سؤال يدور في رأس كل لبناني لا يريد أن يرى على أرض لبنان سوى السلاح الشرعي، وهو يتمحور حول هدف البعض في التشكيك بالجيش وبقدرته على حماية المواطنين أينما كانوا بسيفه "القاطع متل العدل والمحني متل التواضع".
Advertisement
ففي كل مرّة كانت الأنظار تتجه نحو المؤسسة العسكرية الأم، باعتبارها خشبة الخلاص الوحيدة، كانت تُرشق بسهام التشكيك والتعطيل. فما تتعرّض له اليوم هذه المؤسسة الوطنية، التي لا تزال صامدة في وجه كل ما يواجهها من صعوبات مادية ومعنوية، من حملات مغرضة هي أهداف غير بريئة لا بالتوقيت ولا بالأسلوب القديم – الجديد.
ولا يفوت هذا البعض في تذكير قيادة الجيش بمّا حلّ بمن سبقها في تحمّل المسؤولية يوم تخّلى عنها كثيرون. والمغزى من هذا التذكير بأن من كانت له القدرة على شرذمة المؤسسة العسكرية في بداية حرب الـ 1975 إلى ألوية طائفية يستطيع الآن، وبعد مرور نصف قرن على فعل الشيء نفسه. ولكن فات هؤلاء أن الجيش، قيادة وضباطًا وأفرادًا، مرّ بتجارب كثيرة وبقي موحدًّا، وهو الذي تعمّد بشعاره الذهبي المثلث الأضلع: شرف، تضحية ووفاء. فمع كل كلمة من هذه الكلمات الثلاث حكاية مجد، وبطولة، وعز وعنفوان. وهذه الحكاية المتوارثة جيلًا بعد جيل، عصيّة على الذين يحاولون أن يجرّوا هذه المؤسسة – الحصن إلى زواريب الطائفية الضيقة.
فلماذا تتزامن كل حملات التشكيك هذه مع تنامي الحديث عن دور متقدّم للجيش في جنوب الليطاني بعد أن يتوقف المدفع، وسيتوقف مهما طال الزمن ومهما تغطرست إسرائيل ومهما اشرأبت وكابرت؟ وهل لأن وجود الجيش حيث يجب أن يكون في الجنوب سيكون مصدر أمن وطمأنينة وسيكون هناك تمامًا كما هو في الشمال والبقاع، والسهل، والساحل، والجبل؟ وهل ثمة من يريد أن يطال الفراغ سدّة المسؤولية في قيادة الجيش كما هو الحال في سدّة رئاسة الجمهورية فيتمّ اللجوء إلى مثل هذه الحملات على مؤسسة "إن أصابتها سهام تكسّرت النصال على النصال".
لمن يحاول "التغبير" على قائد الجيش العماد جوزاف عون أحيله على كبار من بلدة العيشية، الذين لا يزالون يتذكّرون "مرجلة" أبو خليل، أي يوسف عون جدّ القائد، وما فعله حين كانت المجاعة تفتك بأهل ضيعته، وهو الذي قاوم جيش الاحتلال ومنعهم من الاستيلاء على حمولة القمح، التي كان يقودها على البغال من سوريا إلى العيشية عبر الجبال والوديان.
وهذا التذكير ليس بمثابة تحدٍّ، ولكن لوضع الأمور في نصابها الصحيح، من دون أن يعني ذلك دفاعًا عن أحد، بل دفاعًا عن مؤسسة لا يمكن أن تكون للوطن قيامة من دون أن يرد ذكر اسمها على كل شفة ولسان. فالأشخاص يمرّون "مرقة طريق".
وحدها المؤسسة العسكرية باقية بنضالها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، وهي الوحيدة المؤهلة لأن تلعب أدوارًا وطنية جامعة وموحِدة لا يقدر أحد غيرها أن يقوم محلها أو أن يؤدي ما تقوم به من أدوار غير فئوية وغير انحيازية وغير طائفية.
هي مؤسسة الأمس واليوم والغد. وحدها من بين كل مؤسسات الدولة استفادت من تجارب الماضي الأليم، ووحدها التي تتطور عقيدة وروحًا وثقافة قتالية، ووحدها التي أسست لمستقبل بعيد، وذلك بعيدًا عن المحسوبية والزبائنية على رغم محاولات كثيرة لجرّها إلى حيث لا مكان لها في الأمكنة المظلمة، حيث توضع الخطط المشبوهة والانقلابية على المفاهيم العقائدية الوطنية، التي تتم على أساسها تنشئة المنتمين إلى هذه المؤسسة الوطنية.
وقد يكون من بين الأخطاء السياسية التي ارتكبت في حق مؤسسة الجيش خطأ كبير هو الغاء خدمة العلم.