تركوا بيوتهم ورحلوا

"اتركوا بيوتكم وارحلوا"... نصيحة ترددت فجأة أصدائها في الجنوب والضاحية وعلى مسامع أرباب وربات البيوت مترافقة مع صراخ الأطفال المرعوبين من هدير الطائرات ودوي القصف. ومع اشتداد الظلام قالوا لهم "اخلوا بيوتكم" قبل أن تصبح كتلا من لهب تلدعكم وتلدع أطفالكم، فهذه التي كانت تأويكم، ستكون بعد حين جمرات لاهبة تحرقكم وركاما يتساقط على رؤوسكم. فالحجارة  المتراصفة التي هي جنى أعماركم لن تستظلون في أرجائها بعد اليوم، ولن تحميكم تلك الاسقف بل ستكون أدوات قاتلة فوق رؤوسكم، وأثاث بيوتكم سيكون اللهب الذي سيحترق ويحرقكم، فارحلوا عن هذه الارض والابنية، فهي لم تعد آمنة بل أصبحت عدوكم القاتل. ارحلوا عنها وانفدوا بأرواحكم واحفظوا أطفالكم وكباركم.

Advertisement

 

 
لم ولن يخيّل الى ناس الجنوب والضاحية يوم كانوا يبنون منازلهم أن قيمة الانسان الذي سيسكن بين تلك الحجارة ستفرض عليه يوما خيارا واحدا واتجاها واحدا، وهو أن يمشوا بعائلاتهم نحو الشمال تاركين جنى أعمارهم للاشتعال والدمار مفضلين أن تحترق أموالهم على أن تَمس احدا من أهل بيتهم مكروه، فلا شيء يعوض عن تلك الخسارة. وبحالة من الرعب والحزن والقهر حمل أبناء الجنوب والضاحية أمتعتهم الخفيفة ومضوا شمالاً غير آبهين بما ينتظرهم ودون أن يلتفتوا ورائهم، فكل تفكيرهم وهدفهم  كان النجاة بحياتهم.

 

المشاهد كانت حزينة ومرعبة وقوافل العائلات والاطفال قد أنهكهم السير على الاقدام في نفق المدينة الرياضية، فهذه الصور تتكرر في كل زاوية من بيروت والجبل وصولا الى عكار وبعض قرى الهرمل الآمنة، والكثيرين منهم افترشوا الارض بعد أن تعبوا من مشقة السير والانتظار محشورين في سيارات جامدة لا تتحرك.

 

وتردد على مسامعنا أقوال بعض الجنوبيين قائلين إنهم دفعوا أموالا طائلة اجرة لانتقالهم من صور الى بيروت، اذ بلغت تكلفة تلك الرحلة حوالي 600 دولارًا.

"موعد الرجوع مجهول"

 

 
خلال جولة لـ"لبنان24"، كان لنا حديثا مع مواطنة جنوبية تدعى ملك عز الدين، تركت منزلها في بلدة برج رحال في صور بعد تلقيها أول انذار بأن القصف العنيف سيطال المنطقة، تقول ملك: "شعرنا بالحزن العميق ونحن نترك ذكرياتنا ونرحل دون أن نعلم الى أين ستؤدي  بنا الطريق، فكل ما نعرفه أننا نزحنا بحثا عن ملاذ آمن أما موعد العودة فمجهول".

تضيف: "الخوف الأكبر الذي يعتريني هو ألا يبقى لنا مكان أو بيت، وأن تصبح قريتي رمادًا وحطامًا غير صالحة للسكن، وأن تزول كل ملامحها القديمة التي تختزن ذكريات من زمن الطفولة".

انتقلت ملك الى منطقة زوق مصبح مع عائلتها، فهي نزحت الى منزل صغير، "في عالم آخر كليًا، بعيدًا عن أصوات القصف المرعبة التي كانت تقلقنا". وتشير ملك  الى أنهم "٧ أشخاص في المنزل مع ٣ قطط وكلب".

مفوض أممي: نزوح 200 ألف شخص داخل لبنان

قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، إن أكثر من 200 ألف شخص نزحوا داخليا في لبنان جراء الهجمات الإسرائيلية.
وفي منشور عبر إكس، كشف غراندي، أن أكثر من 50 ألف لبناني وسوري في لبنان عبروا إلى سوريا هربا من الغارات الجوية الإسرائيلية.

 

وذكر أن عمليات إيصال المساعدات (الأممية) مستمرة بالتنسيق مع الحكومتين اللبنانية والسورية للوصول إلى جميع المنكوبين.

 

ولم يذكر المفوض الأممي منذ متى نزحت كل تلك الأعداد داخليا وخارجيا، إلا أن ذلك يأتي في سياق الهجمات إسرائيلية التي وصفت بالأعنف والأوسع على لبنان منذ 23  أيلول الجاري .

كلّ باب يفتح اليوم لاستقبال أي نازح، تتعزّز معه القيم الإنسانية التي تعيش في قلوب المجتمع اللبناني. ومهما كان الرأي بمسار الأحداث وتفاعلاتها، فالانظار تبقى موجهة نحو التضامن الحاصل بين أطياف المجتمع، وبعد ذلك فلتبدِ كل جهة رأيها السياسي.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق السعودية والامارات: ايادي محبة تحتضن لبنان في الزمن الصعب
التالى خطاب قاسم الاول.. استمرار بالخطة الاولى