الثلاثاء 03/يونيو/2025 - 08:46 ص 6/3/2025 8:46:38 AM
أول ما التفت إلى الأمر، أي فكرة الشعور العقلي والتفكير القلبي، كان ذلك من خلال قراءتي للأديب الكبير الراحل عباس محمود العقاد، لا أذكر الآن أكان القول في إطار ما كان رسمه، مع صديقيه الأديبين القديرين إبراهيم عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري، من ملامح لمدرسة الديوان التي تأسست على أيديهم، أم كان في إطار آخر؟ مدرسة الديوان: حركة تجديدية في الشعر العربي ظهرت في الربع الأول من القرن العشرين. المهم أن القول للعقاد "أن يشعر الإنسان بعقله ويفكر بقلبه"، وهو قول يعكس الآية مقلوبة؛ فالطبيعي هو الشعور بالقلب والتفكير بالعقل، ولكنه قلب الآية فجعل الشعور عقليا والتفكير قلبيا!
ربما توهمت القول ضمن الخصائص العميقة لمدرسة الديوان؛ لأنها كانت تجديدية كما سبقت الإشارة، وعلى هذا يتحتم أنها غايرت ما قبلها من المدارس القديمة، بصور شتى، ومن ذلك أنها منحت العقل فرصة للشعور والقلب فرصة للتفكير...
الشعور، في المعجم اللغوي، هو الإحساس وهو الإدراك بلا دليل؛ ومن ثم فهو للقلب لا العقل، وأما التفكير فمعناه إعمال الفكر وإمعان النظر، ومعناه (في الفلسفة والتصوف) ما يقابل الوجدان والنزوع؛ ومن ثم فهو للعقل لا القلب، ولكن العبارة المحيرة، عبارة العقاد التي أبدو هنا فاقدا لموضعها المضبوط، وإن كنت واثقا من نسبتها إليه، أعطت الشيء الذي للقلب للعقل والشيء الآخر الذي للعقل للقلب!
- حسنا... ما فائدة تبادل الوظيفة هكذا؟
الفائدة عظيمة جدا في الحقيقة؛ فمهما قام العقل بوظيفة القلب، أي قام التفكير بوظيفة الشعور، فإنه سيقوم بها من غير أن يسقط وظيفته الأصلية، أي سيشعر بتفكير ما ولن يشعر شعورا مجردا، وكذلك بالنسبة للقلب الذي سيقوم بوظيفة العقل، لا ريب في أن طبيعته الأصلية ستتجلى أيضا، وعليه سيفكر بشعور أيا كان، والمحصلة أن العقل والقلب، بتبادل الوظيفة، يكونان حصلا على نعمة الإضافة التي لم يكن ممكنا الحصول عليها بعيدا عن هذا التبادل المثير!
تطبيقيا لو تأملنا موضوعا، كالموضوع العاطفي مثلا، وجعلنا العقل هو الذي يشعر في أثنائه والقلب هو الذي يفكر؛ لوصلنا بالعلاقة، علاقة اثنين في رباط عاطفي، إلى شواطئ دافئة حميمة بشكل أسرع من وصولنا إليها في الحال المعتاد، بل أضمن. يأتي الضمان من رقة اكتسبها العقل الذي حل محل القلب ورزانة حصدها القلب الذي أخذ مكان العقل؛ فلم يعد العقل مفكرا صرفا ولم يعد القلب ذا شعور محض، وإنما نال كل منهما من طبيعة الآخر نصيبا، اندمج فيه، دون أن يصبغه بصبغته كليا...
أفسر للعقاد مراده المحتمل، مجتهدا، وقد أصيب وقد أخطئ، إلا أن القول راقني تماما، معنى ومبنى، وجدته كاللعبة البسيطة المعقدة، وقلت أنزل ساحتها، مجربا، لعلي أفيد وأستفيد وأستمتع!