منذ توسيع العدو الإسرائيلي لحربه الهمجية ضدّ لبنان، بدءًا من "مجزرة البيجرر" الشهيرة، وصولاً إلى الغارات المتكرّرة على مختلف المناطق خارج نطاق الحدود الجنوبية، بما في ذلك قلب العاصمة بيروت وليس فقط ضاحيتها الجنوبية، مرورًا بالاستهدافات المحدّدة، التي بلغت أوجها مع اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، يتكرّر سؤال واحد على ألسنة الكثيرين: أين "توازن الردع" الذي لطالما تحدّث عنه الحزب؟!
تكرّر السؤال بقوة في الأيام الأخيرة، مع التمادي الإسرائيلي في كسر كلّ الخطوط الحمراء، وتجاوز كلّ الأعراف، سواء مع استهداف قوات حفظ السلام الأممية (اليونيفيل)، أو مع الضربات المتكرّرة للمسعفين وآليّاتهم، في خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني، ولكن أيضًا بعد المجزرة المروّعة في منطقتي النويري والبسطة، التي حاول البعض تصويرها على أنّها "محاولة اغتيال"، متبنّين بذلك السردية الإسرائيلية المضلّلة التي تحوّل المدنيّين إلى مجرّد "أضرار جانبية".
لكنّ "خطورة" استهداف العاصمة بيروت، الذي يُعَدّ "الأخطر" ولو كان الثالث من نوعه، بعد ضربتي الكولا والباشورة سابقًا، تكمن في أنه يضرب في العمق "هيبة الردع"، التي يعتقد كثيرون أنّها لعبت دورًا أساسيًا، بل جوهريًا، في "تحييد" العاصمة إلى حدّ بعيد عن الهجمات الإسرائيلية في حرب تموز 2006، خصوصًا بعدما أطلق الحزب معادلة "تل أبيب مقابل بيروت"، التي كرّسها على مدى السنوات اللاحقة، حتى أسابيع قليلة ماضية..
الهجوم "النوعي" الأعنف
بمعزل عمّا تقدّم، يبدو الأكيد أنّ مساء الأحد أتى "ثقيلاً" على الإسرائيليين، بعد ما وُصِف من إعلامهم بـ"الحدث الصعب"، الذي سرعان ما تبنّاه "حزب الله"، حين أعلن أنّ المقاومة الإسلامية نفّذت عملية إطلاق سرب من المسيّرات الانقضاضية على معسكر تدريب للواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا، وأدرجه في خانة سلسلة عمليات خيبر، وردًا على الاعتداءات الصهيونية، وخصوصًا في أحياء النويري والبسطة في العاصمة، وباقي المناطق اللبنانية.
لم يفصح الحزب في بيانه عن الكثير، ولم يتحدّث عن الإصابات التي تكبّدها العدو من العملية، كما يفعل في الكثير من البيانات حين يتحدّث عن إيقاع أفراد قوة من هنا أو هناك "بين قتيل وجرح"، ربما لأنّ الإعلام الإسرائيلي تولى المهمّة هذه المرّة، رغم الرقابة العسكرية الشديدة، التي لم تستطع حجب بعض المعلومات "الحسّاسة"، خصوصًا على مستوى قدرة الحزب على استخدام منظومة الدفاع الجوية، وضرب القاعدة العسكرية الإسرائيلية في حيفا.
لكن، أبعد من هذه القدرة، التي يعيدها الخبراء والمتخصّصون إلى النوع "المركّب" من الهجمات التي ينفذها الحزب، معتمدًا على ما يصنّف عسكريًا بتكتيك "الإشغال والإلهاء"، فإنّ ما لم يستطع الإسرائيليون حجبه أيضًا، هو "حجم" الهجوم، الذي عدّه العارفون والمطّلعون "الأعنف" على الإطلاق من الجبهة اللبنانية، وهو ما يُستدَلّ عليه أيضًا من عدد الإصابات الهائل الناتج عنه، والذي قد يكون الأكبر على الإطلاق منذ هجوم السابع من تشرين الأول 2023.
استعادة هيبة "الردع"
في بيان تبنّي عملية استهداف معسكر تدريب للواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا، أكّد "حزب الله" أنّ المقاومة الإسلامية ستبقى حاضرة وجاهزة للدفاع عن لبنان وشعبه الأبي والمظلوم، ولن تتوانى عن القيام بواجبها في "ردع العدو"، ولعلّ هذه العبارة بالتحديد تحمل بين طيّاتها "كلمة السرّ"، التي أراد الحزب من خلال ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وبالتالي توجيه أكثر من رسالة للعدو، وأولها أنّه لم يخسر توازن الردع، خلافًا لما يحاول العدو ترويجه.
من هنا، يقول العارفون إنّ الهدف الأول الذي سجّله الحزب في مرمى العدوّ من خلال هذا الهجوم، يتمثّل في استعادة "هيبة الردع" بشكل أو بآخر، فهو أراد القول إنّ الكثير من المعادلات التي اعتقد الإسرائيليون أنّها ولّت مع اغتيال كبار قادة الحزب، لا تزال ثابتة وحاضرة، وبالتالي أنّ المقاومة لا تزال قادرة على "إيلام العدو"، بضربات "نوعية"، تحرص على تسجيلها في بياناتها تحت عنوان "خيبر"، ولكن أيضًا بنداء "لبّيك يا نصر الله" المعبّر.
بهذا المعنى، ثمّة من يفهم هذا الهجوم على أنّه محاولة لردع العدو عن التمادي أكثر في اعتداءاته، وربما إنذار له بأنّ استهداف العاصمة بيروت لا يمكن أن يتحوّل إلى "روتين" كما جرى سابقًا مع استهداف الجنوب وحتى الضاحية، ولكن أبعد من ذلك، ثمّة من يقرأ الرسالة "الأهمّ" خلف الهجوم، في أنّ المقاومة لم تخسر أوراق قوتها، وإنّ الإسرائيلي يجب أن يعيد النظر باستراتيجيته إن كان يريد فعلاً إعادة المستوطنين إلى بيوتهم "بأمان"، كما يقول، لا تهجير المزيد منهم.
من يراقب مسار عمليات "حزب الله" في الأيام الماضية، يقرأ خلف سطورها "تكثيفًا غير مسبوق" لها في العدد، الذي بات يتخطى الثلاثين في اليوم الواحد، ولكن أيضًا في "النوعية"، مع التمييز بين مستويين ربما، سواء ما يندرج ضمن "الإسناد"، أو "خيبر". لعلّها إشارة ضمنية متأخّرة من الحزب بأنّ قواعد الاشتباك تغيّرت، وبأنّ الحرب التي كان يتجنّبها "فُرِضت عليها"، وحان الوقت ليثبت "جاهزيته" له، رغم كلّ الخسائر التي تكبّدها!
Advertisement
تكرّر السؤال بقوة في الأيام الأخيرة، مع التمادي الإسرائيلي في كسر كلّ الخطوط الحمراء، وتجاوز كلّ الأعراف، سواء مع استهداف قوات حفظ السلام الأممية (اليونيفيل)، أو مع الضربات المتكرّرة للمسعفين وآليّاتهم، في خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني، ولكن أيضًا بعد المجزرة المروّعة في منطقتي النويري والبسطة، التي حاول البعض تصويرها على أنّها "محاولة اغتيال"، متبنّين بذلك السردية الإسرائيلية المضلّلة التي تحوّل المدنيّين إلى مجرّد "أضرار جانبية".
لكنّ "خطورة" استهداف العاصمة بيروت، الذي يُعَدّ "الأخطر" ولو كان الثالث من نوعه، بعد ضربتي الكولا والباشورة سابقًا، تكمن في أنه يضرب في العمق "هيبة الردع"، التي يعتقد كثيرون أنّها لعبت دورًا أساسيًا، بل جوهريًا، في "تحييد" العاصمة إلى حدّ بعيد عن الهجمات الإسرائيلية في حرب تموز 2006، خصوصًا بعدما أطلق الحزب معادلة "تل أبيب مقابل بيروت"، التي كرّسها على مدى السنوات اللاحقة، حتى أسابيع قليلة ماضية..
الهجوم "النوعي" الأعنف
بمعزل عمّا تقدّم، يبدو الأكيد أنّ مساء الأحد أتى "ثقيلاً" على الإسرائيليين، بعد ما وُصِف من إعلامهم بـ"الحدث الصعب"، الذي سرعان ما تبنّاه "حزب الله"، حين أعلن أنّ المقاومة الإسلامية نفّذت عملية إطلاق سرب من المسيّرات الانقضاضية على معسكر تدريب للواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا، وأدرجه في خانة سلسلة عمليات خيبر، وردًا على الاعتداءات الصهيونية، وخصوصًا في أحياء النويري والبسطة في العاصمة، وباقي المناطق اللبنانية.
لم يفصح الحزب في بيانه عن الكثير، ولم يتحدّث عن الإصابات التي تكبّدها العدو من العملية، كما يفعل في الكثير من البيانات حين يتحدّث عن إيقاع أفراد قوة من هنا أو هناك "بين قتيل وجرح"، ربما لأنّ الإعلام الإسرائيلي تولى المهمّة هذه المرّة، رغم الرقابة العسكرية الشديدة، التي لم تستطع حجب بعض المعلومات "الحسّاسة"، خصوصًا على مستوى قدرة الحزب على استخدام منظومة الدفاع الجوية، وضرب القاعدة العسكرية الإسرائيلية في حيفا.
لكن، أبعد من هذه القدرة، التي يعيدها الخبراء والمتخصّصون إلى النوع "المركّب" من الهجمات التي ينفذها الحزب، معتمدًا على ما يصنّف عسكريًا بتكتيك "الإشغال والإلهاء"، فإنّ ما لم يستطع الإسرائيليون حجبه أيضًا، هو "حجم" الهجوم، الذي عدّه العارفون والمطّلعون "الأعنف" على الإطلاق من الجبهة اللبنانية، وهو ما يُستدَلّ عليه أيضًا من عدد الإصابات الهائل الناتج عنه، والذي قد يكون الأكبر على الإطلاق منذ هجوم السابع من تشرين الأول 2023.
استعادة هيبة "الردع"
في بيان تبنّي عملية استهداف معسكر تدريب للواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا، أكّد "حزب الله" أنّ المقاومة الإسلامية ستبقى حاضرة وجاهزة للدفاع عن لبنان وشعبه الأبي والمظلوم، ولن تتوانى عن القيام بواجبها في "ردع العدو"، ولعلّ هذه العبارة بالتحديد تحمل بين طيّاتها "كلمة السرّ"، التي أراد الحزب من خلال ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وبالتالي توجيه أكثر من رسالة للعدو، وأولها أنّه لم يخسر توازن الردع، خلافًا لما يحاول العدو ترويجه.
من هنا، يقول العارفون إنّ الهدف الأول الذي سجّله الحزب في مرمى العدوّ من خلال هذا الهجوم، يتمثّل في استعادة "هيبة الردع" بشكل أو بآخر، فهو أراد القول إنّ الكثير من المعادلات التي اعتقد الإسرائيليون أنّها ولّت مع اغتيال كبار قادة الحزب، لا تزال ثابتة وحاضرة، وبالتالي أنّ المقاومة لا تزال قادرة على "إيلام العدو"، بضربات "نوعية"، تحرص على تسجيلها في بياناتها تحت عنوان "خيبر"، ولكن أيضًا بنداء "لبّيك يا نصر الله" المعبّر.
بهذا المعنى، ثمّة من يفهم هذا الهجوم على أنّه محاولة لردع العدو عن التمادي أكثر في اعتداءاته، وربما إنذار له بأنّ استهداف العاصمة بيروت لا يمكن أن يتحوّل إلى "روتين" كما جرى سابقًا مع استهداف الجنوب وحتى الضاحية، ولكن أبعد من ذلك، ثمّة من يقرأ الرسالة "الأهمّ" خلف الهجوم، في أنّ المقاومة لم تخسر أوراق قوتها، وإنّ الإسرائيلي يجب أن يعيد النظر باستراتيجيته إن كان يريد فعلاً إعادة المستوطنين إلى بيوتهم "بأمان"، كما يقول، لا تهجير المزيد منهم.
من يراقب مسار عمليات "حزب الله" في الأيام الماضية، يقرأ خلف سطورها "تكثيفًا غير مسبوق" لها في العدد، الذي بات يتخطى الثلاثين في اليوم الواحد، ولكن أيضًا في "النوعية"، مع التمييز بين مستويين ربما، سواء ما يندرج ضمن "الإسناد"، أو "خيبر". لعلّها إشارة ضمنية متأخّرة من الحزب بأنّ قواعد الاشتباك تغيّرت، وبأنّ الحرب التي كان يتجنّبها "فُرِضت عليها"، وحان الوقت ليثبت "جاهزيته" له، رغم كلّ الخسائر التي تكبّدها!