هل ستكون حرب الستين يومًا آخر الحروب؟

ما شهدناه من ردّة فعل النازحين في مراكز الإيواء عندما أُعلن التوصّل إلى اتفاق على وقف النار قد يفوق برمزيته أي مشهد آخر. فبمجرد أن وصل إلى مسامع هؤلاء المبعدين عن بيوتهم وقراهم وأرزاقهم الانباء الأولية عن قرب انتهاء الحرب حتى عمّت الفرحة وعلت الزغاريد وأقيمت حلقات الدبكة. وإن دّلت ردّة الفعل العفوية لدى هذه الفئة من اللبنانيين على شيء فعلى رفضهم الضمني لهذه الحرب، التي قتلت من قتلت وهجّرت من هجّرت ودمّرت ما دمّرت. وهذا الرفض المعبَّر عنه بالزغاريد والرقص ليس سوى بداية النهاية على رغم معرفة هؤلاء المغلوب على أمرهم بأنهم عندما سيعودون إلى قراهم لن يتمكنوا من معرفة أين كان مكان منزلهم بالضبط. وهذا ما خبره جميع اللبنانيين الذين تهجّروا من قراهم، سواء في "حرب الجبل" أو في حرب تموز. فالعودة ستكون ناقصة ومنغصّة. ولكن وعلى رغم هذه "النغصة" فإن هؤلاء النازحين عازمون على العودة وما تشهده طرقات العودة من الازدحام خير دليل على ذلك.

Advertisement


لا يحسب هؤلاء العائدون إلى قراهم ومنازلهم المهدّمة أي حساب لما ينتظرهم من مشاهد سبق لهم أن شاهدوها عندما عادوا إليها بعد انتهاء حرب تموز. فما تهدّم سيعاد بناؤه. وفي الانتظار يفضّل هؤلاء نصب خيمة على أنقاض منازلهم بدلًا من أي مكان إيواء آخر، من دون أن ينسوا ما قُدّم لهم في هذه المراكز من محبة ومما يحتاج إليه المرء من أساسيات العيش، ولو بحدّها الأدنى. وعلى هذا الأساس التضامني يمكن إعادة التأسيس لمرحلة ما بعد الحرب. فما ينتظر اللبنانيين من حلول ممكنة ومتاحة أكثر بكثير مما هو متوقع. وإذا أراد المرء تعداد ما يجب القيام به في اليوم التالي فلن يتمّكن من إتمام هذه المهمة في وقت قصير.

فبداية البدايات ستكون حتمًا بانتشار الجيش حيث كان يجب أن يكون قبل حرب الاسناد وقبل الحرب الإسرائيلية التدميرية. وهذا الانتشار لن يكون صوريًا كما يحاول البعض تصوير الأمر، بل ستكون له مفاعيل ونتائج تفوق التوقعات والآمال. وهذا الدور المعَدّ للجيش مفصلي من حيث تلازمه مع موقف سياسي جامع ومتوافق عليه، باعتبار أن للمؤسسة العسكرية كامل الثقة بإمكانية بسط سلطة الدولة على كامل التراب الجنوبي وإعادة الهدوء إلى هذا الجزء من الوطن، الذي يحتاج اليوم إلى الاستقرار أكثر من أجزاء الوطن الأخرى.
أمّا ثاني البدايات فستكون بسحب "حزب الله" سلاحه الثقيل إلى شمال الليطاني، بالتزامن مع انسحاب إسرائيلي من القرى التي دخل إليها، وذلك في انتظار اكتمال مشهدية عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم في انتظار بدء ورشة إعادة الاعمار. وهذه الورشة تتطلب أولًا تدّفق المساعدات من الدول الشقيقة والصديقة، باعتبار أن كلفة إعادة الاعمار تفوق قدرة الدولة وامكاناتها المحدودة، مع مراعاة وضعية أصحاب هذه المنازل المهدّمة من الناحيتين النفسية والاجتماعية.

هذه الحرب كانت أكثر من قاسية، ولكنها انتهت وعسى أن تكون الأخيرة. فاللبنانيون الذين كوتهم هذه الحرب واستشهد منهم من استشهد، ودُمرّت منازل الكثيرين في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، لم يعودوا قادرين على تحمّل المزيد من الكوارث والمآسي والويلات، وهم يتوقون إلى أن يعيشوا حياة طبيعية ومستقرّة من دون أن يكونوا عرضة للتجارب الموسمية. الامتحان صعب، خصوصًا أن ما ينتظر اللبنانيين من استحقاقات اليوم التالي أشدّ صعوبة مما يمكن تصوّره. فهل ستكون حرب الستين يومًا آخر الحروب؟     

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أيمن الرقب: وقف الحرب في لبنان قد تكون حيلة لتجريد حزب الله من السلاح
التالى فيلم "الهوى سلطان" يحصد أكثر من 57 ألف خلال 21 يوم