عادت الحياة إلى وسط العاصمة الفرنسية مع إعادة فتح أبواب كاتدرائية نوتردام في باريس، بعد 5 سنوات على إغلاقها إثر حريق هائل، لتكون إعادة بناء الكاتدرائية عملية إحياء للتراث الثقافي والروحي لأمة بأسرها.
ففي مراسم احتفالية ضخمة جرت أمس السبت بحضور نحو 50 رئيس دولة و170 أسقفاً من فرنسا وغيرها من دول العالم من بينهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي يشارك في القداس الأول اليوم، وبعدما قرع جرس "إيمانويل" التاريخي، افتتح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحفل بخطاب ألقاه في باحة الكنيسة.
وعلى وقع أنشودة المزمور 121، فتحت الأبواب أمام المدعوين، ودشّن الكاتدرائية أسقف باريس لوران أولريك محاطاً بأكثر من مئة راية تحمل ألوان أبرشيات العاصمة، والتي تمّ تصميمها من قبل الفنان والمصمم جان-شارل دي كاستلباجاك.
وكان لبنان حاضراً بقوّة في هذه المراسم الضخمة ليس فقط على الصعيد الديني، إذ أطلّت الفنانة هبة طوجي على مسرح الحفل، ورافقها عزفاً على البيانو الموسيقي الفنان أسامة الرحباني.
تاريخ الكاتدرائية
تتعدى أهمية كاتدرائية نوتردام في باريس كونها صرحاً دينياً ضخماً، إنما تشكّل بالفعل حجر الزاوية في تاريخ باريس المعماري والديني والثقافي، ولها مكانة مرموقة في التاريخ الأوروبي.
فقبل نحو 850 عاماً، بدأ بناء كاتدرائية نوتردام تحت إشراف الأسقف موريس دي سولاي. تم اختيار موقع الكاتدرائية في جزيرة المدينة (Île de la Cité) في نهر السين، وهو موقع تاريخي كان مركزًا دينيًا في باريس منذ العصور الرومانية، وتم تأسيس الأساسات على بقايا كنيسة قديمة.
كان الهدف من بناء الكاتدرائية أن تكون مركزًا دينيًا مهمًا في باريس، وكذلك لتكون شاهدة على قوة الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا، وبالتالي أن تكون واحدة من أعظم الكنائس في العالم.
تم تصميم الكاتدرائية على الطراز القوطي الجديد، وهو أسلوب معماري ظهر في فرنسا في تلك الفترة تميز باستخدام الأقواس المدببة والنوافذ الزجاجية الملونة و القباب العالية. كان هدف المعمار هو تصميم مكان يمكن أن يُظهر عظمة الله، وهو ما تم من خلال الارتفاع الكبير للكاتدرائية واستخدام النوافذ التي تمثل مشاهد دينية معقدة.
أكثر من 180 عامًا استغرقتها بناء الكاتدرائية. تم الانتهاء من بناء الهيكل الأساسي في عام 1250، ولكن الكاتدرائية استمرت في التوسع والتطوير حتى تم الانتهاء منها بالكامل في عام 1345.
محطات من الدمار
تعرضت كاتدرائية نوتردام لأضرار جمّة على مرّ التريخ.
وأولى هذه المحطات الأليمة كان عام 1793 خلال ذروة الثورة، قامت الحشود الغاضبة بتحطيم العديد من التماثيل الدينية والصليب، بل تحولت الكاتدرائية في وقت من الأوقات إلى مستودع للغنائم، وتم تدمير العديد من التماثيل الدينية، بما في ذلك تمثال القديس مارتن والقديس دينيس. كما تمت إزالة الأجراس و إلغاء العديد من الطقوس الدينية.
ثم في عام 1793، تم تحويل الكاتدرائية إلى معبد للعقلانية والتنوير، وهو مشروع ديني علماني يعكس أيديولوجية الثورة فجُرّدت من رموزها الدينية، وأُعيدت تسميتها "نوتردام دي لا ريزون"، أي سيدة العقل. ومع انتهاء الثورة، تم إعادة الكاتدرائية إلى كنيسة.
أما خلال الحرب العالمية الثانية، فلحقت بعض الأضرار بكاتدرائية نوتردام. ورغم تعرض باريس للعديد من الغارات الجوية، استمرت الكاتدرائية في أداء دورها الديني والثقافي.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، بدأ المهندس المعماري الفرنسي أوجين فيويليه لو ديو مشروعًا ضخمًا لإعادة ترميم الكاتدرائية.
وفي تاريخنا الحديث، وتحديداً في 15 نيسان 2019، إندلع حريق ضخم في الكاتدرائية مما أدى إلى انهيار البرج و السقف.
الحريق دمر أجزاء كبيرة من الكاتدرائية، ولكن تم إنقاذ الهيكل الرئيسي والأعمال الفنية الثمينة مثل النوافذ الوردية وبعض التماثيل.
حريق 2019
شكّل حريق نوتردام في 2019 حدثًا مأساويًا عمّ معه الحزن في أنحاء العالم نظراً لأهمية الكاتدرائية الدينية والتاريخية والثقافية.
بدأ الحريق عند الساعة 6:50 مساءً بتوقيت باريس في الطابق العلوي للكاتدرائية، حيث كانت أعمال الترميم جارية. وفقًا للمصادر الرسمية، يعتقد أن الحريق بدأ في أحد طوابق السقف، بالقرب من البرج، وهو ما كان يتسبب في انتشاره بسرعة عبر الهيكل الخشبي.
وتمكّن رجال الإطفاء من السيطرة على الحريق بعد ساعات عدة من المكافحة، ولكن خلال هذه الساعات، دُمِّر البرج (الفلِيش) تمامًا والذي كان يبلغ ارتفاعه 69 مترًا والذي صممه المهندس المعماري أوجين فيويليه لو ديو، وسقطت معظم أجزاء السقف الخشبي الذي كان يحتوي على أكثر من 1300 شجرة بلوط قديمة.
إنما على الرغم من الأضرار الجسيمة، تم إنقاذ الهيكل الرئيسي للكاتدرائية، بما في ذلك الجدران الحجرية، وبعض النوافذ الزجاجية المعروفة بالزهور الوردية. كما تم إنقاذ العديد من الأعمال الفنية والكنوز الدينية الموجودة داخل الكاتدرائية، مثل التماثيل المقدسة وبعض القطع الأثرية.
وقد انبعثت إثر الحريق كميات هائلة من غبار الرصاص السام في هواء باريس، مما استغرق أربعة أشهر لتنظيف الأرصفة المحيطة بالكاتدرائية.
إعادة الإعمار
ومن قلب الحزن والدمار، أوحت الوعود الناجحة بإتمام مشروع الترميم الضخم بالكثير من الأمل باستعادة الكاتدرائية مجدها التاريخي والديني.
ففي أعقاب الحريق، تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة بناء نوتردام في غضون خمس سنوات، حيث بدأ جمع الأموال من خلال التبرعات الخاصة والعامة.
وفي اليوم التالي للحريق، تم الإعلان عن خطة لترميم الكاتدرائية بالتعاون مع وزارة الثقافة الفرنسية والعديد من المهندسين المعماريين والمتخصصين في التراث، وأعلن العديد من الأفراد والمنظمات عن تبرعات كبيرة لتمويل أعمال الترميم، من بينها تبرعات من شخصيات بارزة مثل الملياردير الفرنسي فرانسوا هنري بينو (مالك مجموعة كيرينغ)، وكذلك من شركات دولية مثل L'Oréal و Total. وبلغ إجمالي التبرعات حوالي 850 مليون يورو.
وأحد أكبر التحديات في عملية الترميم كان إعادة بناء البرج والمناطق المتضررة من السقف الخشبي، فتم استخدام آلاف الأشجار من غابات فرنسا لإعادة بناء السقف الخشبي وفقًا للطريقة التقليدية التي كانت تُستخدم في العصور الوسطى، كما تمت إعادة ترميم العديد من التماثيل و الأعمال الفنية التي تم إنقاذها من الحريق.
كما شملت عملية الترميم تدعيم الهيكل الأساسي للكاتدرائية للتأكد من استقراره على المدى الطويل، فتم استخدام التقنيات الحديثة لتعزيز الأساسات وضمان الأمان الهيكلي في المستقبل.
وربّما الخطوة الأهم في عملية الترميم تعدّ توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لتشييد الكاتدرائية عبر رسم ثلاثي الأبعاد بهدف إعادة بناء هذه التحفة التاريخية للفن القوطي طبقا لشكلها الاساسي.
رواية عريقة ترويها هذه الكاتدرائية الساحرة التي أسرت الكثيرين. ولمن لم تسمح له الظروف بزيارتها، كانت له رواية "أحدب نوتردام" شبه بديل، تمكّن من خلال شخصياتها واحداثها من معاينة الكاتدرائية، ولو من بعيد.
Advertisement
وعلى وقع أنشودة المزمور 121، فتحت الأبواب أمام المدعوين، ودشّن الكاتدرائية أسقف باريس لوران أولريك محاطاً بأكثر من مئة راية تحمل ألوان أبرشيات العاصمة، والتي تمّ تصميمها من قبل الفنان والمصمم جان-شارل دي كاستلباجاك.
وكان لبنان حاضراً بقوّة في هذه المراسم الضخمة ليس فقط على الصعيد الديني، إذ أطلّت الفنانة هبة طوجي على مسرح الحفل، ورافقها عزفاً على البيانو الموسيقي الفنان أسامة الرحباني.
تاريخ الكاتدرائية
تتعدى أهمية كاتدرائية نوتردام في باريس كونها صرحاً دينياً ضخماً، إنما تشكّل بالفعل حجر الزاوية في تاريخ باريس المعماري والديني والثقافي، ولها مكانة مرموقة في التاريخ الأوروبي.
فقبل نحو 850 عاماً، بدأ بناء كاتدرائية نوتردام تحت إشراف الأسقف موريس دي سولاي. تم اختيار موقع الكاتدرائية في جزيرة المدينة (Île de la Cité) في نهر السين، وهو موقع تاريخي كان مركزًا دينيًا في باريس منذ العصور الرومانية، وتم تأسيس الأساسات على بقايا كنيسة قديمة.
كان الهدف من بناء الكاتدرائية أن تكون مركزًا دينيًا مهمًا في باريس، وكذلك لتكون شاهدة على قوة الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا، وبالتالي أن تكون واحدة من أعظم الكنائس في العالم.
تم تصميم الكاتدرائية على الطراز القوطي الجديد، وهو أسلوب معماري ظهر في فرنسا في تلك الفترة تميز باستخدام الأقواس المدببة والنوافذ الزجاجية الملونة و القباب العالية. كان هدف المعمار هو تصميم مكان يمكن أن يُظهر عظمة الله، وهو ما تم من خلال الارتفاع الكبير للكاتدرائية واستخدام النوافذ التي تمثل مشاهد دينية معقدة.
أكثر من 180 عامًا استغرقتها بناء الكاتدرائية. تم الانتهاء من بناء الهيكل الأساسي في عام 1250، ولكن الكاتدرائية استمرت في التوسع والتطوير حتى تم الانتهاء منها بالكامل في عام 1345.
محطات من الدمار
تعرضت كاتدرائية نوتردام لأضرار جمّة على مرّ التريخ.
وأولى هذه المحطات الأليمة كان عام 1793 خلال ذروة الثورة، قامت الحشود الغاضبة بتحطيم العديد من التماثيل الدينية والصليب، بل تحولت الكاتدرائية في وقت من الأوقات إلى مستودع للغنائم، وتم تدمير العديد من التماثيل الدينية، بما في ذلك تمثال القديس مارتن والقديس دينيس. كما تمت إزالة الأجراس و إلغاء العديد من الطقوس الدينية.
ثم في عام 1793، تم تحويل الكاتدرائية إلى معبد للعقلانية والتنوير، وهو مشروع ديني علماني يعكس أيديولوجية الثورة فجُرّدت من رموزها الدينية، وأُعيدت تسميتها "نوتردام دي لا ريزون"، أي سيدة العقل. ومع انتهاء الثورة، تم إعادة الكاتدرائية إلى كنيسة.
أما خلال الحرب العالمية الثانية، فلحقت بعض الأضرار بكاتدرائية نوتردام. ورغم تعرض باريس للعديد من الغارات الجوية، استمرت الكاتدرائية في أداء دورها الديني والثقافي.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، بدأ المهندس المعماري الفرنسي أوجين فيويليه لو ديو مشروعًا ضخمًا لإعادة ترميم الكاتدرائية.
وفي تاريخنا الحديث، وتحديداً في 15 نيسان 2019، إندلع حريق ضخم في الكاتدرائية مما أدى إلى انهيار البرج و السقف.
الحريق دمر أجزاء كبيرة من الكاتدرائية، ولكن تم إنقاذ الهيكل الرئيسي والأعمال الفنية الثمينة مثل النوافذ الوردية وبعض التماثيل.
حريق 2019
شكّل حريق نوتردام في 2019 حدثًا مأساويًا عمّ معه الحزن في أنحاء العالم نظراً لأهمية الكاتدرائية الدينية والتاريخية والثقافية.
بدأ الحريق عند الساعة 6:50 مساءً بتوقيت باريس في الطابق العلوي للكاتدرائية، حيث كانت أعمال الترميم جارية. وفقًا للمصادر الرسمية، يعتقد أن الحريق بدأ في أحد طوابق السقف، بالقرب من البرج، وهو ما كان يتسبب في انتشاره بسرعة عبر الهيكل الخشبي.
وتمكّن رجال الإطفاء من السيطرة على الحريق بعد ساعات عدة من المكافحة، ولكن خلال هذه الساعات، دُمِّر البرج (الفلِيش) تمامًا والذي كان يبلغ ارتفاعه 69 مترًا والذي صممه المهندس المعماري أوجين فيويليه لو ديو، وسقطت معظم أجزاء السقف الخشبي الذي كان يحتوي على أكثر من 1300 شجرة بلوط قديمة.
إنما على الرغم من الأضرار الجسيمة، تم إنقاذ الهيكل الرئيسي للكاتدرائية، بما في ذلك الجدران الحجرية، وبعض النوافذ الزجاجية المعروفة بالزهور الوردية. كما تم إنقاذ العديد من الأعمال الفنية والكنوز الدينية الموجودة داخل الكاتدرائية، مثل التماثيل المقدسة وبعض القطع الأثرية.
وقد انبعثت إثر الحريق كميات هائلة من غبار الرصاص السام في هواء باريس، مما استغرق أربعة أشهر لتنظيف الأرصفة المحيطة بالكاتدرائية.
إعادة الإعمار
ومن قلب الحزن والدمار، أوحت الوعود الناجحة بإتمام مشروع الترميم الضخم بالكثير من الأمل باستعادة الكاتدرائية مجدها التاريخي والديني.
ففي أعقاب الحريق، تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة بناء نوتردام في غضون خمس سنوات، حيث بدأ جمع الأموال من خلال التبرعات الخاصة والعامة.
وفي اليوم التالي للحريق، تم الإعلان عن خطة لترميم الكاتدرائية بالتعاون مع وزارة الثقافة الفرنسية والعديد من المهندسين المعماريين والمتخصصين في التراث، وأعلن العديد من الأفراد والمنظمات عن تبرعات كبيرة لتمويل أعمال الترميم، من بينها تبرعات من شخصيات بارزة مثل الملياردير الفرنسي فرانسوا هنري بينو (مالك مجموعة كيرينغ)، وكذلك من شركات دولية مثل L'Oréal و Total. وبلغ إجمالي التبرعات حوالي 850 مليون يورو.
وأحد أكبر التحديات في عملية الترميم كان إعادة بناء البرج والمناطق المتضررة من السقف الخشبي، فتم استخدام آلاف الأشجار من غابات فرنسا لإعادة بناء السقف الخشبي وفقًا للطريقة التقليدية التي كانت تُستخدم في العصور الوسطى، كما تمت إعادة ترميم العديد من التماثيل و الأعمال الفنية التي تم إنقاذها من الحريق.
كما شملت عملية الترميم تدعيم الهيكل الأساسي للكاتدرائية للتأكد من استقراره على المدى الطويل، فتم استخدام التقنيات الحديثة لتعزيز الأساسات وضمان الأمان الهيكلي في المستقبل.
وربّما الخطوة الأهم في عملية الترميم تعدّ توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لتشييد الكاتدرائية عبر رسم ثلاثي الأبعاد بهدف إعادة بناء هذه التحفة التاريخية للفن القوطي طبقا لشكلها الاساسي.
رواية عريقة ترويها هذه الكاتدرائية الساحرة التي أسرت الكثيرين. ولمن لم تسمح له الظروف بزيارتها، كانت له رواية "أحدب نوتردام" شبه بديل، تمكّن من خلال شخصياتها واحداثها من معاينة الكاتدرائية، ولو من بعيد.