معركة إضعاف طهران: سياسة أميركية لتفكيك النفوذ في المنطقة

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
على وقع المشهد الإقليمي المتحرك، عاد الملف الإيراني إلى واجهة الاشتباك السياسي في توقيت بالغ الحساسية، إذ برز عرض أميركي لطهران لاستئناف مسار التفاوض ضمن شروط جديدة، وهي شروط وصفها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالمهينة، معتبراً أن واشنطن تعمل على تجريد إيران من عناصر القوة الاستراتيجية وإضعاف موقعها في مواجهة إسرائيل. وشدد بزشكيان على أن طهران منفتحة على مسار سلام متوازن، لكنها ترفض أسلوب البلطجة السياسية وفرض الشروط من طرف واحد، في رسالة تعكس تحوّلاً واضحاً في نبرة الرد الإيراني تجاه الضغوط الاميركية.

وعلى امتداد الساحات المتصلة بالصراع الإقليمي، تتقاطع الوقائع السياسية عند هدف أميركي واحد، وفق مصادر دبلوماسية، ويتمثل في تفكيك مركز الثقل الإيراني عبر استهداف شبكة الحلفاء، على اعتبار أن إضعاف طهران يتحقق من خلال ضرب ركائز نفوذها خارج الحدود. وانطلاقاً من هذه المقاربة، يتخذ هذا المسار أشكالاً متداخلة سياسية وأمنية واقتصادية، مع اعتماد أدوات ضغط جديدة تطال الحكومات والفاعلين المحليين في أكثر من ساحة، ما يعكس سعياً منظّماً لإعادة هندسة التوازنات في المنطقة.

في لبنان، تتظهّر المواجهة كواقع سياسي وأمني مفتوح مع تمسّك "حزب الله" بسقفٍ تفاوضي واضح يقوم على تثبيت وقف إطلاق النار، انسحاب العدو الإسرائيلي، وعودة الأسرى. وفي المقابل، يذهب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نحو مزيد من التصعيد ويقفل الباب أمام أي مسار يلتزم بهذه المعادلة، ما يحوّل الميدان إلى أداة ضغط لإنتاج تسوية بشروط مختلفة. ومن هنا، ترى المصادر أن الفجوة القائمة ليست تفصيلاً تفاوضياً بل جزءاً من مسار سياسي ضاغط يسعى إلى فرض وقائع جديدة في جنوب لبنان، على نحو ينسجم مع الاتجاه الأميركي الأوسع القائم على دفع حلفاء ايران إلى زوايا أضيق بدل فتح مسارات تهدئة متوازنة.

أما في بغداد، فتقف الفصائل العراقية أمام استحقاق بالغ الحساسية، إذ تشير المعطيات إلى أن واشنطن تضغط باتجاه فرض معايير سياسية وأمنية مشدّدة على الحكومة العراقية، بما يتجاوز منطق التعاون التقليدي بين الدول. وفي هذا الإطار، تشير المصادر الى ان الرسالة التي وصلت إلى بغداد، حملت مضموناً بالغ الخطورة مفاده أن تمثيل شريحة واسعة من المجتمع العراقي داخل السلطة التنفيذية بات موضع اعتراض أميركي، ما فتح باب ضغط واسع على مؤسسات الدولة ودفع بالعملية السياسية إلى مرحلة أكثر تعقيداً.

وفي هذا السياق، اتخذ الكونغرس الأميركي قراراً بتجميد نصف المساعدات العسكرية المخصصة للعراق إلى حين تبلور إجراءات سياسية وأمنية ترى فيها واشنطن مؤشراً على التزام حكومي بالمسار الذي تطلبه. ويأتي هذا التطور عقب مطالبة أميركية مباشرة بإقصاء الفصائل الشيعية المسلحة من المشهد السياسي، إذ نقل دبلوماسي أميركي في الأيام الماضية أن القادة العراقيين يدركون أن مشاركة هذه القوى في الحكومة المقبلة تتعارض مع أطر التعاون المعتمدة بين بغداد وواشنطن.

الأخطر في هذا المسار، وفق مصادر عراقية، يتمثل في أن المطلوب تجاوز مسألة السلاح نحو تقليص الحقوق السياسية لشريحة تمثيلية واسعة، خصوصاً أن هذه الفصائل حصدت الكتلة النيابية الأكبر في مجلس النواب خلال الأسابيع الماضية. وعليه، يجري التداول باسم رئيس حكومة جديد يفترض أن يراعي التوازنات الإقليمية، غير أن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوصف بالحاسم في هذا الملف، ما يجعل فرص التسوية مرهونة بمستوى الرضى الأميركي.

من هنا، تتجه الأنظار إلى بغداد لمعرفة ما إذا كانت قادرة على إنتاج صيغة حكومية تنال الرضى الاميركي، وهو سؤال يفتح تلقائياً باب المقارنة مع الواقع اللبناني. فبحسب المعطيات المطروحة في الكواليس السياسية، تسعى واشنطن في المرحلة المقبلة إلى منع تشكيل أي حكومة لبنانية تضم ممثلين عن "الثنائي الشيعي"، مع تركيز متزايد على قوى شيعية معارِضة بهدف إعادة ترتيب التوازنات داخل السلطة التنفيذية.

هذا التشابه بين المسارين اللبناني والعراقي، يكشف عن استراتيجية موحدة عنوانها إضعاف نفوذ إيران عبر محاصرة حلفائها وإعادة هندسة السلطة في أكثر من ساحة. وبينما تختلف الأدوات من بلد إلى آخر، يبقى الهدف واحداً، وهو تقليص هامش الحركة الإقليمية لطهران وصولاً إلى إفراغ مشروعها من مضمونه السياسي والأمني.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق