لماذا تتمسك مصر بحل الدولتين؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الجمعة 17/أكتوبر/2025 - 11:16 م 10/17/2025 11:16:35 PM


منذ بدء العدوان على قطاع غزة أعلن الرئيس السيسى موقف مصر بوضوح بأن الوصول للسلام والتعايش فى المنطقة ليس له إلا طريق واحد هو العمل على تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧م. وكررت مصر التمسك بموقفها فى أكثر من مناسبة حتى تبنت غالبية دول العالم هذه الرؤية. 
(١)
لماذا تصر مصر على التمسك بهذه الرؤية التى تتصادم مع الخطاب التعبوى التقليدى الذى يقول بوجوب قيام دولة فلسطينية على كامل حدود ما يعرف تاريخيا بأرض فلسطين؟ إجابة هذا السؤال لو استوعبها كثيرون بشكل موضوعى كان يمكنها أن تختصر كثيرا من الجهد المهدر، وكان يمكنها أن توحد الصف العربى والإسلامى فى جبهة واحدة. تصر مصر على ذلك وتعلنه بوضوح لأن الدولة المصرية العريقة تعرف التاريخ جيدا منذ الكلمة الأولى به منذ عشرات القرون حتى اليوم. ولأن تلك الدولة تملك من الوثائق منذ نهايات القرن التاسع عشر ما يجعلها تتبنى هذا الموقف بضمير مطمئن وعقلٍ راسخ. مصر لديها خزينة الأسرار والمواقف ولديها المعلومات. حين تعلن مصر هذا الموقف فهى لا تعلنه من منطق الرضوخ للأمر الصهيونى الواقع، وإنما تتبناه من منطلق أنه الحل العادل والموضوعى. هناك دول، وهيئات داخل تلك الدول وداخل مصر نفسها، وهناك شخصيات اعتبارية، كل هؤلاء يروجون لسردية مفادها أن الحل العادل والمقبول ألا يكون هناك سوى دولة فلسطين. وأنه طالما لم يحدث ذلك فالكل مقصر أو خانع أو متواطىء. ولقد كان هؤلاء هم أصحاب الصوت العالى الزاعق عبر العقود الماضية، كما كانت سرديتهم بضاعة رائجة للسيطرة على العقول وتحريك الجماهير وأحيانا للإبتزاز السياسى. فهل تملك سرديتهم هذه من الحق والعدل والموضوعية ما يمنحها كل هذا الزخم والتأييد الشعبوى؟
إجابة هذا السؤال متشابكة مع إجابة السؤال الأول أو عنوان المقال عن موقف مصر، وكلتاهما تتطلبان أنْ نقُص القصة من بدايتها ليكون هذا السرد حدا فاصلا بين الحقيقة التى تواجه صعوباتٍ فى تقبل الكثيرين لها، وبين الوهم الرائج شعبويا!
(٢)
الفصل الأقدم فى القصة يتحدث عن ثلاث مجموعات بشرية استوطنت بعض مناطق ما يسمى حاليا بفلسطين. المجموعة الأقدم هى قبائل كنعانية، تلتها المجموعة الثانية العبرانية ثم الثالثة الغزاوية حاليا على التوالى. تعايشوا وتصارعوا وتناحروا كثيرا جدا. وبقيت حقيقة ثابتة أن أيا من تلك المجموعات لم تستطع السيطرة على كامل الأراضى المسماة الآن بفلسطين. قامت عشرات الممالك والدويلات بمسميات مختلفة. فرضت أحيانا الظروف السياسية أو الطبيعية على تلك المجموعات أن تتحالف مؤقتا للنزوح الجماعى نحو مصر ومهاجمة حدودها. وكانت تلك التهديدات هى السبب الأول فى تكوين جيش مصرى للدفاع عن حدودها الشرقية. فى فترة تاريخية حوالى آخر القرن العاشر قبل الميلاد تكونت مملكتا يهودا والسامرا على قطع محدودة من نفس الأرض، ولم تستطع أى منهما فرض سيطرتها وحكمها على كامل الأرض، كما لم تستطع أى قبيلة عربية القيام بالسيطرة الكاملة المنفردة على كل الأرض. 
كان يحدث كثيرا جدا أن تفرض إمبراطوريات أقوى سيطرتها على جميع تلك القبائل ودويلاتها مثل أمبراطوريات البابليين والأشوريين والمصريين حتى نصل لليونانيين ثم الرومان، وأخيرا الحقبة العربية أو غزو الجيوش الإسلامية وتحول المنطقة إلى ولايات تابعة للخلافات الإسلامية المتعاقبة التى تخللها غزو جيوش أخرى مثل الجيوش الصليبية أو المغولية. 
أى أن فترات توحد الأرض كانت دائما تحدث تحت حكم أو غزو أجنبى لا يمثل أيا من المجموعات التاريخية الثلاثة. لذلك فهذا الفصل التاريخى الممتد لقرون طويلة ينفى تماما وجود دولة يهودية واحدة حكمت كل أرض فلسطين التاريخية، وكل المصطلحات مثل السبى ثم العودة مقصود بها قطعا صغيرة من الأرض تتمحور حول مدينة أورشليم أو القدس. كما ينفى هذا الفصل ذاته حدوث نفس السيطرة أو الحكم الوطنى الواحد من قبل أى مجموعة عربية محلية تنتمى لإحدى المجموعات الأصلية. ويرسم هذا الفصل التاريخى صورة حقيقية للشكل السياسى عبارة عن تناحر وصراع، وأحيانا تحالف مصالح مؤقت وغالبا ما يقصد حدود مصر، وأحيانا ثالثة الوقوع تحت حكم إمبراطوريات كبرى. وكل دراويش أرض فلسطين التاريخية الموحدة غارقون فى الوهم المعلوماتى. ووجود عملة عليها اسم فلسطين من العصر اليونانى لا يعنى – تاريخيا ووثائقيا – سوى أن تلك العملة كانت من مفردات التقسيم الإدارى اليونانى أو الرومانى لولايات الإمبراطورية. ففلسطين المنقوشة على وجه العملة كانت اسما لولاية وأطلقت مرة على ساحل غزة، ومرة على الساحل وظهيره. وقد سبق إصدار هذه العملة تاريخيا وجود مملكتى يهودا والسامرا.
(٣)
هذه الحقائق التاريخية تكذّب ما يعتقده مسلمون وعرب كثيرون أن تاريخ فلسطين يبدأ من غزوها عربيا من الجنوب. فالغزو العربى لم يكن سوى حلقة من تاريخ تلك الأرض، وتحول أهلها للإسلام لا يجبّ ما سبقه من تاريخ. ومن ناحية أخرى موازية فهذه الحقائق تنفى المزاعم الصهيونية المعاصرة، وتؤكد أن قصة إسرائيل الكبرى التى تشمل أراضى دول أخرى، أو حتى الصغرى على كامل الأرض التاريخية المسماة بفلسطين ليست إلا خرافة.
إذن نحن لدينا مجموعتان غارقتان فى الخرافات الدينية، الأولى هى المجموعة الصهيونية التى تتوهم فى وجود حقٍ لها فى محو حق المجموعات التاريخية الأخرى فى أرضها. والمجموعة الثانية هى المجموعة المسلمة التى تعتقد يقينا فى حقها الحصرى فى كامل أرض فلسطين وتروج لمزاعم تم استغلالها دوليا مثل إلقاء إسرائيل فى البحر. وكل منهما تؤمنان بحتمية وقوع الصراع الصفرى بمعنى وجوب القضاء على المجموعة الأخرى وحسم الصراع طبقا لما يعتقدون أنه وعدٌ إلهى!
ولو حتى قررنا تناول تلك الوعود الإلهية بالفحص يتبين أنها – بشقيها الإسلامى والصهيونى – تنطبق على أرض المدينة المقدسة وليس على كامل تراب فلسطين. فالوعد الدينى الإسلامى الشائع يتحدث عن المسجد رغم وجود روايات دينية تؤكد أنه وعدٌ محقق بالفعل فى صدر الخلافة العمرية. والوعد الدينى الصهيونى فى تفسيرات مسيحية ويهودية قديمة هو أيضا وعدٌ محقق بعودة اليهود من السبى البابلى لأورشليم أو ما يعرف بالسبى الأول فى القرن السادس قبل الميلاد!
(٤)
حين نطالع الفصل الثانى من القصة، نجد أن شرارته أو مدخله هو إعادة إحياء أسطورة شعب الله المختار الموعود بالأرض. وكانت هذه الإرهاصات فى القرن السادس عشر الميلادى مع مارتن لوثر وبعد قرونٍ طويلة من الصمت. أما البدء الفعلى الحقيقى لهذا الفصل فهو فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبرعاية كاملة من قادة وساسة أوروبا الغربية. 
يمتد هذا الفصل منذ عام ١٨٨٢ تقريبا وحتى عام ١٩٠٦م أى قبل الحرب الشهيرة بأكثر من أربعة عقود. كانت أرض فلسطين التاريخية آنذاك رسميا جزءً من ممتلكات الدولة العثمانية، وكانت مقسمة لمتصرفيات أو ولايات، وكانت القدس تقع بشكل مباشر تحت ولاية وزير الداخلية العثمانى.
فى هذه العقود التى تم التعتيم عليها عمدا، وقبل وجود العصابات الصهيونية، وبدون أى إجبار عسكرى حدثت موجتان كبيرتان من الهجرة اليهودية من أوروبا الشرقية لأرض فلسطين تحت رعاية رسمية من الدولة العثمانية. تم خلالهما بيع عشرات القرى الفلسطينية بيعا رسميا فى مزادات أو بشكل مباشر إما عن طريق الدولة العثمانية نفسها، أو عن طريق عائلات إقطاعية شامية من سوريا ولبنان وفلسطين نفسها. كانت المحصلة النهائية فى تلك العقود هى تغير نسبة السكان بين اليهود والعرب من أقل من خمسة بالمائة يهود إلى الثلث يهود والثلثين عرب بحلول عام ١٩٠٦م. وقفزت مساحات الأرض المملوكة لليهود لنسب مقاربة. 
وعمل آلاف الفلسطينيين كعمال زراعة فى المستوطنات الجديدة حتى أصبح الحصول على العمل فى إحداها شيئا معتادا، بل هناك مرحلة استخدم الجانب الصهيونى فرص العمل لمساومة وابتزاز الجانب العربى!
حدث ذلك بالتزامن مع وجود يهود قدامى فى القدس وبعض المدن الفلسطينية الأخرى. كان ذلك قبل خوض أى مواجهات عسكرية وقبل الحرب العالمية الأولى التى ستشهد مولد العصابات الصهيونية رسميا. كتبت وقتها صحيفة الأهرام المصرية محذرة مما يحدث كما كتبت صحف عربية أخرى مقالات مشابهة. أصبح هناك واقع سكانى جديد ملخصه وجود مئات الآلاف من اليهود المهاجرين الذين قاموا بالشراء بأموالهم أو أموال يهود الخارج الأثرياء. 
(٥)
يحل الفصل الثالث من القصة مع استفاقة فلسطينية متأخرة وحدوث مواجهات عسكرية بينهم وبين المستوطنين تواطأت خلالها الدولة العثمانية المتداعية مع اليهود ضد الفلسطينيين. نصل لوقائع حرب ٤٨ التى لم تكن نتيجتها العسكرية المباشرة هى المحددة للواقع على الأرض. لكن أهم نتائج هذه الحرب هى وضع خطوط وحدود لأول مرة تحدد ما يمكن اعتباره دولة فلسطينية وأخرى يهودية. وكانت القدس الشرقية تقع فى نطاق دولة فلسطين.
وأيضا كان من أهم نتائج تلك الحرب الظهور الرسمى الأول لخطاب الوهم العربى. خطاب الشعارات الزاعقة غير المنطقية وغير المتسقة مع حقائق التاريخ القديم أو أحداث العقود السابقة.. خطاب الفرص المهدرة..خطاب تضييع الدولة الفلسطينية ذاتها. 
لا أدرى على أى أساس رفض العرب رسميا تلك الخطوط والحدود إلا أن يكون خطابا عنتريا أرعن يتفق مع السمات التاريخية للشخصية العربية الجانحة للخطاب الشعرى الصارخ دون تقيد بموضوعية أو وعى أو إدراك لما يحدث على الأرض.
بدأ العرب طريق تضييع فلسطين دون أن يكون لديهم الاستعداد لتوحيد جبهتهم أو وضع خطة حقيقية لوضع خطابهم الشعرى موضع التنفيذ. رفضهم لقرار التقسيم  ترك الباب مفتوحا على مصراعيه للفريق الآخر للتمدد والعمل على تحقيق خرافاته الدينية.
ثم بدأ بعد ذلك  بسنوات قليلة ومع وصول ثورة يوليو للحكم تدشين فكرة (تلبيس) مصر قميص فلسطين والمسؤلية عن ضياعها!
وجد العرب من يلقون فى رقبته بكل آثام الماضى وجرائمه. من وقتها تناسى الجميع فصولَ التاريخ القديم، كما تناسوا أخطر تلك الفصول التى تم خلالها استقبال عدد من اليهود يوازى ثلث السكان العرب، وبيع نسبة مقاربة من أرض فلسطين. تناسوا كل ذلك وكأن قصة فلسطين قد بدأت منذ مبادرة الرئيس المصرى ناصر بتبنيه الخطاب القومى العربى القائم على تحمل مصر مسؤلية تحقيق الشعارات. منذ ذلك التاريخ بدأ التعامل مع مصر وكأنها هى من باعت أرض فلسطين وهى المسؤلة عن إرجاعها، بدلا من التعامل معها على أنها دولة كريمة تطوعت بالقيام بما لم تكن مسؤلة عنه. 
(٦)
حين أدركت القيادة المصرية للفخ كان الوقت قد فات، وكانت مصر قد خسرت بالفعل قطعة غالية من أرضها فى مؤامرة ٦٧ التى شارك فى نسج خيوطها كثيرون ممن كانوا قد توافقوا على تلبيس مصر قميص فلسطين! 
كانت نتائج المؤامرة مثالية لهؤلاء لبدء سردية جديدة مكذوبة مفادها أن مصر مسؤلة عن ضياع الأراضى العربية. كشفت تسجيلات ناصر المفرج عنها فى السنوات الاخيرة الحقيقة كاملة. لقد عرى الرجلُ الجميع وكتبَ وثائق كشف الحقائق.
رغم كل ذلك لم تتنصل مصر من المشهد، وقررت أن تقوم بما تعلم يقينا أنه لن يقدر على القيام به سواها. خاضت حربها وانتصرت وثأرت لكرامتها ثم وقفت علانية..وخاطبتهم.. ها أنا ذا قد خضتُ المعركة وانتصرت.. طالما علقتم الجرس فى رقبتى ولم أتخاذل أو أتنصل.. فهلموا كى أعيدَ لكم ما أخذ منكم بالقوة.. هى لحظة انتصارى أهبها لكم جميعا. كان هذا هو المعنى الحرفى لذلك المشهد السياسى الذى تبع نصر أكتوبر. وطبقا للخطاب الحنجورى العنترى لم يكن ذلك ليرضيهم. قذفوها بأشعارهم الساقطة وتبرأوا من تضحياتها ونصرها وأضافوا لقائمة خطاياهم خطيئة جديدة كبرى بإهدار فرصة النصر لتحقيق الحل العادل المتسق مع التاريخ والواقع وهو حل إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجوار دولة الكيان.
بهذا المشهد العربى والسنوات العشر مدة القطيعة والرجم تكون مصر قد برأت نفسها تاريخيا من كومة من اتهامات الباطل التى علقوها فى رقبتها. 
فى لقاء للشهيد السادات عام ٧٥ عبر عن ذلك صراحة.. (إسرائيل أمر واقع اللى عايز يغيره يتفضل.. مش هفك ارتباط الا لما يحصل كدا على الجبهة السورية.. ومفيش جنيف بدون الفلسطينيين!) لكنهم أصروا على الإثم، فتركتهم مصر لأوهامهم واستكملت خوض معركتها منفردة حتى استردت كامل ترابها.
(٧)
بعد هذا المشهد بسنوات وبعد أن فقدوا فرصة شرف وقوة التفاوض فى ظلال النصر المصرى بدماء عشرات الآلاف من أبناء مصر، خاصوا مفاوضات على نفس الحل وهو أمل إقامة دولة فلسطينية بجوار دولة الكيان. لكنهم عجزوا عن بلوغ هذه الغاية لأنهم مع كثير من شعوب المنطقة سلموا قيادهم لأصحاب السردية الوهمية.. إما تحقيق الأوهام بإزاحة دولة الكيان أو يستمر العبث وتستمر المتاجرة. 
نجح الكيان الصهيونى فى استغلال المهووسين بتلك السردية لإفساد وإفشال كل ما تحقق من خطوات فى سبيل إقامة الدولة. مول الكيانُ جماعاتٍ تتاجر بتلك السردية للقيام بتفجير ذلك الأمل بإقامة دولة على أجزاء من أرض فلسطين بحدود الرابع من يونيو. حتى وصلنا لهذا الفصل المذرى الذى أعاد ذلك الحلم خطوات إلى الوراء. حين تكشفت الحقائق بدا المشهد محبطا محزنا. جماعاتٌ ودول تاجرت بقضية شعب مكلوم ثم تخلوا جميعا أو تم شراؤهم أو دهسهم. ومرة أخرى بقيت مصر بمفردها يتم تلبيسها قميص فلسطين! تطاول وهجوم ومحاولات تأليب المصريين ضد قيادتهم وكأن فلسطين كانت محافظة مصرية تم احتلاها وعلى مصر تحريرها! إنهم يعتقدون أن مصر من السذاجة بمكان أن تقع فى فخاخ جديدة وهى التى استوعبت الدرس جيدا منذ أكثر من نصف قرن!
(٨)
فى المشهد الحالى ورغم نجاح مصر المنفرد فى الإبقاء على حلم إقامة الدولة الفلسطينية بإفشالها لمؤامرة التهجير، نرى نفس الوجوه تردد نفس الأباطيل ضد مصر بدلا من الوقوف احتراما لما قامت به فى عامين ضحت خلالهما بالكثير من أجل ذلك الحلم. يقولون أن الاتفاق الحالى وطبقا للخرائط المعلنة يبقى على أكثر من نصف القطاع تحت السيطرة الصهيونية. يقولون أن العريش سوف تكون جزءً من الحل بما يعنى تنفيذ المخطط بطريقة ناعمة. المؤسف أن هناك بعض المصريين ما يزالون يسقطون فى الفخ.
أولا كان البديل عن الاتفاق استمرار الإبادة وتنفيذ احتلال كامل للقطاع برعاية أمريكية. لقد أوقفت مصر الإبادة وأفشلت خطة الاحتلال الكامل للقطاع وأفشلت اتفاقات طرد السكان لدول أعلنت صراحة موافقتها على استقبالهم. حقنت الدماء وأبقت على الأرض وأفاضت بكرمها على الجوعى الخائفين القابعين فى العراء. 
ثانيا وطبقا للاتفاق هناك مراحل تالية تشمل بنود تسليم السلطة الفلسطينية أو تكنوقراط فلسطينى حكم القطاع مقابل خروج حماس من السلطة وتسليم سلاحها للسلطة بإشراف دولى وعربى. الذين يرددون ذلك يريدون باختصار الالتفاف على هذه النقاط تحديدا فى سبيل إبقاء فزاعة وشماعة حماس لكى يستغلها الكيان فى أى وقت. 
ثالثا وهذا هو الأهم.. من المسؤل عن الخريطة الحالية والمشهد برمته؟ هل مصر هى المسؤلة أم حركة فلسطينية تمثل جناح الإسلام السياسى؟ مشهد مكرر بالكربون من فصل تاريخى سابق عام ١٩٠٦ وامتد حتى عام ١٩٤٨م. الذين باعوا قديما – عثمانيون وشاميون وفلسطينيون – هم المسؤلون عن المشهد القديم. وحركة حماس وكل من ساندها هم المسؤلون عن المشهد الراهن. ومصر هى صاحبة الدور الأوحد فى فرملة ضياع قضية فلسطين. 
رابعا كيف يسقط مصريون مجددا فى نفس فخ التشكيك فى الدولة المصرية بعد كل ما شهدوه؟ كيف يتخيل مصريون أن القيادة - التى وقفت فى ذروة انتشاء الرئيس الأمريكى عند بدء توليه الحكم ترفض كل ما قاله - يمكنها أن تفرط أو أن يتم خداعها؟! 
خامسا لنفترض أنه وبعد تنفيذ المرحلة الأولى توافق الطرفان – الكيان والحركة – ضمنا على عدم الاستمرار وطاب لهما أن يبقى الوضع على ما هو باحتلال الكيان لنصف القطاع وبقاء سيطرة الحركة على النصف الآخر، لو حدث هذا ورضى به الطرفان فما يخص مصر بشكل مباشر هو بنود اتفاقية السلام المصرية وملاحقها.. وهنا فبقاء الكيان فى مناطق محظورة طبقا لهذه الملاحق سوف يقابله موقف مصرى قوى هو موجود بالفعل الآن. وسيكون شأن حماس خاصا بالشعب صاحب القضية! 
(٩)
لكل ما سبق، تؤمن مصر بأن حل الدولتين هو الحل العادل والمنطقى الذى يتوافق مع قصة وتاريخ تلك الأرض والذى يتوافق مع ما حدث فى آخر ثمانية عقود. مصر دولة مؤسسات ودولة وثائق. مصر هى من ابتكرت وخلقت المؤسسات وفكرة التوثيق. 
مصر تؤمن أن لليهود حقا فى أن تكون لهم دولة وأن للفلسطينيين نفس الحق فى دولة مستقلة. هذا هو العدل حتى لو كان هؤلاء اليهود قادمين من بلاد أخرى، فآباء كثير منهم اشتروا أرض. ومنهم يهود من السكان الأصليين لفلسطين شأنهم شأن العرب. لو كان الفريقان يقبلان التعايش فى دولة واحدة لانتهت المشكلة. لكن كل فريق يريد حقه فى دولة مستقلة فلا بد من تحقيق العدل. 
مصر تؤمن بأن الذين اغتصبوا الأرض بعد الهزيمة العسكرية العربية أصبحوا واقعا. ولقد قامت مصر بدورها العسكرى وحاربت وخلقت فرصة للعرب لتصويب ذلك الوضع لكن العرب رفضوا واستمر ذلك الأمر الواقع.  فلو أرادت الدول العربية والإسلامية مجتمعة الآن أن تخرجهم من تلك الأرض فلتتفضل تلك الدول، ومصر لا تمنع أحدا، بل ستكون وقتها معهم! لكنها أبدا لن تقبل العبث بعقلها ومقدراتها وأرضها لكى تشبع نشوات أصحاب الخطاب الزاعق ممن يتنعمون فى أوطانهم بالثروة والراحة وينعم أبناؤهم بالأمن والتعليم والحياة! 
حل الدولتين هو الرؤية المصرية التى تؤمن بها الدولة المصرية العريقة وتعمل على تحقيقها بكل قوتها السياسية والأخلاقية، فمن قبل بذلك فليقف خلفها كما كان المشهد دائما. ومن يرفض فعليه ألا يتفوه بذكر اسمها وليفعل ما يشاء وما يقدر عليه!
(١٠)
على كل مصرى - سواء كان مواطنا عاديا أو رجل دين أو سياسة أو صحافة وإعلام - أن يقرأ التاريخ جيدا قبل أن يسلم قياده للمهاويس وقبل أن يعرّض صراحة أو ضمنا بمصر ومواقفها وقيادتها.
على المصريين أن يستقيموا وأن يضبطوا مواقفهم مع البوصلة المصرية التى أثبتت وقائع التاريخ ومفردات الواقع الحالى أنها البوصلة الأشرف فى تناولها لهذا الملف. 
إن كنا نقول دائما أن مصر لا تنتظر شكرا من أحد لأنها تتعامل بمبادئها وشرفها، فنحن نقول أيضا أن مصر ليست مطالبة بأن تفسر مواقفها أو تنتظر تقييما أخلاقيا من أحد. فمصر دولة لا تستمد شرعيتها إلا من حفاظها على ترابها وشعبها! 
من يتطاول على مواقف مصر التاريخية أو الحالية فيما يتعلق بقصة فلسطين – سواء كان مصريا أو غير مصرى ومهما تكن صفته وموقعه ومكانته وصنعته – فلا مجال لمجادلته، بل الأحق أن نكرر معه واقعة الصحفى الشهير مع بوش فى أحد المؤتمرات الصحفية!  
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق