عبدالملك عبدالنعيم لـ"الدستور": زيارة البرهان إلى القاهرة تنسيق استراتيجى ورسائل إقليمية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، جاءت زيارة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة في السودان، إلى جمهورية مصر العربية صباح اليوم، ولقاؤه الرئيس عبدالفتاح السيسي، لتفتح بابًا واسعًا للتساؤلات حول أبعادها السياسية والإقليمية، خصوصًا بعد القمة التي عُقدت في شرم الشيخ بمشاركة عدد من زعماء العالم، بينهم الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، لمناقشة تسوية القضية الفلسطينية.

عن خلفيات الزيارة ودلالاتها في هذا التوقيت، وأثرها على ملفات التعاون الثنائي والقضايا الإقليمية، أجرت جريدة “الدستور” هذا الحوار مع الدكتور عبدالملك عبدالنعيم، أستاذ الإعلام بجامعة الخرطوم والمستشار الإعلامي السابق بسفارة السودان بالقاهرة.

وإلى نص الحوار..

بداية دكتور عبدالملك، كيف تقرأون توقيت زيارة الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى القاهرة؟
لا شك أن توقيت الزيارة بالغ الأهمية، فالدعوة جاءت من الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد أيام قليلة من القمة التي استضافتها مدينة شرم الشيخ، والتي حضرها عدد من قادة العالم، بينهم الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، وبالتالي، يمكن القول إن الزيارة تمت في ظل زخم دبلوماسي غير عادي على المستويين الإقليمي والدولي، ما يمنحها بعدًا سياسيًا واستراتيجيًا واضحًا.

توقيت الدعوة المصرية للبرهان يشير إلى أن القاهرة ترى ضرورة فتح قناة مباشرة مع القيادة السودانية في هذه المرحلة الحساسة، سواء للتشاور حول الملفات الثنائية أو لتنسيق المواقف تجاه التطورات الإقليمية، وعلى رأسها الملف الفلسطيني وسد النهضة.

هناك من يربط بين اللقاء الذي جمع الرئيس السيسي بالرئيس ترامب في شرم الشيخ وهذه الزيارة.. ما قراءتكم لهذا الربط؟

الربط في محله تمامًا، لأن اللقاء بين الرئيسين السيسي وترامب جاء في لحظة حساسة تتعلق بإعادة ترتيب موازين القوى في الإقليم، من الطبيعي أن يكون الملف السوداني حاضرًا ضمن النقاشات، خاصة أن مصر والولايات المتحدة عضوان في "الرباعية الدولية" المعنية بالسودان.

من المعروف أن القاهرة أعلنت في أكثر من مناسبة دعمها الكامل لوحدة السودان واحترام مؤسساته الوطنية، وهو موقف ثابت ومعلن، لذلك يمكن القول إن زيارة البرهان تأتي أيضًا لتثبيت هذا الدعم المصري، ولتأكيد أن العلاقة بين البلدين تجاوزت مرحلة المجاملة السياسية إلى مستوى التنسيق الحقيقي حول القضايا الحيوية.

في ضوء هذا التنسيق.. كيف يمكن أن تنعكس الزيارة على ملف سد النهضة؟
ملف سد النهضة يظل من أكثر الملفات حساسية بين مصر والسودان، لأنه يرتبط بالأمن المائي لكلا البلدين.

إثيوبيا واصلت انفرادها بالقرارات المتعلقة بالسد، متجاوزة روح التعاون التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية، من هنا، فإن التنسيق بين الخرطوم والقاهرة أصبح مسألة وجود لا خيارًا سياسيًا.

زيارة البرهان إلى القاهرة تعزز هذا المسار، فهي رسالة واضحة بأن السودان لن يقف بمعزل عن المخاطر المائية المشتركة، وأن التعاون بين البلدين أصبح ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات المائية والأمنية معًا.

هل يمكن أن تكون الزيارة بداية لتحالف جديد أو تنسيق أوسع في الملفات الإقليمية؟

 نعم، من الواضح أن الزيارة ليست بروتوكولية، بل تعكس نية حقيقية لإعادة ترتيب الأولويات بين الخرطوم والقاهرة.

نحن أمام مرحلة جديدة عنوانها "الاستقرار الإقليمي عبر الشراكة الواقعية".

فالسودان في حاجة إلى دعم إقليمي لمواجهة التحديات الداخلية، ومصر في حاجة إلى شريك حدودي مستقر يضمن أمنها الجنوبي ويشاركها الرؤية في القضايا الكبرى، سواء في البحر الأحمر أو القرن الأفريقي أو حوض النيل.

لذلك أرى أن هذه الزيارة تؤسس لتحالف أكثر عمقًا وتنسيقًا يمتد إلى ملفات الأمن والاقتصاد والطاقة.

كيف تقيّمون موقف مصر من البيان الأخير الذي رفضه السودان والمتعلق بالرباعية الدولية؟

مصر تعاملت بحكمة شديدة، البيان الأخير الذي أصدرته بعض الأطراف في الرباعية لم يراعِ التعقيدات الداخلية في السودان، ولهذا جاء رد الخارجية السودانية رافضًا له.

في المقابل، مصر أبدت تفهمًا كاملًا لموقف الخرطوم، وأكدت احترامها الكامل لمؤسسات الدولة السودانية القائمة، وحرصها على دعم استقرارها.

هذا التباين الإيجابي في المواقف يثبت أن مصر تتعامل مع السودان باعتباره شريكًا متكافئًا، لا تابعًا، وهو ما يعزز الثقة السياسية بين القيادتين.

من وجهة نظرك، ما أبرز الملفات الثنائية التي قد تشهد تقدمًا بعد هذه الزيارة؟
أعتقد أن هناك ثلاثة محاور رئيسية:
أولًا، الملف الأمني والحدودي، خاصة ما يتعلق بتأمين الحدود المشتركة والتصدي للتهريب والجماعات المسلحة.
ثانيًا، ملف التعاون الاقتصادي والاستثماري، حيث تسعى القاهرة لتوسيع حضورها الاقتصادي في السودان، خاصة في مجالات الزراعة والطاقة.
ثالثًا، ملف المياه وسد النهضة، وهو الأكثر إلحاحًا كما ذكرت، وسيشهد بالتأكيد تنسيقًا وثيقًا في المواقف خلال المرحلة المقبلة.

كل ذلك في إطار رؤية مشتركة قوامها المصير الواحد والاحترام المتبادل بين الدولتين.

أخيرًا.. ما الرسالة التي تحملها الزيارة للمجتمع الدولي؟
الرسالة واضحة ومباشرة:
أن السودان ومصر يتحدثان الآن بصوت واحد في قضايا المنطقة، وأن استقرار السودان ليس شأنًا داخليًا فقط، بل قضية أمن قومي إقليمي.
كما أن التنسيق بين البلدين يعكس رغبة مشتركة في أن تكون الحلول نابعة من دول الإقليم نفسها، لا مفروضة من الخارج.
بمعنى آخر، الزيارة تقول للعالم إن العلاقات المصرية السودانية ليست رد فعل، بل فعل استراتيجي مدروس له أبعاده الإقليمية والدولية.

أقرأ أيضًا: 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق