عند احتساب الربح والخسارة، تظهر مجموعة معطيات تجعل خيار التصعيد مكلفًا لإسرائيل أكثر مما هو مغرٍ. أولًا، أي تصعيد سيمنح حزب الله الذريعة الكاملة للرد. فبدل السيناريو الذي تسعى إليه إسرائيل، أي توجيه ضربات بلا ردّ واسع، ستجد نفسها أمام معادلة مختلفة تمامًا، حيث يصبح الرد مشروعًا ومتوقّعًا. هذا التحول وحده يعيد إدخال إسرائيل في دائرة التهديد المباشر، ويُسقط فكرة “الضربة الآمنة” التي تحاول تسويقها.
ثانيًا، أي معركة جديدة لن تُخاض بالظروف نفسها التي سبقت الحرب الأخيرة. على العكس، فإن ميزان القوى سيكون أكثر ملاءمة لحزب الله. فالتجربة السابقة استُنفدت بكل ما فيها من خسائر وضغوط، ولا توجد ظروف أسوأ مما كان قائمًا حينها. هذا يعني أن الحزب يدخل أي مواجهة مقبلة وهو أكثر تحصّنًا سياسيًا وميدانيًا، فيما تدخل إسرائيل وهي أقل قدرة على المفاجأة وأكثر عرضة للاستنزاف.
ثالثًا، مسألة الشرعية تلعب دورًا محوريًا. في الحرب الأخيرة، دار جدل واسع حول من بدأ ومن يتحمّل المسؤولية. اليوم، الصورة مختلفة. حزب الله يستطيع أن يستند إلى رواية واضحة مفادها أنه التزم لفترة طويلة بقواعد التهدئة، فيما لم تلتزم إسرائيل بذلك. هذه المعادلة تمنحه غطاءً سياسيًا ومعنويًا أوسع، داخليًا وخارجيًا، للردّ أو لتوسيع دائرة المواجهة إذا أراد.
رابعًا، أي تصعيد إسرائيلي سيمنح الحزب ورقة تفاوضية إضافية في ملف وقف إطلاق النار. فهذه المرة، لن يكون القبول بوقف النار أمرًا تلقائيًا، بل مشروطًا بوقف الاعتداءات فعليًا. وهذا من شأنه أن يقيّد حرية الحركة الإسرائيلية التي اعتادت عليها.
خامسًا، وعلى المستوى الداخلي الإسرائيلي، فإن التصعيد يهدد سردية “النصر المطلق” التي يحاول بنيامين نتنياهو ترسيخها، خصوصًا قبيل أي استحقاق انتخابي. فتح جبهة غير مضمونة النتائج في لبنان قد ينسف هذه السردية من أساسها، ويحوّل الإنجازات المعلنة إلى عبء سياسي داخلي.
بناءً على كل ذلك، يبدو أن التصعيد، رغم حضوره في الخطاب، لا يخدم فعليًا المصلحة الإسرائيلية، بل يفتح الباب أمام خسائر يصعب التحكم بمسارها أو سقفها.






0 تعليق