تؤثر نتائج انتخابات الولايات المتحدة على إسرائيل بشكل خاص، باعتبارها الطفل المدلل لأمريكا، وكان دعمها هو القضية المشتركة الوحيدة بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطى والجمهورى.
ولطالما اتفق الديمقراطيون والجمهوريون على ضرورة دعم الدولة اليهودية ودعم قدرتها على الدفاع عن نفسها تحت أى ظرف من الظروف، ولكن تظل العلاقة بين الرئيس الأمريكى ورئيس الحكومة الإسرائيلية تحكمها معايير خاصة، لكنه استنادًا إلى تاريخ العلاقة بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب الذى عاد إلى البيت الأبيض، فليس بإمكان أحد أن يتوقع ماذا سيحدث.
فى السطور التالية، نستعرض حسابات إسرائيل مع فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية.
هل يمنح «الرئيس المنتخب» الاحتلال حرية العمل فى غزة ولبنان دون أى قيود؟
حرص رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على تهنئة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، قائلًا: «إن عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض تشكل بداية جديدة لأمريكا، وتؤكد من جديد على التزامها القوى بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأمريكا، وهذا انتصار كبير».
وقال وزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس: «سنعمل معًا على تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، واستعادة الرهائن، والوقوف بثبات لهزيمة محور الشر بقيادة إيران».
كما قال الرئيس الإسرائيلى، إسحاق هرتسوج، إن «ترامب صديق حقيقى وعزيز لإسرائيل، وبطل للسلام والتعاون فى منطقتنا، وأتطلع إلى العمل معك لتعزيز الرابطة القوية بين شعبينا، وبناء مستقبل من السلام والأمن فى الشرق الأوسط، والحفاظ على قيمنا المشتركة».
بالنسبة لليمين الإسرائيلى، وهؤلاء الذين يعتقدون أن إنشاء دولة فلسطينية أمر كارثى، فإن «ترامب» يعتبر الرئيس الأفضل، وكذلك الإسرائيليون من الوسط أو اليسار أو من يعتقد أن إنشاء المستوطنات فى قطاع غزة تطور خطير، سيرون فوز «ترامب» مشكلة أكبر. ورغم كل شىء، لا أحد بإمكانه توقع ما الذى سيفعله دونالد ترامب فى ملف الحرب مع غزة، فتصريحاته لم تقدم يومًا استراتيجية ما، لكنه حذر من أنه إذا فازت «هاريس» فسيتم القضاء على إسرائيل فى غضون عامين. ورغم ذلك دعا كل من «هاريس وترامب» إلى إنهاء الحرب فى غزة، لكنهما يقدمان طرقًا مختلفة تمامًا لتحقيق ذلك، حيث رأت «هاريس» أن تنتهى الحرب من خلال المفاوضات بين إسرائيل وحماس ووقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاق الرهائن، بينما رأى «ترامب» أن الحرب ستنتهى عندما يتم رفع القيود المفروضة على إسرائيل وإعطائها الفرصة لاستكمال العمل، وهو ما يعنى عمليًا منح المزيد من حرية العمل لها فى الحرب على غزة ولبنان. من ناحية أخرى، فإن القضايا المتعلقة بنطاق المساعدة الأمنية، والعقوبات المفروضة على بعض المواطنين الإسرائيليين وتأثيرها على قدرة الشركات الإسرائيلية على التعامل مع الولايات المتحدة، فهى كلها ملفات ستتأثر بشكل فعال بعودة «ترامب».
ماذا سيفعل مع المستوطنين المتطرفين وشحنات الأسلحة؟
منذ خمسة عشر عامًا، ومع تنصيب باراك أوباما، بدأ الحزب الديمقراطى ينتقد بشكل متزايد القيادة اليمينية فى إسرائيل وسياساتها تجاه الفلسطينيين. وبدأت قطاعات من الحزب معارضة منح المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بلا قيود، كما أن بعض الأطياف فى الحزب أنكروا أيضًا حق إسرائيل فى الوجود.
وفى الوقت نفسه، ادعى الجمهوريون أنهم الحزب المؤيد الحقيقى لإسرائيل وركزوا أكثر على انتقاد الفلسطينيين، وكما هو الحال مع كل القضايا الرئيسية الأخرى مثل الهجرة، والإجهاض، وحقوق حمل السلاح، فقد تحولت إسرائيل من مصدر للاتفاق بين الحزبين إلى بؤرة للاستقطاب. ورغم محاولات «نتنياهو» تصوير أن الإدارة الديمقراطية تعادى إسرائيل، إلا أن الإدارة الديمقراطية الحالية بقيادة الرئيس بايدن كانت مؤيدة لإسرائيل بشكل واضح، وهو ما يظهر من خلال حزمة مساعدات غير مسبوقة بقيمة ١٧ مليار دولار التى تمت الموافقة عليها لإسرائيل فى أعقاب هجوم ٧ أكتوبر، وإطلاق جسر جوى يضم أكثر من ٥٠٠ طائرة و١٠٠ سفينة، وهو ما سمح لإسرائيل بمواصلة الحرب على مدار أكثر من عام. ومؤخرًا تم نشر نظام الدفاع الأمريكى «ثاد» على خلفية احتمال اضطرار إسرائيل للدفاع عن نفسها من هجوم مضاد إيرانى من المتوقع أن يحدث فى أى لحظة ردًا على الهجوم الإسرائيلى الذى استهدف مواقع عسكرية فى إيران. ولكن من ناحية أخرى، وعلى خلفية الخلافات التى نشأت بشأن القضايا الإنسانية وسياسة إسرائيل فى الضفة الغربية، انتهجت الإدارة الأمريكية الديمقراطية بقيادة بايدن، سياسة فرض عقوبات على المستوطنين المتطرفين وتأخير تسليم بعض شحنات الأسلحة وجزء من أموال المساعدات، وهو ما لن يكون متوقعًا مع «ترامب».
كيف سيتحرك فى التطبيع.. وهل يجبر تل أبيب على تنازلات؟
أصدر المئات من المتخصصين فى الصحة العقلية فى الولايات المتحدة رسالة مفتوحة للجمهور، عبر صفحات «نيويورك تايمز»، ذكروا فيها أن الرئيس دونالد ترامب يعانى من نرجسية خبيثة، وعدم التوافق مع الأعراف والقوانين الاجتماعية، وإطلاق الأكاذيب المتكررة، والاستهتار والسخرية من الأقليات والمعاقين، لذلك لا يمكن التوقع بتصرفاته حتى تجاه إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، من المؤكد أن «ترامب» سيتخذ قراراته بنفسه، ولن يستمع كثيرًا لمستشاريه، ولكن من الصعب أن نقول فى هذه المرحلة ما شكل تلك القرارات، والحقيقة أن سجل ولايته الأولى كان الأكثر تأييدًا لإسرائيل فى التاريخ، لكن ليس هناك ما يضمن تكرار هذا النهج، مع حقيقة أنه أعرب فى الماضى عن اهتمامه بالمفاوضات مع إيران، ودعت خطته للسلام إلى إقامة دولة فلسطينية. السؤال الرئيسى المتعلق بـ«ترامب» هو أى جناح من الحزب الجمهورى سينحاز إليه «ترامب»، مع العلم أن هناك جناحًا كاملًا فى حزبه، بما فى ذلك نائب الرئيس المنتخب جى دى فانس، يؤمنون بالنزعة الانفصالية على غرار عشرينيات القرن الماضى. هؤلاء هم الأشخاص الذين يتحدثون عن إنهاء المساعدات لحلف شمال الأطلسى، وأوكرانيا، وخفض التدخل الأمريكى وربما الانسحاب من القواعد فى العراق واتخاذ إجراءات ضد الحوثيين، وفى النهاية سيلمحون لخفض الدعم لإسرائيل ولا أحد يعرف على وجه الدقة ما الذى سيفعلونه مع الدولة العبرية.
وهذا يعنى أن رئاسة ترامب قد تكون غير متوقعة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، بما يتناسب مع طبيعته المتقلبة. ومع ذلك، فمن المرجح أن إدارته لن تكون عائقًا أمام توسيع المستوطنات أو فرض عقوبات على اليمينيين، ولكن قد تكون هناك حاجة إلى تقديم تنازلات من إسرائيل فى حال أرادت هى أيضًا التوصل إلى اتفاق تاريخى من شأنه أن يؤدى إلى اتفاق التطبيع مع بعض دول الخليج.
هناك سياسة إشكالية أخرى فى السياق الإسرائيلى قد تروج لها إدارة «ترامب»، وهى تتعلق أيضًا بالأجندة الانفصالية السائدة اليوم فى الحزب الجمهورى، ففى الأيام القليلة الماضية، اقترح «ترامب» تعزيز التعريفات الجمركية الثقيلة على الواردات من جميع البلدان، عندما ذكر فى إحدى المقابلات أنه سيدعم إقرار تعريفة بنسبة ٢٠٪ على جميع السلع الواردة من الدول الأجنبية من أجل دفع الشركات إلى الانتقال إلى الولايات المتحدة وتطويرها.
وبما أن الولايات المتحدة هى وجهة التصدير الرئيسية لإسرائيل، حيث يصل حجم صادراتها السلعية فى عام ٢٠٢٣ إلى ١٧.٥ مليار دولار، فمن المتوقع أن يؤدى فرض الرسوم الجمركية التى تعطى الأولوية للترويج للمنتجات الأمريكية إلى الإضرار بالمصدرين والمصنعين الإسرائيليين.