شهدت المنظومة التعليمية خلال العامين الأخيرين تحولًا واضحًا في آليات التقييم ومتابعة مستوى الطلاب، بعدما اتجهت وزارة التربية والتعليم إلى تطبيق مجموعة من الحلول الفنية التي تستهدف القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، وتعزيز حضور الطلاب داخل المدارس.
لعل أبرز هذه الحلول كان الاعتماد على التقييمات المستمرة والتي تسمى بالتقييمات الأسبوعية كجزء أساسي من المنهج التعليمي، وهو الإجراء الذي أحدث تغييرات ملحوظة في سلوك الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور على حد سواء.
التقييمات المستمرة.. تحول في طريقة فهم مستوى الطالب
أدركت الوزارة أن الامتحان النهائي وحده لم يعُد قادرًا على قياس مستوى الطالب بشكل عادل أو دقيق، خاصة في ظل اعتماد الكثيرين على الدروس الخصوصية كطريقة أساسية للحفظ دون فهم.
لذلك جاء نظام التقييمات المستمرة ليكون أداة رئيسية لرصد مستوى الطالب بشكل أسبوعي أو شهري، وفقًا لطبيعة كل مرحلة تعليمية، مع توزيع درجات التقييم على المهام الصفية، الأنشطة، الاختبارات القصيرة، المشاريع، والمشاركة الفعالة داخل الفصل، ووفقا لتصريحات وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، فإن التقييمات ساعدت في القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية
هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في أسلوب الاختبارات؛ بل كان محاولة لإعادة الطالب إلى المدرسة، وربطه بالمعلم داخل الفصل، وإلغاء فكرة “الامتحان الواحد” الذي يمكن تجاوزه بالحفظ المكثف خارج المدرسة، ومع تطبيق النظام، بات الطالب بحاجة إلى الحضور الدائم والمشاركة الفعلية ليضمن الحصول على درجاته، وهو ما أدى إلى تراجع الاعتماد على مراكز الدروس الخصوصية.
ارتفاع معدل حضور الطلاب.. مؤشر على فاعلية النظام
أحد أهم الأدلة على نجاح هذا التوجه، هو وصول نسبة حضور الطلاب في المدارس إلى 87.7%، وهي نسبة غير مسبوقة في بعض المراحل، خاصة في الفترات الصباحية، وذلك وفقًا لإحصائية رسمية أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم خلال الأيام الماضية.
وتشير مصادر تربوية إلى أن هذه النسبة تعكس تغيرًا حقيقيًا في سلوك الأسرة المصرية، بعدما أصبح الحضور اليومي ضرورة لا غنى عنها في ظل اعتماد درجات التقييم على تفاعل الطلاب داخل الفصل.
هذا الالتزام بالحضور لم يأتِ من فراغ؛ فالوزارة ربطت بين حضور الطالب وحصوله على درجته الكاملة في التقييمات القصيرة والمشاريع، كما أتاحت للمدارس حرية تطبيق مهام تقييم متنوعة وفق رؤية كل معلم، وهو ما ساعد في خلق بيئة تعليمية أكثر نشاطًا وتفاعلًا.
القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية في الفترات الصباحية
أحد التأثيرات القوية لنظام التقييمات المستمرة كان تراجع الدروس الخصوصية بشكل واضح خلال الفترة الصباحية ولم يعد لدى الطلاب وقت للغياب عن المدرسة أو حضور مجموعات غير رسمية في أوقات الدراسة، لأن غيابهم يعني ضياع درجات التقييم التي تُحسب ضمن أعمال السنة.
أما بالنسبة للمعلمين، فقد وجدوا أنفسهم أمام مسؤولية جديدة تتعلق بقياس أداء كل طالب بشكل مستمر، مما ساعد في رفع كفاءة التدريس داخل المدرسة، ودفع المعلم للتركيز على الشرح المباشر والمتابعة الفردية بدلًا من الاعتماد على مذكرات خارجية أو التلقين.
كيف غيّر النظام نظرة الأسرة للتعليم؟
كان من المعتاد لدى كثير من الأسر الاعتماد على الدروس الخصوصية كوسيلة رئيسية لضمان نجاح أبنائهم، ولكن مع النظام الجديد أصبحت المدرسة هي المصدر الأساسي للحصول على الدرجة الكاملة، فالتقييمات المستمرة تُحتسب فقط للحضور والمشاركة داخل المدرسة، ولا يمكن تعويضها من خلال أي درس خارجي، مما دفع الأسر إلى إعادة النظر في منظومة متابعة أبنائهم، والتركيز أكثر على الحضور والالتزام.
كما أن الأنشطة المرتبطة بالتقييمات مثل المشاريع، وأوراق العمل، والعروض التقديمية، جعلت الطالب يمارس التعلم الحقيقي، بعيدًا عن فكرة “الورقة والقلم”، وهو ما يشجع ولي الأمر على ملاحظة التغيير الإيجابي في مهارات ابنه، وليس فقط في درجاته.
الوزارة: التقييم المستمر مستمر والتطوير في الطريق
أكدت مصادر بوزارة التعليم لـ"الدستور"، أن نظام التقييمات المستمرة ليس إجراءً مؤقتًا، بل هو توجه استراتيجي طويل المدى يهدف إلى تحويل المدرسة إلى بيئة تعلم فعّالة، والحد من الدروس الخصوصية التي كانت تستنزف الأسرة المصرية دون تحقيق ناتج تعليمي حقيقي.
شدد المصادر أن الوزارة تعمل على تطوير آليات التقييم لتصبح أكثر دقة ومرونة، وإتاحة وحدات تدريبية للمعلمين حول كيفية تصميم مهام تقييم متنوعة تراعي الفروق الفردية بين الطلاب.

















0 تعليق