو رقصة «الأقنعة السبعة»، أو رقصة «الأوشحة السبعة»، لأنها قامت بخلع الأوشحة وشاحًا بعد الآخر إلى أن تعرّت تمامًا، ولذا يعتبرها المؤرخون بداية الرقص المتعرّى، وأشهر رقصات الإغراء فى تاريخ الفن التى كان ثمنها رأس يحيى المعمدان المقطوع على طبق من فضة، كما تناولها الفن التشكيلى فى لوحات وجداريات وتماثيل عديدة، كان لها تأثيرها الكبير فى عالم الأدب والموسيقى والسينما.
فى الأدب تناول شخصية سالومى الروائى الفرنسى جوستاف فلوبير «١٨٢١- ١٨٨٠»، فى القصة القصيرة «هيروديا»، وهى جزء من مجموعته القصصية «ثلاث حكايات» التى نُشرت عام ١٨٧٧، وصوّر خلالها الصراع على السلطة بين السلطة الدينية والسلطة العلمانية.
وفى عالم الشعر تناولت الشاعرة الأمريكية دوروثى بارك «١٨٩٣- ١٩٦٧»، فى قصيدتها «درس رقص سالومى» (Salome›s Dancing-Lesson)، القصة بأسلوب ساخر وساحق، معلقة على عبثية الأمور الدنيوية وحتمية الموت.
وقدم الشاعر إريك بانكى «١٩٥٩» قصيدة «دراسة لسالومى وهى ترقص أمام هيرودس» (Study for Salome Dancing Before Herod) عام ٢٠١٠، التى تستحضر أجواء القصة.
وفى المسرح قدم الكاتب المسرحى والشاعر والأديب الأيرلندى أوسكار وايلد «١٨٥٤- ١٩٠٠» مسرحية «سالومى» Salomé عام ١٨٩١، وهى مسرحية بالفرنسية فى فصل واحد طويل، كان لها دور كبير فى تصديق الأسطورة بين الناس، وتم عرض هذه المسرحية لأول مرة فى فرنسا، وقدمت دور سالومى الممثلة سارا برنار، التى لعبت الدور بالفرنسية.
وكتب وايلد المسرحية فى البداية باللغة الفرنسية، ثم ترجمها بعد ذلك إلى الإنجليزية؛ لأن إنجلترا- آنذاك- لم تكن تسمح بإعادة تمثيل قصص الإنجيل أدبيًا أو فنيًا.
وكان وايلد متأثرًا بفترة نهاية القرن التاسع عشر، وهى فترة انتقالية بين معظم الثورات الأوروبية والحربين العالميتين؛ بما فيها من شر وسفك دماء، جعلت من فكرة الموت حالة إبداعية تسيطر على كتابات تلك الفترة، وأصبح مفهوم «نهاية العالم» ضرورة لوقف الفساد من خلال ترسيخ نظرية العقاب والموت، وقد جعل وايلد الأحداث تدور فى مملكة هيرودس التى توازى عالمه المعاصر الملىء بالذنوب والشر.
وترجع أهمية مسرحية أوسكار وايلد لجوانب متعددة، منها: أنه أول من ركز على أهمية رقصة «سالومى» الشهيرة، وجعلها محور النص والمكافأة التى تمنحها للملك وتسحره؛ لدرجة أن تطلب منه ما يخشاه، وهو قتل نبى يراه رجلًا صالحًا.
وأيضًا قصائد الغزل الممتدة التى يتضمنها العرض من «سالومى» لـ«يوحنا المعمدان»، الذى عشقته وكرهته فى الوقت نفسه، لأنه أول من يصدها من الرجال ويقاوم جمالها الأخّاذ.
وقد حوّل هذه المسرحية الموسيقى الألمانى ريتشارد شتراوس «١٨٦٤- ١٩٤٩» إلى أوبرا «سالومى» عام ١٩٠٥، وبسبب موضوعها المثير للجدل، عُرضت أوبرا «سالومى» فى معظم دور الأوبرا حول العالم، ما أضفى على عمل وايلد وشتراوس المشترك فى رأى الباحث الفرنسى «إيتيان باريلييه» سمة تنتمى إلى نزعة جمالية خالصة لا علاقة لها بالتاريخ على الإطلاق.
وفى السينما تم تقديم العديد من المعالجات التى تناولت رقصة سالومى، وكانت البداية عام ١٩١٨ مع الفيلم الأمريكى الصامت «سالومى» من إخراج ج. جوردون إدواردز، وإنتاج ويليام فوكس. وجسدت شخصية سالومى الممثلة ثيدا بارا. وفى عام ١٩٥٣ قامت الممثلة الأمريكية ريتا هيوارث بدور سالومى فى فيلم Salome، وعام ١٩٦١ فيلم «King of Kings» بطولة الممثلة الأمريكية بريجيت باذلن.
وتوالت المعالجات الفنية، ومنها ما دُمج بين السينما والمسرح، كما فى تجربة النجم آل باتشينو عام ٢٠١٤، عندما عاد إلى المسرح من خلال مسرحية «سالومى» لأوسكار وايلد، فى خطوة كانت أشبه بمشروع شخصى لآل باتشينو، تضمن ثلاثة أعمال فنية متصلة استنادًا إلى مسرحية أوسكار وايلد، أولها: المسرحية نفسها، وثانيها: فيلم وثائقى بعنوان «وايلد سالومى» صدر فى ٢٠١١، وأخرجه آل باتشينو نفسه، والثالث: فيلم درامى مؤدى على المسرح قام بتصويره بالتزامن مع فترة العرض المسرحى الجماهيرى، وبنفس طاقم تمثيل المسرحية.
وقد قدم فيلم «سالومى» لآل باتشينو وبطولة النجمة «جيسيكا شاستين» معالجة جديدة للمسرحية تجمع بين الكلاسيكية فى الإخلاص لنص وايلد، والالتزام بالحسية المكتوبة بحسية مماثلة من معانقة الكاميرا أجساد الممثلين، مع تنفيذه بنزعة تجريبية. فكان الناتج النهائى شديد الإخلاص لعالم «أوسكار وايلد»، وتجلت قوة النص الشعرى فى التعبير عن نفسه.
وفى عالمنا العربى، قدم الكاتب محمد سلماوى مسرحية «سالومى» عام ١٩٨٥، وأضاف بُعدًا سياسيًا واجتماعيًا متماشيًا مع الأحداث وقتها، وتم تقديمها على خشبة المسرح القومى، ﺇﺧﺮاﺝ فهمى الخولى، وبطولة نور الدمرداش، ورغدة، وجمال عبدالناصر.
وبعدها بسنوات كتب مسرحيته «رقصة سالومى الأخيرة» التى اهتم فيها بمصير سالومى بعد قطع رأس المعمدان، وتبدأ أحداثها بعد استيلاء سالومى على العرش، وتم تقديم مسرحية «رقصة سالومى الأخيرة»، بطولة سهير المرشدى، وعبدالمنعم مدبولى، وأشرف عبدالغفور، ومن إخراج هناء عبدالفتاح.
وما زالت رقصة سالومى تُلهم الشعراء والأدباء وصُناع الفنون، وستظل رافدًا للإلهام ما بقيت قصص الموت والحياة.
0 تعليق