مجدّدًا، يختار العدوّ الإسرائيلي أن يصعّد ميدانيًا في ذروة الحديث عن تقدّم مفاوضات وقف إطلاق النار، بل بالتزامن مع الحديث عن "إيجابية" سُجّلت على خطّها، بعد تسلّم لبنان مسودّة اتفاق من الأميركيين، ليستفيق اللبنانيون على قصف إسرائيلي عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت، بدا خارج السياق الطبيعيّ، وقد اقترب أكثر فأكثر من المناطق المجاورة لها، ولا سيما في منطقة عين الرمانة، الواقعة خارج نطاق الضاحية، ولو كانت محاذية للشياح.
لم يقف التصعيد الإسرائيلي عند هذا الحدّ، إذ إنّ الرسالة "الأعنف" سُجّلت ظهرًا، مع استهداف منطقة رأس النبع، في قلب العاصمة بيروت، في عملية تبيّن أنّ الهدف منها كان اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" الحاج محمد عفيف، الرجل الذي لا يفترض أن يكون "هدفًا مشروعًا" للعدو، طالما أنّه ليس عسكريًا، ولو أنّه لعب دورًا مهمًا في الحرب النفسية، خصوصًا بمؤتمراته الصحافية الدورية بعد اغتيال الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصر الله.
وقبل أن ينهي الحزب تحضير بيان نعي الحاج عفيف، بوصفه "قائدًا إعلاميًا كبيرًا وشهيدًا عظيمًا على طريق القدس"، قرّر العدو أن يواصل رسائله "النارية"، عبر استهداف عمق العاصمة اللبنانية، من خلال ضرب منطقة مار الياس المكتظة بالسكان للمرة الأولى، في عملية قيل أيضًا إن هدفها اغتيال أحد القياديين العسكريين في "حزب الله"، فكيف يُقرأ هذا التصعيد الميداني في الشكل والتوقيت، وهل ينسف المفاوضات عن بكرة أبيها؟!
عودة إلى الاغتيالات؟
قد لا يكون غريبًا أن يكون مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" هدفًا بالنسبة لإسرائيل، ولو أنه لا يمتلك أي رتبة عسكرية في الحزب، بل هو جزء من جسم صحافي يفترض أن يتمتّع بالحصانة، إلا أنّ الرجل كان يدرك أنّه أصبح مستهدَفًا، منذ اختار تحدّي آلة الحرب الإسرائيلية، في أعقاب اغتيال السيد حسن نصر الله، ليخرج إلى دائرة الضوء في مؤتمرات دورية، كان يصرّ على عقدها في الهواء الطلق، وفي عمق الضاحية الجنوبية لبيروت.
لكنّ ما قد يكون غريبًا أن تجد إسرائيل في اغتيال عفيف "إنجازًا نوعيًا" تتغنى به، من دون أي مراعاة لصفته الإعلامية المبدئية، وهي التي يقال إنها "استنفدت أهدافها" في المرحلة الأخيرة، واختفت ضرباتها "الدقيقة"، وقد استبدلتها بالضربات "العشوائية" على الضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق، والتي لا تتوخى منها سوى التدمير والتخريب، فضلاً عن تسجيل النقاط في سياق الحرب النفسية القائمة مع "حزب الله"، عبر إنذارات الإخلاء.
وإذا كان البعض قرأ في استهداف عفيف إعلانًا إسرائيليًا عن عودة سياسة الاغتيالات، بعد توقف مؤقت خلال المرحلة السابقة، فإنّ العارفين يشدّدون على أنّ الأمر ليس كذلك، إذ إنّ القاصي والداني يدرك أنّ العدو لم يوقف سياسة الاغتيالات، إلا عندما عجز عن الوصول إلى ما يعتبرها "أهدافًا" بالنسبة إليه، وهو الذي سبق أن توعّد الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم بالاغتيال مثلاً، ولن يتأخّر في ذلك متى استطاع إلى ذلك سبيلاً.
"رسالة" استهداف بيروت
لكنّ "رسالة" استهداف الحاج محمد عفيف، لا تقف عند حدود عودة سياسة الاغتيالات، ولا عند دلالة اغتيال شخصية مدنية، وتحديدًا إعلامية، لا عسكرية، في صفوف "حزب الله"، بل في ضرب عمق العاصمة اللبنانية بيروت، وهي رسالة تصعيدية اختارت إسرائيل استكمالها بضربة أخرى في منطقة لم يسبق لها استهدافها، وتعجّ بالسكان والنازحين، هي منطقة مار الياس، وكأنّها تقول أنّ "تحييد" العاصمة الذي حصل في فترة من الفترات انتهى في هذه المرحلة.
يقول العارفون إنّ هذه الرسالة "مزدوجة المعاني والدلالات"، إذ إن إسرائيل تؤكد من خلالها أنّها انتقلت إلى "مرحلة ثانية" من الحرب، بمعزل عن نتائج مفاوضات وقف إطلاق النار، بمعنى أنّ المرحلة الثانية من العملية البرية التي بدأتها في جنوب لبنان قبل أيام ستوازيها مرحلة ثانية من القصف في مختلف المناطق، بما في ذلك العاصمة بيروت، التي صحيح أنّها ضُرِبت سابقًا، لكن ليس بهذا الشكل، ولا بهذه "الكثافة" إن صحّ التعبير.
أما الرسالة الثانية، والتي قد تكون الأهمّ، أنّ إسرائيل تريد أن تكرّس المبدأ الذي تصرّ عليه، وهو "التفاوض بالنار"، الذي يرفضه "حزب الله" من حيث المبدأ، فهي بتصعيدها تقول إنّ وقف إطلاق النار لن يحصل إلا عندما يتمّ الاتفاق، ولكنها أيضًا تلوّح بملامح المرحلة المقبلة، في حال عدم التوصل إلى اتفاق، وكأنّها بذلك "تقايض" من تفاوضه أنّ عدم القبول بشروطها، سيعني المضيّ بالحرب، ولكن وفقًا للقواعد الجديدة المغايرة عمّا سبق.
ثمّة أكثر من رسالة يمكن أن تُفهَم من التصعيد الإسرائيلي، فإسرائيل ربما تفاوض بالنار، وربما توجّه موقفًا سلبيًا بعد ما أثير عن ملاحظات لبنانية، وربما تنسف المفاوضات كما فعلت في غزة مرارًا وتكرارًا. لكن ثمّة بعد آخر لا يذكره كثيرون، يقوم أنّ إسرائيل التي قد تكون جادة في رغبتها بإنهاء الحرب، جادة أيضًا بـ"استغلال" المرحلة الفاصلة عن نضوج المفاوضات، وقد اعتادت تاريخيًا على ارتكاب "الفظائع" قبل وقف إطلاق النار!
Advertisement
لم يقف التصعيد الإسرائيلي عند هذا الحدّ، إذ إنّ الرسالة "الأعنف" سُجّلت ظهرًا، مع استهداف منطقة رأس النبع، في قلب العاصمة بيروت، في عملية تبيّن أنّ الهدف منها كان اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" الحاج محمد عفيف، الرجل الذي لا يفترض أن يكون "هدفًا مشروعًا" للعدو، طالما أنّه ليس عسكريًا، ولو أنّه لعب دورًا مهمًا في الحرب النفسية، خصوصًا بمؤتمراته الصحافية الدورية بعد اغتيال الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصر الله.
وقبل أن ينهي الحزب تحضير بيان نعي الحاج عفيف، بوصفه "قائدًا إعلاميًا كبيرًا وشهيدًا عظيمًا على طريق القدس"، قرّر العدو أن يواصل رسائله "النارية"، عبر استهداف عمق العاصمة اللبنانية، من خلال ضرب منطقة مار الياس المكتظة بالسكان للمرة الأولى، في عملية قيل أيضًا إن هدفها اغتيال أحد القياديين العسكريين في "حزب الله"، فكيف يُقرأ هذا التصعيد الميداني في الشكل والتوقيت، وهل ينسف المفاوضات عن بكرة أبيها؟!
عودة إلى الاغتيالات؟
قد لا يكون غريبًا أن يكون مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" هدفًا بالنسبة لإسرائيل، ولو أنه لا يمتلك أي رتبة عسكرية في الحزب، بل هو جزء من جسم صحافي يفترض أن يتمتّع بالحصانة، إلا أنّ الرجل كان يدرك أنّه أصبح مستهدَفًا، منذ اختار تحدّي آلة الحرب الإسرائيلية، في أعقاب اغتيال السيد حسن نصر الله، ليخرج إلى دائرة الضوء في مؤتمرات دورية، كان يصرّ على عقدها في الهواء الطلق، وفي عمق الضاحية الجنوبية لبيروت.
لكنّ ما قد يكون غريبًا أن تجد إسرائيل في اغتيال عفيف "إنجازًا نوعيًا" تتغنى به، من دون أي مراعاة لصفته الإعلامية المبدئية، وهي التي يقال إنها "استنفدت أهدافها" في المرحلة الأخيرة، واختفت ضرباتها "الدقيقة"، وقد استبدلتها بالضربات "العشوائية" على الضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق، والتي لا تتوخى منها سوى التدمير والتخريب، فضلاً عن تسجيل النقاط في سياق الحرب النفسية القائمة مع "حزب الله"، عبر إنذارات الإخلاء.
وإذا كان البعض قرأ في استهداف عفيف إعلانًا إسرائيليًا عن عودة سياسة الاغتيالات، بعد توقف مؤقت خلال المرحلة السابقة، فإنّ العارفين يشدّدون على أنّ الأمر ليس كذلك، إذ إنّ القاصي والداني يدرك أنّ العدو لم يوقف سياسة الاغتيالات، إلا عندما عجز عن الوصول إلى ما يعتبرها "أهدافًا" بالنسبة إليه، وهو الذي سبق أن توعّد الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم بالاغتيال مثلاً، ولن يتأخّر في ذلك متى استطاع إلى ذلك سبيلاً.
"رسالة" استهداف بيروت
لكنّ "رسالة" استهداف الحاج محمد عفيف، لا تقف عند حدود عودة سياسة الاغتيالات، ولا عند دلالة اغتيال شخصية مدنية، وتحديدًا إعلامية، لا عسكرية، في صفوف "حزب الله"، بل في ضرب عمق العاصمة اللبنانية بيروت، وهي رسالة تصعيدية اختارت إسرائيل استكمالها بضربة أخرى في منطقة لم يسبق لها استهدافها، وتعجّ بالسكان والنازحين، هي منطقة مار الياس، وكأنّها تقول أنّ "تحييد" العاصمة الذي حصل في فترة من الفترات انتهى في هذه المرحلة.
يقول العارفون إنّ هذه الرسالة "مزدوجة المعاني والدلالات"، إذ إن إسرائيل تؤكد من خلالها أنّها انتقلت إلى "مرحلة ثانية" من الحرب، بمعزل عن نتائج مفاوضات وقف إطلاق النار، بمعنى أنّ المرحلة الثانية من العملية البرية التي بدأتها في جنوب لبنان قبل أيام ستوازيها مرحلة ثانية من القصف في مختلف المناطق، بما في ذلك العاصمة بيروت، التي صحيح أنّها ضُرِبت سابقًا، لكن ليس بهذا الشكل، ولا بهذه "الكثافة" إن صحّ التعبير.
أما الرسالة الثانية، والتي قد تكون الأهمّ، أنّ إسرائيل تريد أن تكرّس المبدأ الذي تصرّ عليه، وهو "التفاوض بالنار"، الذي يرفضه "حزب الله" من حيث المبدأ، فهي بتصعيدها تقول إنّ وقف إطلاق النار لن يحصل إلا عندما يتمّ الاتفاق، ولكنها أيضًا تلوّح بملامح المرحلة المقبلة، في حال عدم التوصل إلى اتفاق، وكأنّها بذلك "تقايض" من تفاوضه أنّ عدم القبول بشروطها، سيعني المضيّ بالحرب، ولكن وفقًا للقواعد الجديدة المغايرة عمّا سبق.
ثمّة أكثر من رسالة يمكن أن تُفهَم من التصعيد الإسرائيلي، فإسرائيل ربما تفاوض بالنار، وربما توجّه موقفًا سلبيًا بعد ما أثير عن ملاحظات لبنانية، وربما تنسف المفاوضات كما فعلت في غزة مرارًا وتكرارًا. لكن ثمّة بعد آخر لا يذكره كثيرون، يقوم أنّ إسرائيل التي قد تكون جادة في رغبتها بإنهاء الحرب، جادة أيضًا بـ"استغلال" المرحلة الفاصلة عن نضوج المفاوضات، وقد اعتادت تاريخيًا على ارتكاب "الفظائع" قبل وقف إطلاق النار!