أكد سيد الأبنودى، رئيس قسم البترول والطاقة بجريدة «الدستور»، فى مداخلة هاتفية لـ«راديو مصر»، أن الاجتماع الذي عقده الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والمهندس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية، يُعد محطة مفصلية ترسم ملامح السنوات الخمس المقبلة في واحد من أخطر الملفات الاقتصادية لمصر: ملفي الاستكشافات البترولية والغازية، وقطاع التعدين بكل ما يحمله من فرص كامنة وقيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
خطة 2030 في البترول والتعدين ستغير شكل الاقتصاد
وأوضح الأبنودى، أن العالم يعيش حاليًا سباقًا محمومًا على الموارد الطبيعية، حيث تسعى الدول إلى تأمين احتياجاتها من الطاقة بأقل تكلفة ممكنة، وتعظيم احتياطياتها من البترول والغاز والمعادن الاستراتيجية لدعم الصناعة الوطنية.
وفي هذا السياق، يرى أن مصر لا تملك رفاهية التباطؤ أو التأجيل، بل يجب أن تتحرك بسرعة وبخطط واضحة، وهو ما عكسته توجيهات الرئيس خلال الاجتماع.
وأشار الأبنودى إلى أن محاور حديث الرئيس السيسي أظهرت بوضوح رغبته في إعادة رسم خريطة الاستكشافات البترولية والغازية في مصر، من خلال الانتقال من سياسة الاكتفاء بما هو قائم إلى سياسة الهجوم والتوسع في أعمال البحث والحفر.
كما يعكس التوجيه الصريح بزيادة عمليات الحفر وعدم التوقف عند المستويات الحالية، إيمان الدولة بأن كل بئر جديدة يمكن أن تفتح الباب أمام احتياطيات استراتيجية تكفي احتياجات السوق المحلي لسنوات، وقد تفتح المجال أمام اكتشافات أكبر في المناطق المحيطة.
ولفت إلى أن الخطة التي عرضها المهندس كريم بدوي للفترة من 2026 حتى 2030، بما تتضمنه من أعداد الآبار المخطط حفرها، وحجم الاستثمارات المرتبطة بها، وتكاليف الحملات الاستكشافية، وتقديرات الاحتياطيات المتوقعة من الزيت والغاز، تعكس لأول مرة رؤية رقمية واضحة تربط بين جهود الاستكشاف من ناحية، وبين هدف خفض فاتورة الاستيراد من الناحية الأخرى، فكل متر مكعب من الغاز أو كل برميل زيت يتم إنتاجه من الحقول المصرية يعني مباشرة تقليصًا في احتياجات الاستيراد بالعملة الصعبة، وهو ما ينعكس على ميزان المدفوعات واستقرار سوق الصرف.
رابط حلقة راديو مصر (اضغط هنا)
وبين الأبنودى أن منطقة شرق المتوسط على وجه الخصوص تمثل «كنزًا» حقيقيًا من منظور الجيولوجيا البترولية، وأن جزءًا كبيرًا من إمكاناتها ما زال قيد الدراسة والبحث، ولهذا جاء تركيز الرئيس على تعظيم الاستفادة من هذه المنطقة، مدعومًا بتوجيهات واضحة بزيادة الحوافز المقدمة لشركات الاستكشاف العالمية، حتى تواصل ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في السوق المصري، في ظل منافسة قوية من دول أخرى تسعى لاستقطاب نفس الشركات.
وانتقل الأبنودى في تحليله إلى ملف التعدين، مؤكدًا أن الرئيس السيسي يتعامل مع هذا القطاع بوصفه صناعة جديدة يُعاد بناؤها من الأساس، وليس مجرد نشاط تقليدي يقتصر على استخراج خامات الذهب أو الفوسفات.
فالرؤية الرئاسية تقوم على تحويل التعدين إلى قطاع اقتصادي متكامل، يشغل آلاف العمال، ويولد صادرات مستدامة، ويحقق قيمة مضافة عبر توطين الصناعات القائمة على الخامات بدلًا من تصديرها خامًا بأسعار متدنية ثم استيراد منتجاتها النهائية بأضعاف مضاعفة.
وأوضح أن العرض الذي قدمه وزير البترول والثروة المعدنية أمام الرئيس تضمن ملامح خطة لتحويل قطاع التعدين من منظومة إدارية تقليدية إلى منظومة اقتصادية تنافسية، تقوم على ثلاثة مسارات رئيسية، أولها تحويل هيئة الثروة المعدنية إلى هيئة عامة اقتصادية، وهو يعد أكبر تغيير تشهده منظومة إدارة الثروات المعدنية منذ عقود طويلة، حيث يمنح هذا التحول الهيئة مرونة أكبر في التعاقد والدخول في شراكات، وإدارة عوائدها، والعمل بعقلية اقتصادية تشبه إلى حد كبير نماذج شركات البترول الناجحة.
أما المسار الثاني فيتمثل في جذب شركات عالمية كبرى إلى جانب شركات ناشئة جريئة في مجال التعدين، باعتبار أن الشركات الصغيرة والمتوسطة غالبًا ما تكون أكثر استعدادًا للمغامرة واكتشاف مناطق جديدة لم تُستغل بعد، وهنا تأتي أهمية بناء نموذج تعاقدي وتشريعي جذاب يطمئن المستثمر على استقرارية القواعد، ويمنحه وضوحًا في آليات اقتسام العائدات وإدارة المخاطر.
ويتمحور المسار الثالث حول معالجة التحديات والمشكلات التاريخية التي واجهت المستثمرين في هذا القطاع، مثل تعدد الجهات، وتداخل الاختصاصات، وبطء الإجراءات، وارتفاع بعض الرسوم غير التنافسية.
ويرى الأبنودى أن رسالة الرئيس في هذا الملف جاءت حاسمة حين طالب بزيادة حجم التيسيرات والحوافز، مؤكدًا عمليًا أنه «لا يجب أن يغادر أي مستثمر القطاع وهو غير راضٍ عن تجربة العمل في مصر».
وأكد الأبنودى أن ما عُرض خلال الاجتماع بشأن خطط المسح السيزمي يمثل أيضًا نقطة انطلاق حقيقية لاكتشافات جديدة؛ فهذه الدراسات ليست مجرد أعمال مكتبية أو بحثية، بل هي الخطوة الأولى والحاسمة في أي مشروع استكشافي ناجح، فعندما تنفذ الدولة حملات مسح سيزمي حديثة وثلاثية الأبعاد في البحر المتوسط أو البحر الأحمر أو مناطق واعدة أخرى، فهي في الواقع تخلق خريطة بيانات متطورة تشجع الشركات على اتخاذ قرار الحفر بثقة أكبر، لأنها تستند إلى معلومات دقيقة تقلل من المخاطر وتزيد من فرص النجاح.
وأشار إلى أن الأعوام 2025 و2026 من المتوقع أن تشهد أكبر حملات للمسح السيزمي في تاريخ مصر، وهو ما قد يفتح الباب أمام اكتشافات تضاهي حقل «ظُهر» وربما تتجاوزه، إذا ما توافرت الإرادة الاستثمارية والتسهيلات المطلوبة في مراحل التعاقد والتنفيذ.
واختتم سيد الأبنودي تصريحه بالتأكيد أن الفترة المقبلة ستشهد انطلاقة جديدة في أنشطة الاستكشاف والإنتاج، مع قرب الإعلان عن اكتشافات بترولية وغازية مهمة، إلى جانب كشف ذهبي مرتقب في منطقة شلاتين يسمى «روميت»، ما يعكس الزخم الكبير الذي يشهده قطاع الثروات الطبيعية في مصر، ويؤكد أن الدولة تمضي بخطى واثقة نحو تعظيم عوائدها من مواردها الطبيعية وتعزيز موقعها الإقليمي والدولي في خريطة الطاقة والتعدين.












0 تعليق