عام مفصلي... افتتاح المتحف المصري الكبير يتصدر المشهد في 2025

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كان عام 2025 عاما مفصليا في تاريخ قطاع الآثار المصري، ورصدت ليس فقط بما شهده من اكتشافات وترميمات وتطوير مؤسسي، بل لارتباطه بالحدث الأبرز منذ عقود وهو الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، الذي أعاد رسم خريطة المتاحف عالميا، وكرس مكانة مصر كحاضنة لأعظم تراث حضاري عرفه الإنسان.

 

ففي عام 2025، افتتحت مصر رسميا المتحف المصري الكبير في احتفال عالمي واسع، بعد سنوات من الإعداد والتشغيل التجريبي، الافتتاح لم يكن مجرد إضافة متحفية، بل إعلان عن انتقال نوعي في طريقة عرض وإدارة التراث.


ويضم المتحف نحو 100 ألف قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون التي تعرض لأول مرة في مكان واحد، إلى جانب قاعات عرض تعتمد على أحدث تقنيات الإضاءة والتفسير المتحفي. وقد شكل الافتتاح نقطة جذب سياحي وثقافي غير مسبوقة، وأسهم فورا في رفع معدلات زيارة منطقة أهرامات الجيزة وربطها بمنظومة سياحية متكاملة.


وانعكس افتتاح المتحف المصري الكبير، إلى جانب تطوير المواقع المختلفة، على أداء السياحة الثقافية، إذ سجلت المتاحف والمناطق الأثرية زيادة ملحوظة في أعداد الزائرين.

اكتشافات مهمة
 

بالتوازي مع هذا الحدث الكبير، شهد العام الإعلان عن اكتشافات أثرية مهمة في سقارة والأقصر وأسوان وسيناء، شملت مقابر، وتماثيل، ولقى جنائزية تعود لعصور مختلفة، وأسهمت هذه الاكتشافات في سد فجوات معرفية تتعلق بالحياة اليومية والتنظيم الإداري والديني في مصر القديمة.


اللافت هذا العام كان تصاعد دور البعثات المصرية، سواء في القيادة أو التنفيذ، إلى جانب البعثات المشتركة، في مؤشر على تطور الخبرة العلمية للكوادر الوطنية وقدرتها على إدارة مشروعات أثرية كبرى وفق المعايير الدولية.
 

الترميم وتطوير المواقع الأثرية والمتاحف


واصلت وزارة السياحة والآثار ممثلة في المجلس الأعلى للآثار تنفيذ مشروعات ترميم وصيانة واسعة، شملت مواقع فرعونية وإسلامية وقبطية، وجرى استكمال أعمال ترميم في وادي الملوك والملكات، وتطوير مسارات الزيارة في معابد الكرنك والأقصر، إلى جانب مشروعات في القاهرة التاريخية.


التحول اللافت هذا العام تمثل في تعزيز مفهوم "الإدارة المستدامة للمواقع"، عبر الحد من التدخلات العشوائية، واستخدام دراسات بيئية وهندسية لحماية الآثار من تأثيرات الرطوبة والزحام والتغيرات المناخية.


ورغم تصدر المتحف المصري الكبير المشهد الأثري في مصر، لم تتراجع جهود تطوير باقي المتاحف، فقد شهدت متاحف الأقاليم تحديثات في سيناريوهات العرض، وإدخال وسائل شرح تفاعلية ولوحات تعريفية حديثة، في محاولة لتحقيق عدالة ثقافية وتوزيع العائد السياحي على المحافظات.


كما جرى تطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات وتوسيع أنماط الزيارة مثل الجولات الليلية والبرامج التعليمية بمختلف المتاحف.


وشهدت متاحف المحافظات عمليات تحديث لسيناريوهات العرض، وإدخال شاشات تفاعلية ولوحات تعريفية حديثة بعدة لغات، في إطار استراتيجية تهدف إلى ربط القطعة الأثرية بسياقها الحضاري والتاريخي، وليس عرضها كعنصر منفصل.
 
التحول الرقمي واسترداد الآثار المهربة
 
شهد عام 2025 مرحلة متقدمة في ملف الرقمنة، حيث توسعت الوزارة في توثيق القطع والمواقع إلكترونيا، واستخدام نظم المعلومات الجغرافية في إدارة المناطق الأثرية وحجز التذاكر إلكترونيا بمختلف المتاحف والمواقع الأثرية، مما أسهم في تحسين كفاءة الإدارة، ودعم جهود مكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار، وتعزيز البحث العلمي.


وأكدت المؤشرات، أن السياحة الثقافية أصبحت ركيزة مستقرة، وليست نشاطا موسميا، مع تنامي الطلب على التجارب التاريخية المتعمقة.

شهد 2025 استمرار جهود استرداد الآثار المهربة، مع نجاح مصر في استعادة عدد من القطع عبر قنوات قانونية ودبلوماسية، كما تم تجديد وتوقيع اتفاقيات تعاون مع بعثات دولية، مع التأكيد على نقل الخبرة وبناء القدرات المحلية.


تدريب الكوادر البشرية 


كثفت وزارة السياحة والآثار جهودها خلال 2025 لتدريب الأثريين والمرممين وأمناء المتاحف، خاصة في مجالات التوثيق الرقمي وإدارة المتاحف الحديثة، بما يضمن استدامة الإنجازات وعدم ربطها بأفراد أو مراحل زمنية محددة.
انتشار الآثار الغارقة
شهد عام 2025 اهتماما متزايدًا بملف الآثار الغارقة، خاصة في سواحل البحر المتوسط، حيث واصلت البعثات الأثرية أعمال المسح والتوثيق في مناطق مثل خليج أبي قير والإسكندرية الغارقة.


وأسفرت الجهود عن توثيق مواقع وموانئ قديمة وبقايا معمارية تعود للعصور الفرعونية واليونانية والرومانية، بما يؤكد أن جزءا مهما من تاريخ مصر ما زال محفوظًا تحت المياه. كما عززت الدولة حضور هذا الملف في خريطة السياحة الثقافية، عبر طرحه كمنتج سياحي متخصص يرتبط بالغوص العلمي والتراثي، مع التشديد على حماية هذه المواقع من التعديات والنهب، باعتبارها امتدادا أصيلً للتراث القومي المصري.

معرض "رمسيس وذهب الفراعنة" يجوب العالم 


خلال عام 2025، واصل معرض "رمسيس وذهب الفراعنة" جولاته الدولية، محققًا حضورا جماهيريا وإعلاميا واسعا في محطاته المختلفة. 


وضم المعرض مجموعة مختارة من القطع الأثرية المرتبطة بعصر الدولة الحديثة، في مقدمتها مقتنيات للملك رمسيس الثاني وعدد من ملوك وأمراء عصره، مقدّمًا سردا بصريا معاصرا لعظمة الحضارة المصرية. 

 

وأسهم المعرض في تعزيز القوة الناعمة لمصر، والترويج للمقاصد السياحية الثقافية، وربط الجمهور العالمي بالتراث المصري عبر أدوات عرض حديثة، مع التأكيد على التزام الدولة بأعلى معايير التأمين والحفاظ على القطع خلال تنقلها الخارجي.


باختصار، يمكن توصيف 2025 بأنه عام انتقل فيه قطاع الآثار من مرحلة الإعداد الطويل إلى جني الثمار، يتصدره افتتاح المتحف المصري الكبير كحدث تاريخي، مدعوما بمنظومة اكتشاف وترميم وتطوير مؤسسي. وبين الماضي العريق وأدوات الحاضر، ترسخ مصر موقعها كعاصمة عالمية للتراث الإنساني، ليس بالكم فقط، بل بجودة الإدارة والرؤية المستقبلية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق