الصحة العالمية: قطاع غزة بحاجة لاستجابة طارئة لإعادة تأهيل السكان

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، تتبدّى الحاجة الملحّة إلى تحرك إنساني وطبي سريع ومنسق على مستوى عالمي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياةٍ وصحة ومستقبل لأهل القطاع الذين عانوا من ويلات التدمير الممنهج لكل ما هو إنساني ويسمح بالحياة بعد عامين من الحرب المستمرة التي خلفت ما يزيد على 67 ألف شهيد، بالإضافة إلى أكثر من 167 ألف مصاب.

ويتركّز هذا التقرير على جانب محدد من الاحتياجات الطارئة، وهو القطاع الطبي وخدمات إعادة التأهيل، التي تمثل اليوم أولوية قصوى قبل أي تدخل إنساني أو إنشائي آخر.

وطبقًا لأحدث بيانات منظمة الصحة العالمية المحدثة لشهر أكتوبر، تشير الأرقام إلى أن حجم الاحتياجات الطبية وإعادة التأهيل في غزة هائل ويتطلب استجابة طارئة بكفاءات ومعدّات وممرات إنسانية مفتوحة بلا عراقيل.

تُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن أزمة غزة الصحية خرجت عن النطاق الإنساني العام لتصبح أزمة طبية ممنهجة، إذ بلغ منذ أكتوبر 2023 إجمالي المصابين في غزة 167،376 شخصًا. ومن بين هؤلاء، يقدّر تقرير منظمة الصحة العالمية أن 41،844 شخصًا "ما يعادل نحو 1.9% من السكان" بحاجة إلى إعادة تأهيل طويل الأمد بسبب إصابات غيّرت حياتهم. ويقدّر نحو 25% من المصابين ذوي الإصابات المعيّنة لإعادة التأهيل هم من الأطفال، بينما يشير التوزيع العمري إلى أن 5% من هذه الإصابات الكبرى تقع في الفئة دون الخامسة من العمر.

وبالنسبة للإصابات الكبرى في الأطراف، فتمثل نسبة مهمة من العبء السريري؛ وتُقدّر منظمة الصحة أن إصابات الأطراف الكبرى تمثّل حوالي 13% من إجمالي الإصابات، أي ما بين 21٫759 و28٫287 حالة، وسُجلت 2٫348 إصابة في الحبل الشوكي، و1٫800 إصابة دماغية رضحية تتطلب تدخلات وإعادة تأهيل متخصّصة. كما سُجلت 2٫218 حالة بتر حتى تاريخ التقرير، مع نقل عدد كبير من هذه الحالات للعلاج خارج القطاع.

كما وثّق النظام الصحي التعامل مع 4٫348 حالة حروق، وأوضح التقرير أن 32.2% من حالات الحروق كانت من سمك جزئي، و27% كاملة السمك، و10.6% امتدت إلى العضلات أو العظام، وهو ما يجعل ثلثي حالات الحروق عرضة لإعاقات دائمة إذا لم تُعالج ببرامج متكاملة للترميم والتأهيل.

وأوضح التقرير أن نحو 2٫500 شخص أبلغوا عن فقدان سمع جديد بسبب أصوات التفجيرات الهائلة، بالإضافة إلى إصابات الأعصاب الطرفية التي شكّلت نسبة ملحوظة في سجلات إعادة التأهيل "حوالي 10% في بيانات الأونروا، و5.4% في بيانات جهات أخرى". كما أن حالات تعدد الإصابات الناتجة غالبًا عن الانفجارات تحوي نسبة عالية من التعقيد وتعطّل الحياة اليومية؛ وسجّلت البيانات أن نحو 12.5% من الإصابات الانفجارية تُصنّف كإصابات متعددة، مع تقديرات إجمالية متباينة تتراوح بين 15% و30% من الجرحى.

فقبل الحرب على غزة، كانت هناك شبكة من الخدمات: 21 مرفق رعاية صحية أولية تقدم خدمات التأهيل. والآن، تعمل 19 منها جزئيًا فقط. وأشار التقرير إلى أن خدمات إعادة التأهيل قد انخفضت بنسبة 62% منذ اندلاع الصراع، ولا يوجد مركز واحد يعمل بكامل طاقته. 

وانخفضت وحدات الإقامة للمرضى الذين يحتاجون إلى برامج إعادة التأهيل إلى 64% من مستويات ما قبل النزاع "أي انخفاض نحو 36% في القدرة الاستيعابية"، بالإضافة إلى نقص حاد في الكوادر المتخصصة بعد مقتل أو نزوح عدد كبير من المهن الطبية والتقنية المرتبطة بإعادة التأهيل.

وتعاني غزة نقصًا خطيرًا في منتجات ومهمات التأهيل مثل الكراسي المتحركة، والأطراف الصناعية، وأدوات علاج الحروق المتقدّم، ومعدات علاج إصابات النخاع والدماغ، ومواد التضميد المتخصصة. ونتيجة تقييد إدخال الأجهزة والمستلزمات الطبية بسبب إجراءات الحصار الإسرائيلية والقيود اللوجستية، شُلّت قدرات ترميمية ووقائية كانت متاحة قبل حرب العامين المريرة.

كما ألحقت الحرب أضرارًا جسيمة بنظم المعلومات الصحية؛ فقد ضاعت سجلات كثيرة أو دُمّرت، وتعطّلت آليات تتبّع المرضى والتحويل بين المرافق، الأمر الذي سيعقّد تخطيط برامج إعادة التأهيل طويلة الأمد والمتابعة المتعلقة بالأطراف الاصطناعية والعدوى والقرح وضغط الفراش.

وأكدت منظمة الصحة العالمية في تقريرها أن احتياجات الصحة النفسية واسعة للغاية؛ فالمصابون وأسرهم يعانون من صدمات نفسية عميقة تتطلب برامج دعم نفسي واجتماعي مدمَجة ضمن برامج إعادة التأهيل الطبية.

وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الاحتياجات المدرجة في هذا التقرير تخصّ القطاع الطبي وحده، بينما تبقى الاحتياجات الإنسانية الأوسع "كالمأوى والغذاء والمياه" موضوعًا منفصلًا لا يقلّ خطورة. لكن تلبية هذه المتطلبات الطبية العاجلة تمثل الخط الدفاعي الأول للحياة والكرامة الإنسانية في غزة اليوم.

وأكدت التقارير الطبية والإنسانية أن قطاع غزة يحتاج بصورة عاجلة، بعد سريان وقف إطلاق النار، إلى فتح جميع المعابر الإنسانية فورًا ودون قيود لضمان دخول الإمدادات الطبية والمستلزمات التقنية اللازمة، إضافة إلى تزويد القطاع بما يكفي من المواد الأولية لتغطية حالات البتر المسجلة "2،218 حالة" من أطرافٍ صناعية ومعدات للعناية بها، إلى جانب توفير كراسٍ متحركة ومساند وأسِرّة قابلة للتعديل لآلاف المرضى. 

كما يتطلب الوضع الصحي الحرج توفير وحدات متخصّصة لعلاج الحروق وترميم الوجه والعينين ودعم الجراحات الترميمية، مع طواقم مدرَّبة من الجراحين وأخصائيي إعادة البناء، وبناء وتوسيع وحدات لإعادة التأهيل تستوعب نحو 41،844 شخصًا بحاجة إلى برامج طويلة الأمد، مع إعطاء أولوية للأطفال الذين يمثلون ربع الحالات والرضّع من الفئات الأدنى سنًا.

وتشمل الأولويات كذلك تنفيذ برامج مكثّفة للعلاج الطبيعي والوظيفي والعلاج المهني، وتوفير الأجهزة المساعدة مثل الأطراف والأجهزة التقويمية وورش محلية لصيانتها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق