اللبنانيون لن يلدغوا من الجحر الإسرائيلي مرتين

ليست دعابة إن قلنا إن اللبنانيين يريدون فعلًا أن يصدّقوا أن الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين سيحمل إليهم من إسرائيل، أو من أي مكان آخر، آلية مرنة لتطبيق القرار ١٧٠١. ويريدون أن يصدقوا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تل أبيب ستقبل بوقف غير مشروط لاطلاق النار يريده أكثر من أي شيء آخر جميع اللبنانيين من دون استثناء، وليس فقط المعرّضة حياتهم للخطر مع كل صاروخ يغدر بهم حيث هم في قراهم.

Advertisement

التجارب السابقة مع اسرائيل لا تدعو إلى الكثير من التفاؤل بإمكانية الوصول إلى صيغة مقبولة لبنانيًا لما يقترحه الأميركيون من تصور أولي لآلية الحل. وما يدعو اللبنانيين إلى عدم الاطمئنان لما يمكن أن يحمله معه الموفد الأميركي من أفكار قابلة للنقاش والأخذ والعطاء في ضوء المستجدات الميدانية الآخذة في التصعيد المتدرج من كلا الطرفين. فـ "حزب الله"، وعلى عكس ما يروج له العدو، مستمر في قصف التجمعات العسكرية في الشمال الاسرائيلي وبعض المواقع الاستراتيجية القريبة من حيفا وتل أبيب، بعدما استعاد الإمساك بزمام الأمور، وبالأخص بعدما تم تعيين الشيخ نعيم قاسم الأمانة العامة خلفًا للسيد حسن نصرالله. أما الجيش الاسرائيلي فماضٍ في قصف القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية بكل وحشية ومن دون توقف.
فإذا كانت الكلمة الأخيرة هي للأيام والليالي والميدان فإن المؤشرات لا توحي بأن لدى المتقاصفين نية في وقف العمليات العسكرية، خصوصًا أن طرفي الصراع يعتقدان، كل من منظاره الخاص، أن دفة توازن الغلبة تميل لمصلحته. في حين أن المنطق البديهي يقول بأن لا رابح في هذه الحرب، التي لا يعرف أحد كيف ومتى ستنتهي وما هي كلفتها على لبنان أولًا، الذي بالكاد يستطيع أن يقف على رجليه في ما خصّ أموره الحياتية، التي تفاقمت وتعاظمت نتائجها في ظل هذه الحرب التدميرية والتهجيرية.
ولو أتت مساعدات مؤتمر باريس في الحالات العادية، أي أن تلك الـ 800 مليون دولار، التي خُصّصت لمساعدة اللبنانيين النازحين، قد أتته في الأيام العادية لأمكن لبنان أن يتنفس الصعداء بالنسبة إلى أزماته الاقتصادية، والمالية، والمعيشية، والاجتماعية. أمّا أن تأتي هذه المساعدات لمعالجة آنية لوضع غير طبيعي وفي ظرف غير طبيعي أيضًا فإن ما يمكن أن يضاف على هذه المساعدات من إعادة اعمار ما هدّمته الحرب لن يفي بالحاجة المطلوبة، وهي كبيرة، وفق التقديرات الأولية حتى الآن، والتي تصل أحجام ما قد يحتاجه لبنان للعودة أقّله إلى ما كان عليه قبل 8 تشرين الأول من العام 2023 إلى حدود الـ 28 مليار دولار كحدّ أدنى.
فالذين يصدّقون أن المؤمن قد يُلدغ من الجحر مرتين هم على الأرجح لم يتعرضّوا لما تعرّض له ذاك المؤمن الذي لدغته تلك الأفعى الرابضة تحت القش، ولم يختبروا مدى الألم الذي عانوه على مدى سنوات نتيجة هذا السمّ الذي تغلغل في عروق أجسامهم. فإسرائيل لا يؤمن شرها، خصوصًا أنها مصرّة على أن يكون مصير لبنان كمصير غزة. فمن يراقب حركة القصف اليومي الذي تتعرّض له القرى الجنوبية والبقاعية والأحياء السكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت يدرك مدى خطورة الأهداف الإسرائيلية، التي يعتقد كثير من المحللين أنها لن تقف عند حدود معينة في تماديها بتحدّي الإرادة الدولية.
فمن خلال هذه الاعتداءات المتواصلة، والتي يسقط فيها المزيد من الشهداء، وتدّمر المنازل فوق رؤوس أصحابها، يتبيّن للقاصي والداني أن رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو يصرّ على رفع سقف التصعيد إلى الحدّ الأقصى، ميدانياً وسياسياً، وعلى رفض التسويات والاستعداد لحروب طويلة جداً في غزة ولبنان، والتحضير لتوجيه ضربات إلى إيران ونظامها، تعطّل قدراته النووية والتوسعية على رغم أن الهجوم الأخير كان شبيها بالردّ الإيراني على إسرائيل، وهما يوصفان بانهما "هجومان كاريكاتوريان" بامتياز.
ولكن ثمة من يسأل، ونحن منهم، ما هي خلفيات الليونة المفاجئة التي تبديها إسرائيل منذ أيام، في غزة ولبنان، وما هو دافعها إلى تنفيذ "هجوم كاريكاتوري" ضدّ إيران، بعدما توعدت بتوجيه ضربات غير مسبوقة؟
ما تقوم به إسرائيل ليس سوى محاولة لكسب الوقت قبل الانتخابات الأميركية بعد أسبوع من الآن، ولكن هذا لا يعني أنها ستطفئ محركات آلة الموت، لا في لبنان ولا في غزة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الهلال يعلن عودة ياسين بونو قبل مواجهة النصر المرتقبة في الكلاسيكو
التالى سرب من المسيرات يستهدف شمال إسرائيل وصافرات الإنذار تدوي دون توقف في نهاريا وعكا وحيفا