أخيرًا، بعد طول انتظار، سرى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله"، ليضع حدًا لحرب همجية وحشية استهدفت لبنان بأسره، على مدى أكثر من شهرين، ولكن أيضًا لمناوشات واشتباكات استمرّت منذ فتح الحزب ما أسماها بـ "جبهة الإسناد" في الثامن من تشرين الأول 2023، دعمًا للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ليس خافيًا على أحد أنّ كلفتها كانت باهظة على المستوى البشري، ولكن أيضًا اقتصاديًا واجتماعيًا.
ومع سريان اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تنفّس معه الكثير من اللبنانيين الصعداء، وقد انتظروه على أحرّ من الجمر، فُتِح النقاش على مصراعيه حول موازين الربح والخسارة، بل حول مفهوم "الانتصار" بصفة عامة، في ظلّ ترويج كلّ طرف لـ "هزيمة الخصم" بنتيجة المجريات الميدانية، إذ إنّ إسرائيل ادّعت أنّ "حزب الله" انتهى عسكريًا بصورة أو بأخرى، فيما رأى الحزب أنّ صموده شكّل "هزيمة" لإسرائيل، التي عجزت عن تحقيق أيّ من أهدافها.
وبين وجهتي النظر المتباينتين، بل المتناقضتين، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، حول نتائج الحرب وتبعاتها، فمن ربح وخسر عمليًا، بالأرقام والنقاط؟ هل ألحقت إسرائيل فعلاً "الهزيمة" بـ "حزب الله"، ولا سيما أنّها كبّدته ضربات قاسية ومؤلمة، من بينها خسارة أمينه العام السيد حسن نصر الله، أم أنّ "حزب الله" هو الذي انتصر في نهاية المطاف، بدليل صموده وبقائه في وجه المخططات الإسرائيلية التي كانت تتوخى القضاء عليه بالمُطلَق؟!
إسرائيل "هُزِمت"؟
في المبدأ، يؤكد العارفون أنّ الحديث عن "انتصار" إسرائيل في الحرب على لبنان لا يبدو مستقيمًا ولا واقعيًا، على الرغم من أنّ أحدًا لا يستطيع نكران نجاحها في تحقيق ضربات "نوعية"، خصوصًا في المرحلة الأولى من الحرب، ولا سيما مع الاغتيالات "الدقيقة" التي نفذتها في صفوف كبار قادة الحزب، ومن بينهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، الرجل الاستثنائيّ الذي لا يزال اغتياله عصيًا على استيعاب الكثيرين حتى اليوم.
لكن، أبعد من هذه الضربات النوعية، التي اعترف "حزب الله" نفسه بأنّها كانت قاسية ومؤلمة، وقد تركت تأثيرها العميق عليه، ولو قال إنّه تجاوزها في وقت لاحق، ثمّة من يرى أنّ إسرائيل عجزت عن ترجمة هذه "الإنجازات العسكرية" على أرض الواقع، أو حتى على المستوى السياسي، خصوصًا مع تراجع "الزخم" في المرحلة الأخيرة، التي تحوّلت معها الضربات "الدقيقة" إلى "عشوائية" بأتمّ معنى الكلمة، خسر معها الكثير من نقاط القوة.
وعلى أهمية الضربات التي تكبّدها "حزب الله"، يقول العارفون إنّ الأهمّ في تحديد موازين الربح والخسارة، يبقى مقارنتها مع الأهداف المُعلَنة والمتوخّاة، وهو ما لا يصبّ لصالح الحديث عن "انتصار" إسرائيل، التي عجزت عن تحقيق الأهداف التي أرادتها من الحرب، سواء لجهة القضاء على القدرة الصاروخية للحزب، الذي بقي حتى اللحظة الأخيرة قادرًا على تنفيذ العمليات، أو حتى لجهة إعادة المستوطنين "بالقوة" إلى بيوتهم، وهو ما لم يحصل.
ماذا عن "حزب الله"؟
استنادًا إلى ما تقدّم، يقول العارفون إنّ الحديث عن انتصار "حزب الله" في الحرب لا يبدو شديد الواقعية، بدليل الانتقادات التي اصطدم بها اتفاق وقف إطلاق النار في الداخل الإسرائيلي، حيث خرج من يصفه بـ "الاستسلامي"، ومن يعتبر أنّه "يفوّت فرصة تاريخية" لضرب "حزب الله" وربما القضاء عليه، ما اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى محاولة "التعويض" عبر الحديث عن "حرية حركة" كانت قد شُطِبت من الاتفاق تفاديًا لنسفه.
لكن، هل يعني ذلك أنّ "حزب الله" في المقابل انتصر في المعركة، بكلّ ما للكلمة من معنى؟ هنا، تتفاوت وجهات النظر، فهناك من يرى بين المحسوبين على الحزب، أنّ "الانتصار" قد تحقّق بالمعنى العسكري، فصمود الحزب الأسطوري على الرغم من كلّ الضربات التي تكبّدها، يكاد يكون "معجزة"، وهو أحبط بالتالي كلّ المخططات الإسرائيلية، بدليل أنّ يد الحزب بقيت على الزناد حتى اللحظة الأخيرة من الحرب، وهو ما لم يكن يتوقعه العدوّ.
لكن، إذا كان صحيحًا أنّ الحزب عطّل أهداف العدو، وأنّ الأخير عجز عن تحقيق ما أعلنه، إلا أنّ هناك من يعتبر أنّ الحزب أيضًا لا يُعَدّ "منتصرًا"، وقد اضطر إلى التراجع عن الكثير من المعادلات التي أطلقها، فهو خضع في النهاية لمبدأ "فصل الجبهات" مثلاً، بعدما كان شرطه لأي نقاش بالتسوية وقف الحرب على غزة في المقام الأول، وهو أيضًا قبل بالتراجع إلى شمال الليطاني، ولو تحت سقف القرار 1701، الذي قبل به أساسًا في العام 2006.
صحيح أنّ حديث "الغالب والمغلوب" يهيمن دائمًا على مقاربة كلّ الحروب، إلا أنّ الصحيح أيضًا بحسب ما يقول كثيرون إنّ هذه الحرب تحديدًا لم تفرز "غالبًا ومغلوبًا" بالمعنى الحرفي والتقليدي، فإسرائيل لم تنتصر، وقد عجزت عن تحقيق أهدافها العسكرية المُعلَنة، وبالمعنى نفسه، فإنّ الحديث عن "نصر حاسم" لـ "حزب الله" قد لا يكون دقيقًا، بل إنّ هناك من يسأل عن معنى "النصر" بغياب قائد المقاومة السيد الشهيد حسن نصر الله!
Advertisement
ومع سريان اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تنفّس معه الكثير من اللبنانيين الصعداء، وقد انتظروه على أحرّ من الجمر، فُتِح النقاش على مصراعيه حول موازين الربح والخسارة، بل حول مفهوم "الانتصار" بصفة عامة، في ظلّ ترويج كلّ طرف لـ "هزيمة الخصم" بنتيجة المجريات الميدانية، إذ إنّ إسرائيل ادّعت أنّ "حزب الله" انتهى عسكريًا بصورة أو بأخرى، فيما رأى الحزب أنّ صموده شكّل "هزيمة" لإسرائيل، التي عجزت عن تحقيق أيّ من أهدافها.
وبين وجهتي النظر المتباينتين، بل المتناقضتين، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، حول نتائج الحرب وتبعاتها، فمن ربح وخسر عمليًا، بالأرقام والنقاط؟ هل ألحقت إسرائيل فعلاً "الهزيمة" بـ "حزب الله"، ولا سيما أنّها كبّدته ضربات قاسية ومؤلمة، من بينها خسارة أمينه العام السيد حسن نصر الله، أم أنّ "حزب الله" هو الذي انتصر في نهاية المطاف، بدليل صموده وبقائه في وجه المخططات الإسرائيلية التي كانت تتوخى القضاء عليه بالمُطلَق؟!
إسرائيل "هُزِمت"؟
في المبدأ، يؤكد العارفون أنّ الحديث عن "انتصار" إسرائيل في الحرب على لبنان لا يبدو مستقيمًا ولا واقعيًا، على الرغم من أنّ أحدًا لا يستطيع نكران نجاحها في تحقيق ضربات "نوعية"، خصوصًا في المرحلة الأولى من الحرب، ولا سيما مع الاغتيالات "الدقيقة" التي نفذتها في صفوف كبار قادة الحزب، ومن بينهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، الرجل الاستثنائيّ الذي لا يزال اغتياله عصيًا على استيعاب الكثيرين حتى اليوم.
لكن، أبعد من هذه الضربات النوعية، التي اعترف "حزب الله" نفسه بأنّها كانت قاسية ومؤلمة، وقد تركت تأثيرها العميق عليه، ولو قال إنّه تجاوزها في وقت لاحق، ثمّة من يرى أنّ إسرائيل عجزت عن ترجمة هذه "الإنجازات العسكرية" على أرض الواقع، أو حتى على المستوى السياسي، خصوصًا مع تراجع "الزخم" في المرحلة الأخيرة، التي تحوّلت معها الضربات "الدقيقة" إلى "عشوائية" بأتمّ معنى الكلمة، خسر معها الكثير من نقاط القوة.
وعلى أهمية الضربات التي تكبّدها "حزب الله"، يقول العارفون إنّ الأهمّ في تحديد موازين الربح والخسارة، يبقى مقارنتها مع الأهداف المُعلَنة والمتوخّاة، وهو ما لا يصبّ لصالح الحديث عن "انتصار" إسرائيل، التي عجزت عن تحقيق الأهداف التي أرادتها من الحرب، سواء لجهة القضاء على القدرة الصاروخية للحزب، الذي بقي حتى اللحظة الأخيرة قادرًا على تنفيذ العمليات، أو حتى لجهة إعادة المستوطنين "بالقوة" إلى بيوتهم، وهو ما لم يحصل.
ماذا عن "حزب الله"؟
استنادًا إلى ما تقدّم، يقول العارفون إنّ الحديث عن انتصار "حزب الله" في الحرب لا يبدو شديد الواقعية، بدليل الانتقادات التي اصطدم بها اتفاق وقف إطلاق النار في الداخل الإسرائيلي، حيث خرج من يصفه بـ "الاستسلامي"، ومن يعتبر أنّه "يفوّت فرصة تاريخية" لضرب "حزب الله" وربما القضاء عليه، ما اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى محاولة "التعويض" عبر الحديث عن "حرية حركة" كانت قد شُطِبت من الاتفاق تفاديًا لنسفه.
لكن، هل يعني ذلك أنّ "حزب الله" في المقابل انتصر في المعركة، بكلّ ما للكلمة من معنى؟ هنا، تتفاوت وجهات النظر، فهناك من يرى بين المحسوبين على الحزب، أنّ "الانتصار" قد تحقّق بالمعنى العسكري، فصمود الحزب الأسطوري على الرغم من كلّ الضربات التي تكبّدها، يكاد يكون "معجزة"، وهو أحبط بالتالي كلّ المخططات الإسرائيلية، بدليل أنّ يد الحزب بقيت على الزناد حتى اللحظة الأخيرة من الحرب، وهو ما لم يكن يتوقعه العدوّ.
لكن، إذا كان صحيحًا أنّ الحزب عطّل أهداف العدو، وأنّ الأخير عجز عن تحقيق ما أعلنه، إلا أنّ هناك من يعتبر أنّ الحزب أيضًا لا يُعَدّ "منتصرًا"، وقد اضطر إلى التراجع عن الكثير من المعادلات التي أطلقها، فهو خضع في النهاية لمبدأ "فصل الجبهات" مثلاً، بعدما كان شرطه لأي نقاش بالتسوية وقف الحرب على غزة في المقام الأول، وهو أيضًا قبل بالتراجع إلى شمال الليطاني، ولو تحت سقف القرار 1701، الذي قبل به أساسًا في العام 2006.
صحيح أنّ حديث "الغالب والمغلوب" يهيمن دائمًا على مقاربة كلّ الحروب، إلا أنّ الصحيح أيضًا بحسب ما يقول كثيرون إنّ هذه الحرب تحديدًا لم تفرز "غالبًا ومغلوبًا" بالمعنى الحرفي والتقليدي، فإسرائيل لم تنتصر، وقد عجزت عن تحقيق أهدافها العسكرية المُعلَنة، وبالمعنى نفسه، فإنّ الحديث عن "نصر حاسم" لـ "حزب الله" قد لا يكون دقيقًا، بل إنّ هناك من يسأل عن معنى "النصر" بغياب قائد المقاومة السيد الشهيد حسن نصر الله!