Advertisement
لا يحسب هؤلاء العائدون إلى قراهم ومنازلهم المهدّمة أي حساب لما ينتظرهم من مشاهد سبق لهم أن شاهدوها عندما عادوا إليها بعد انتهاء حرب تموز. فما تهدّم سيعاد بناؤه. وفي الانتظار يفضّل هؤلاء نصب خيمة على أنقاض منازلهم بدلًا من أي مكان إيواء آخر، من دون أن ينسوا ما قُدّم لهم في هذه المراكز من محبة ومما يحتاج إليه المرء من أساسيات العيش، ولو بحدّها الأدنى. وعلى هذا الأساس التضامني يمكن إعادة التأسيس لمرحلة ما بعد الحرب. فما ينتظر اللبنانيين من حلول ممكنة ومتاحة أكثر بكثير مما هو متوقع. وإذا أراد المرء تعداد ما يجب القيام به في اليوم التالي فلن يتمّكن من إتمام هذه المهمة في وقت قصير.
فبداية البدايات ستكون حتمًا بانتشار الجيش حيث كان يجب أن يكون قبل حرب الاسناد وقبل الحرب الإسرائيلية التدميرية. وهذا الانتشار لن يكون صوريًا كما يحاول البعض تصوير الأمر، بل ستكون له مفاعيل ونتائج تفوق التوقعات والآمال. وهذا الدور المعَدّ للجيش مفصلي من حيث تلازمه مع موقف سياسي جامع ومتوافق عليه، باعتبار أن للمؤسسة العسكرية كامل الثقة بإمكانية بسط سلطة الدولة على كامل التراب الجنوبي وإعادة الهدوء إلى هذا الجزء من الوطن، الذي يحتاج اليوم إلى الاستقرار أكثر من أجزاء الوطن الأخرى.
أمّا ثاني البدايات فستكون بسحب "حزب الله" سلاحه الثقيل إلى شمال الليطاني، بالتزامن مع انسحاب إسرائيلي من القرى التي دخل إليها، وذلك في انتظار اكتمال مشهدية عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم في انتظار بدء ورشة إعادة الاعمار. وهذه الورشة تتطلب أولًا تدّفق المساعدات من الدول الشقيقة والصديقة، باعتبار أن كلفة إعادة الاعمار تفوق قدرة الدولة وامكاناتها المحدودة، مع مراعاة وضعية أصحاب هذه المنازل المهدّمة من الناحيتين النفسية والاجتماعية.
هذه الحرب كانت أكثر من قاسية، ولكنها انتهت وعسى أن تكون الأخيرة. فاللبنانيون الذين كوتهم هذه الحرب واستشهد منهم من استشهد، ودُمرّت منازل الكثيرين في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، لم يعودوا قادرين على تحمّل المزيد من الكوارث والمآسي والويلات، وهم يتوقون إلى أن يعيشوا حياة طبيعية ومستقرّة من دون أن يكونوا عرضة للتجارب الموسمية. الامتحان صعب، خصوصًا أن ما ينتظر اللبنانيين من استحقاقات اليوم التالي أشدّ صعوبة مما يمكن تصوّره. فهل ستكون حرب الستين يومًا آخر الحروب؟