الأحزاب المصرية عبر مائة عام «3-3»

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ينتقل بنا «يونان لبيب رزق» إلى المرحلة الثالثة فى تاريخ الأحزاب المصرية، وهى المرحلة التى تبدأ من عام ١٩٧٦. ويرى يونان أن هذه المرحلة جاءت بعد إلغاء ثورة يوليو التعددية الحزبية فى عام ١٩٥٣، والاتجاه نحو سياسة الحزب الواحد، الذى كان آخر مراحله «الاتحاد الاشتراكى».

ويُبدى يونان ملاحظة مهمة ومثيرة، وهى أن نهاية نظام الحزب الواحد قد بدأت بعد هزيمة يونيو ٦٧، وكما يقول: «إن عبدالناصر كان قد توصل خلال تلك الفترة- بعد يونيو ٦٧- إلى قناعة بالعودة إلى التعددية الحزبية، ولم يكن ينتظر إلا إزالة آثار العدوان».

هكذا يرى يونان أن اتجاه السادات إلى التعددية الحزبية جاء بعد نصر أكتوبر، ولكن المتغير الأهم الذى دفع إلى التعددية الحزبية، كان تبنى السادات سياسة الانفتاح الاقتصادى، هذا فضلًا عن تحول السياسة المصرية تجاه الغرب، ولا سيما مع قوة العلاقات بين السادات وواشنطن، من هنا كان البدء بالمنابر داخل الاتحاد الاشتراكى، ثم فتح الباب للتعددية الحزبية.

ويوضح يونان علّة من أخطر العِلَل التى ستصاحب المرحلة الثالثة، وهى أن البدايات لم تكن صادقة، فإن استجابة السادات لعودة الحياة الحزبية جاءت «على مضض» منه، ومن داخل الاتحاد الاشتراكى، لذلك سيعيب هذه التجربة الاحتفاظ بالكثير من مظاهر وعيوب تجربة الحزب الواحد. كما يشير يونان إلى رسم السادات، أو النخبة الحاكمة، لشكل التجربة الحزبية: حزب يسار، حزب وسط، حزب يمين، بل واختيار بعض الضباط الأحرار لرئاسة حزبَى اليسار واليمين. من هنا كان غضب السادات شديدًا على عودة حزب الوفد بحكم قضائى فى عام ١٩٧٨، حيث اعتبر السادات ذلك خروجًا عن النص الذى رسمه.

ويشير يونان إلى عِلّة أخرى صاحبت التجربة الثالثة، وهو ما أطلق عليه «حزب السلطة». ويرى أنه فى البداية كان «حزب مصر العربى الاشتراكى» على الرغم من أنه كان قريبًا من السلطة، لكن لم يكن السادات رئيسًا له، لكن أحداث ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ دفعت السادات «إلى اتخاذ قراره بتأليف الحزب الوطنى الديمقراطى تحت رئاسته، وكان المشهد المثير بتداعى حزب مصر العربى الاشتراكى نتيجة لانضمام أغلب أعضائه إلى الحزب الجديد». من هنا ملاحظة يونان بظهور حزب السلطة الذى لم يرث من الاتحاد الاشتراكى مقاره وأرصدته فقط، وإنما رجاله وأسلوب عمله ونشاطه ونفوذه أيضًا.

وبعد اغتيال السادات فى أكتوبر ١٩٨١، ووصول مبارك إلى الحكم، يُبدى يونان ملاحظة مهمة أنه «سادت فترة تردد فى أن يتولى مبارك رئاسة الحزب الوطنى». ولكن للأسف استقر الأمر على خيار العودة إلى الجمع بين الرئاستين.

ويشير يونان إلى عِلّة أخرى من العلل التى صاحبت المرحلة الثالثة من الحياة الحزبية، وهى ما أطلق عليها ظاهرة «الأحزاب الهيكلية»، ويقصد بها ظهور العديد من الأحزاب الهشّة، التى ليس لها وجود حقيقى فى الشارع، ولا قواعد حزبية. ويُفرِد يونان دراسة مهمة لهذه الظاهرة، وبصفة خاصة لحزب الأمة ورئيسه أحمد الصباحى. ويعتبر يونان مجرد ظهور هذا الحزب «شذوذًا» عن المفهوم الحقيقى لمعنى الحزب. ويسخر من هذه الظاهرة قائلًا: «كان متصورًا أن هذا الشذوذ لن يُعَمِّر طويلًا، غير أن عقدًا كاملًا قد مر بعد ظهور حزب الأمة، تزايدت خلاله حالة الشذوذ لتشكل ظاهرة عامة لم تعرفها أى من التجارب الحزبية السابقة».

ويشير يونان إلى عِلّة أخرى صاحبت جميع أحزاب المرحلة الثالثة، موالاة ومعارضة، قائلًا: «لم تفرز قواعد الأحزاب زعامتها بقدر ما قامت الزعامات بتسيير القواعد الحزبية!».

ويوجّه يونان ملاحظة حادة ودقيقة، بمعايير ذلك الوقت، حول ضرورة الفصل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحزب الوطنى، وضرورة: «أن يصبح محمد حسنى مبارك خلال السنوات الست القادمة رئيسًا لكل المصريين، وليس لحزب بعينه».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق