حكايات القوادم | شيخ العرب همام.. آخر ملوك الصعيد

حكايات القوادم | شيخ العرب همام.. آخر ملوك الصعيد
حكايات
      القوادم
      |
      شيخ
      العرب
      همام..
      آخر
      ملوك
      الصعيد

آثار موضوع «المطاعنة» الذى نشرناه فى هذه المساحة من فترة قريبة الكثير من ردود الأفعال، وفوجئنا بسيل من الإشادة والآراء المشجعة على تخصيص مساحة أخرى لإضافة معلومات جديدة عن تاريخ هذه البقعة الأصيلة من جنوب مصر.

كما أردنا التركيز أكثر على أسباب ملازمة شيخ العرب همام لهذه المنطقة قبيل وفاته، وما تواتر إلينا من ظروف رحيله، وأين بالتحديد يقع مدفنه.

كنا قولنا إن أبناء «المطاعنة» يتميزون بخفة الدم كما جاءتنا الكثير من الأدلة على أنهم برعوا منذ وجودهم فى النكتة، وما يطلق عليه اصطلاحا «قصف الجبهة» وهذا يعنى أن المتحدث يملك براعة الرد السريع والقاطع والمتميز بالسخرية فلا يترك مجالا لمحدثه ويفحمه إفحاما شديدا، بغض النظر عن العلاقة التى تربط بينهما، فمن الممكن أن يحدث هذا بين ولد وأبيه مثلا وهو ما توضحه هذه القصة..

إذ تقول: كان هناك ولد يربى الكثير من الماعز فوق بيتهم المبنى المرتفع.. فجاء ذات مرة لأبيه وقال له: «أنا هسافر وأرجع وخللى بالك م المعيز..» فسافر الولد فعليا لبلد، وفى اليوم اللاحق لسفره، قفز أحد جديانه من فوق البيت فتكسرت أقدامه..فقام الأب ليعجله بالسكين وذبحه وأكله هو وباقى البيت..ولما رجع الولد بعد فترة فأراد أن يطمئن على ثروته، فوجد جديا غائبًا، فسأل والده عن الأمر فقال له الأخير: «وقع من فوق وأكلناه».. فقال الولد: أنت تعلم أنى أحب أكل المخ، فكان لا بد أن تتركه لى لأتناوله، فرد عليه والده: «يا ولدى لو الجدى فيه مخ كان نط من الدور التالت؟».

هذا بالنسبة للنكتة أما فيما يتعلق بوجود شيخ العرب همام فهناك عدودة شهيرة قيلت خصيصا عنه، والعدودة يقولها النساء هناك لنعى الفقيد، وتقول العدودة:

«يابرج عالى كنا نضللوا تحتيه.. لما وقع فر الحمام منيه»

هذا مطلع عدودة نظمتها نساء المطاعنة وتم تريددها فى جنازة همام شيخ العرب.. وخرجت جنازة همام من منزله الكائن بمنفاه بالكوم الشرقى بكيمان المطاعنة وكان يقام بالقرب من دبة آل حرير وآل كراع، ولا يزال بقايا خدمه وحشمه موجودين فى إحدى عزب كيمان المطاعنة..

وكان شيخ العرب وآخر ملوك الصعيد قد فر من حدود مملكته فى قنا إلى أقاصى الجنوب بعد هزيمته على يد جيش المماليك بقيادة على بك الكبير، فاضطر للفرار ناحية إسنا، وهناك وجد حفاوة الاستقبال من أهل المطاعنة فاستضافوه بينهم، وهيئوا له الحياة التى تعود عليها، فظل معهم أمدًا كبيرًا إلى أن وافته المنية.

حكايات القوادم

ويتردد أنه عندما مات همام طلب أهل المطاعنة من ذويه أن يدفن بينهم، لكن أهله وأقاربه الذين كانوا معه قالوا إنه عظيم بلاد الصعيد ولا بد أن يدفن فى مسقط رأسه وبالفعل غسلوه المطاعنة وسكبوا عليه العطر ماء الورد وكفنوه فى ثوبين حرير أخميمى وخرجت جنازته من المطاعنة وركبت النيل فاصطف الناس على ضفتى نهر النيل من المطاعنة حتى فرشوط لكن المماليك قطعوا عليهم الطريق، وكانوا فى عز بأسهم، ورفضوا أن يدفن فى مسقط رأسه وكان قد وصل إلى جنوب قنا فحاول المطاعنة العودة بالجثمان لكن كانت العودة ستستغرق يوم ونصف اليوم وهو ما يعنى ضياع يومين فرأى الناس أن إكرام الميت دفنه وطلب أحد أصدقائه هو الشيخ محمد الجالس الكبير أن يدفن لديهم وبالفعل شاء عناية الله أن يدفن فى نجع الجالس بالغرب قامولا وهو أحد مراكز محافظة الأقصر حاليا وتقع غرب النيل.

وشيخ العرب همام هو همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام ابن أبو صبيح سبيه الملقب بشيخ العرب همام ولد عام١١٢١ هـ / ١٧٠٩ م فى فرشوط محافظة قنا وتوفى عام ١١٨٣ هـ / ٧ ديسمبر ١٧٦٩ م، من أشهر شخصيات الصعيد، وهو الابن البكر للشيخ يوسف زعيم قبائل الهوارة التى استقرت فى صعيد مصر وتمتعت بقدر كبير من الثروة والنفوذ وسيطر شيوخها على مقاليد الأمور فى الصعيد. تولى الشيخ همام الحكم بعد وفاة والده يوسف عام ١٧٦٧م ولم يمض قدمًا فى توسيع ومد سلطانه على كافة أقاليم الصعيد، من المنيا إلى أسوان.. حيث ما إن شرع فى ذلك حتى واجه حرب المماليك التى كانت تمسك مقاليد الحكم فى مصر آنذاك، ورفضوا تماما كل المحاولات للخروج عليهم، والاستئثار بحكم منطقة ما فى مصر ولو كانت فى أقاصى الصعيد.

وقام شيخ العرب همام حينها بتأسيس شبه دولة فأنشا الدواوين لإدارة شئون الأراضى الواقعة تحت سيطرته ولرعاية العاملين عليها وشكل قوة عسكرية من الهوارة والعرب ومن المماليك الفارين من حكم على بك الكبير فدقت أبواق الحرب بين دولة فى الجنوب يرأسها همام ولد يوسف أحمد الهوارى ودولة أخرى فى الشمال يرأسها على بك الكبير الذى كان حليفا للروس وكان يعدهم بأن يدخلوا مصر على جثه همام (أمير الصعيد) فأمدوه بأكثر الأسلحة تطورا فى هذا الوقت فبعث همام (شيخ العرب) جيشا كبيرا جمع فيه عدة جيوش من الصعيد ومن هوارة وعلى رأسهم (إسماعيل الهوارى) ابن عم الشيخ همام وزوج أخته وخال أولاده اختاره همام ليكون قائدا للجيش وبدأت الحرب وكانت الغلبة من نصيب أهل الصعيد وهوارة فى البداية ولكن بسبب مكر المماليك استطاعوا أن يخدعوا إسماعيل الهوارى ويجعلوه يخون ابن عمه وانتصر المماليك بسبب الخيانة ودخلوا فرشوط وجعلوها كوما من الرماد فاتجه همام إلى النوبة ليبنى جيشا آخر من الصعيد ولكنه لم يستطع بسبب الموت فتوفى فى الطريق.

ويرجع أصل كل الهمامية إلى جدهم همام بن ماضى (الملقب سيبيك) بن أحمد بن عياش بن بحير، المغربى نسبة لحكمه إقليم برقة بليبيا وتونس، حكم فيها على قبائل شمال إفريقيا ومنهم الهوارة والبربر وغيرهم، الحسيني، وقدم من المغرب الأدنى فى ١٥١٧م ليتولى إمارة الصعيد بعد انقضاء عهد أمراء بنى عمر بن عبد العزيز الهوارى البندارى، وتوالت الإمارة فى بنى همام وصولا لهمام بن يوسف بن أحمد بن محمد همام أبو صبيح همام بن ماضى (الملقب سيبيك) بن أحمد بن عياش بن بحير.

ورغم دفن جثمان همام فى منطقة قامولا إلا أن أهالى المطاعنة قرروا تحويل منزله إلى مقام رمزى ليعبر عن وجوده فى فترة ما بينهم، فتم تشييده فى المساحة التى كان يشغلها حيا فى آخر أيامه، وبقى شاخصا حتى الآن توفد له الزيارة من بلاده وذويه ومحبيه، ونالت قرى المطاعنة بعض الشهرة بسبب ذلك، كما عرفوا أيضا بالوفاء، وباتوا مضربا للأمثال بسبب هذه الواقعة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الأذرع الطولى لمصر.. القوات المسلحة من أقوى الجيوش على مستوى العالم
التالى بشق الأنفس.. روما يتفوق على تورينو بهدف نظيف في الدوري الإيطالي