بعد نجاح مؤتمر السلام في شرم الشيخ الذي يعد انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا لمصر ولدور مصر التاريخي في إيقاف نزيف الدم الفلسطيني،وبعد موقف مصر الثابت بعدم تهجير الفلسطنيين حفاظًا علي الأرض الفلسطنية من الاحتلال الدائم لها وحفاظًا علي الأمن القومي المصري أيضا، يحق لمصر أن تشارك في إعادة إعمار غزة بقدر كبير ومؤثر، حيث تملك من الإمكانيات البشرية والمادية ما يؤهلها بالقيام بدور فعال عملي واقعي قي تلك العملية العمرانية المعمارية الحضارية.
من المتوقع مشاركة العالم كله وخاصة الوطن العربي في إعادة إعمار غزة.
طبقًا لبعض التقديرات فإن القطاع يحتاج إلى 53 مليار دولار ما بعد الحرب لإعادة إعماره. تبحث كبرى شركاتالعالم عن مكان لها داخل القطاع . مصر بوزنها وتاريخ والجار الأقرب والمنفذ الوحيد لغزة. السعودية أكبر الدول العربية ثراءً والساعية للدخول في قطاعات البناء والتشييد والدعم المالي. الإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا الساعين لكسب موطئ قدم داخل عملية إعادة الإعمار، وأمريكا التي تسعى لتدشين حلم ترامب ببناء ريفييرا غزة. قطاع يتغير حاله بين ليلة وضحاها، فمن أتون الحرب إلى نعيم السلام، ومن فوضى الخراب إلى التشييد والإعمار. فمن يعمّر قطاع غزة؟ مصر أم السعودية أم الإمارات أم تركيا أم أمريكا؟ أم مشاركة من دول كثيرة راغبة في ذلك؟
اقترحت مصر في شهر مارس 2025 خطة عربية لإعادة إعمار غزة، تركز الخطة على الإغاثة الطارئة وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية طويلة المدى. تم اقتراح تلك الخطة ضمن القمة العربية التي عقدت في القاهرة وتبنت الجامعة العربية الخطة المصرية. تبدأ الخطة بمرحلة التعافي المبكر وتستمر المرحلة الأولى لمدة ستة أشهر بتكلفة تقدر بثلاثة مليارات دولار، يزال الركام من محور صلاح الدين وباقي مناطق القطاع المدمرة، كما تشمل توفير 200 ألف وحدة سكنية مؤقتة جاهزة للتركيب لإيواء مئات آلاف النازحين.
سينشأ خلال هذه المرحلة سبعة مواقع رئيسية جديدة تستوعب أكثر من مليون ونصف المليون شخص يسكنون في وحدات مؤقتة (حاويات) بمتوسط ستة أفراد لكل وحدة، وتتضمن الخطة أيضًا ترميم ستة آلاف وحدة تضررت جزئيًا خلال الحرب لتوفير مأوى لنحو 360 ألف شخص بعد الانتهاء من أعمال الترميم.
أما مرحلة إعادة الإعمار الكبرى فتقسم إلى مرحلتين وتمتد لأكثر من أربع سنوات ونصف، المرحلة الأولى تقدر كلفتها بـ20 مليار دولار وتمتد حتى عام 2027 وتشمل إعادة بناء المرافق العامة والشبكات الخدمية والوحدات السكنية الدائمة بالإضافة لاستصلاح 20 ألف فدان من الأراضي الزراعية. أما المرحلة الثانية فتمتد حتى عام 2030 بميزانية تقارب 30 مليار دولار وتتضمن إنشاء مناطق صناعية جديدة وميناء صيد وميناء بحري كبير إلى جانب مطار حديث يخدم القطاع.نحو 70% من مباني القطاع دُمرت أو تضررت، وما يعادل قرابة 170 ألف مبنى خرجت من الخدمة ، ونحو مليون و900 ألف غزي نزحوا داخل القطاع مرات ومرات بحثًا عن الأمان بين الركام، فيما اتجه البعض نحو مصر عبر معبر رفح.
القطاع الصحي أيضًا دمر بشكل كبير، فمن أصل 36 مستشفى، 18 فقط تعمل بشكل جزئي وبقدرة لا تتجاوز 600 سرير، في المقابل أكثر من 12 ألف مريض ينتظرون الإجلاء الفوري، كثيرون منهم مصابون بحروق بالغة أو بتر في أطرافهم ويكافحون للبقاء على قيد الحياة. أما جيش الاحتلال فاستهدف قرابة 40 ألف هدف داخل غزة دون أن يوضح إن كانت تلك الأهداف مدنية أم عسكرية.
ولكن بكل موضوعية من يستطيع فعليًا وعمليًا على أرض الواقع ان يقوم بهذا الدور وعلي وجه السرعة والكفاءة والقدرة إلا مصر ومهندسوها وعمالها وشبابها القادر باذن الله لما لديهم من رصيد وخبرات وإمكانيات مع القرب الجغرافي وسهولة الانتقال والتعايش مع الواقع المتدهور على الأرض، خاصةً أن قسمي رفح المصرية والفلسطينية شبه متماثلين بشريًا وجغرافيًا.
مصر تسنطيع أن تلعب دور الشريك التنفيذي واللوجستي الرئيسي، فهي تدير سلاسل الإمداد في رفح وتستضيف مراكز التنسيق وتشارك في تنفيذ مشاريع بنية تحتية خاصة في مناطق الجنوب والوسط، وتحصل القاهرة على دعم مالي دولي وتستلم جزءًا من التمويل لتنفيذ أعمال على الأرض، ولذا فإن مصر هي الدولة الأقرب لهذا الأمر، وذلك على الرغم من التحديات الافتصادية الكبرى التي تتعافى منها والتي كانت أحد مسبباتها تلك الحرب الضروس التي أثرت على دخل قناة السويس والسياحة وأعباء الأمن وزيادة المهجرين الفلسطنيين للعلاج أو الهرب او التعليم بأعداد كبيرة جدأ ربما على حساب الطالب المصري نفسه.
يتوقف الأمر علي تحديد الأولويات من مؤتمر عالمي بتحضير ومشاركة وربما بقيادة مصرية لمرحلة التعافي وسرعة إنجازها ثم تأتي المراحل المختلفة بالتدريج مع توفير التمويل اللازم طبقًا لجدول زمني مدروس يناسب احتياجات ومتطلبات الفلسطينيين.
يتبادر إلى الذهن مجموعة من التساؤلات المهمة والأساسية وهي ما السلطة المحلية التي ستتعامل مع الجهات المانحة والمنفذة والمشرفة بتعبير هندسي مشهور من هو ممثل المالك ؟؟ وبتالي ما الجهة التي ستحدد الأوليات والاحتياجات التي تعبر عن الواقع على الأرض ؟؟
البداية دائمًا من التمويل المعتمد على دراسات هندسية وإدارية ثم التخطيط الشامل لقطاع غزة وهذه منحة ممتازة خرجت من محنة شديدة البأس يمكن أن تكون تجربة جديدة لإعادة تخطيط مدينة حديثة مستدامة تحترم البيئة وتحقق نجاحًا في صيانتها وإدارتها واستدامتها، بشرط توفر الشفافية والنزاهة في مسابقات عمرانية معمارية عالمية لتوفير أفضل الحلول في أسرع وقت وأكفأ أداء يتحدد من نتائجها الجدول الزمني المناسب مع التكلفة الفعلية المقترحة والتي بطبيعة عمليات التنفيذ ربما تتغير وتتعدل وتتطور طبقًا لنجاح الإشراف والإدارة والسيطرة على كفاءة الأداء.
بعد توفر التمويل وأثناء الإعداد للتخطيط الشامل يمكن فورًا البدء في التعافي وإزالة الركام بكميات كبيرة جدًا توجد لها حلول هندسية لإعادة استعماله وتدويره.توازيًا مع ذلك الإسراع في توفير الحد الأدنى من الإسكان المؤقت والمياه النظيفة والصرف الصحي والكهرباء والمرافق الصحية.
يتلو ذلك التعليم حيث حرم جيل كامل من التعليم لمدة عامين كاملين ولا يستلزم الأمر مدارس بالمفهوم التقليدي بل فصول دراسية ولو في أي فراغات معمارية مؤقتة أو حتى العراء حتى استكمال بناء المدارس التقليدية.
تتطلب هذه الإجراءات إدارة ممتازة مؤهلة نزيهة محترفة من كوادر متخصصة ذات خبرات وقدرات وامكانيات إدارية قوية ومثبتة.
وأعتقد أن نقابة المهندسين وجمعية المهندسين المصرية وجمعية المعماريين تستطيع بتوحيد الجهود وصدق النوايا وحسن الإدارة تنفيذ تلك المقترحات بكفاءة واقتدار.
0 تعليق