يشهد الاقتصاد الإيراني حاليًا أزمة متفاقمة تتمثل في اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، واختفاء الطبقة الوسطى بشكل سريع، وسط سلسلة مستمرة من فضائح الفساد التي تضيف مزيدًا من الضغوط اليومية على ملايين المواطنين الذين يعانون أصلًا من صعوبات معيشية متزايدة.
40 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر
وفقًا لمسؤولين عماليّين، يعيش نحو 40 مليون إيراني الآن تحت خط الفقر النسبي، بينهم سبعة ملايين في فقر مطلق، أي أشخاص يعانون من خطر سوء التغذية حتى لو أنفقوا كل دخلهم على الطعام. ويعتمد الأسر منخفضة الدخل على الخبز لتوفير أكثر من 40% من احتياجاتها اليومية من السعرات الحرارية، غير أن أسعار الخبز والحبوب، التي تحددها الحكومة، قد تضاعفت تقريبًا خلال عام واحد.
وفي الوقت نفسه، انهارت القيمة الحقيقية للأجور بالدولار، حيث تراجعت من نحو 500 دولار عام 2015 إلى أقل من 160 دولارًا اليوم.
وقال الاقتصادي علي غنبري لوسائل إعلام معتدلة مثل "فرارو" إن الفجوة بين الأغنياء والفقراء أصبحت كبيرة إلى حد أن الطبقة الوسطى "تختفي فعليًا".
أزمة وطنية متنامية
وأشار فرامرز توفيقي من مجالس العمل لوكالة "إيلنا" إلى أن التضخم الفعلي في أسعار المواد الغذائية تجاوز 90% في أكتوبر الماضي، محذرًا من أن الحد الأدنى للأجور "لا يغطي حتى ثلث احتياجات العمال الأساسية للمعيشة".
وسلط موقع "اقتصاد 24" الضوء على هذه الأرقام، محذرًا من أن أي خطأ في تحديد الأجور للعام المقبل قد يؤدي إلى "أزمة وطنية".
وأكد الاقتصادي حسين راغفر لصحيفة "اعتماد" أن حتى أقصى الاقتراحات لزيادة الأجور—التي قد تصل إلى 35%—لن تعيد القوة الشرائية للمواطنين.
وقال راغفر: "لأكثر من ثلاثة عقود، كانت زيادات الأجور متخلفة عن معدل التضخم. إن العمال وموظفي القطاع العام يدعمون الدولة فعليًا من خلال كسبهم أقل من تكلفة المعيشة".
وانتقد الحكومة لادعائها أنها تفتقر إلى الأموال لزيادة الأجور، بينما "تضخ مبالغ ضخمة في سوق الأسهم، وتنفق احتياطيات العملة الأجنبية على واردات فاخرة، وتعفي الشركات الكبرى من الضرائب العادلة".
العمل من أجل البقاء
وحذرت صحيفة "اقتصاد نيوز" من أن خط الفقر الرسمي "أصبح مجرد شعار سياسي"، مشيرة إلى أن الناس يقيسون الواقع حسب أسعار السوبرماركت والإيجار والرسوم المدرسية، وليس وفقًا لتصريحات الحكومة.
وقال خبير العمل حامد حاج إسماعيلي إن متوسط الأجر يبلغ نحو 170 مليون ريال (حوالي 155 دولارًا)، بينما تحتاج الأسر الآن إلى ثلاثة أضعاف هذا المبلغ على الأقل لتغطية نفقاتها الأساسية.
وأضاف علي دهقانکیا، رئيس جمعية المتقاعدين في طهران، أن فجوة الأجور والتضخم حرمت العائلات من القدرة الشرائية، وأن المتقاعدين يواجهون "أزمة بقاء" فيما يخص الغذاء والسكن والرعاية الصحية، محذرًا من أن استمرار الوضع قد يؤدي إلى "عواقب اجتماعية خطيرة".
الفساد المزمن وانهيار البنوك
لطالما حذر راغفر من ما أسماه "ساو باولو-زايشن" للاقتصاد الإيراني، أي تركيز الثروة بشكل مفرط في أيدي نخبة صغيرة بينما يغرق غالبية الشعب في الفقر.
وأوضح لصحيفة "خبر أونلاين" أن ارتفاع معدلات الفقر مرتبط بشكل مباشر بالفساد في القطاع المصرفي، مشيرًا إلى أن انهيار بنك "آينده" وامتصاصه من قبل جهة حكومية بعد إفلاسه "ليس سوى البداية"، وتوقع نتائج مماثلة لبنوك خاصة أخرى.
وعاقبت بريطانيا في أكتوبر مالك بنك آينده، علي أنصاري، بسبب تمويله المزعوم للحرس الثوري، بينما تقدر وسائل الإعلام الأجنبية قيمة ممتلكاته في لندن بنحو 180 مليون دولار—أي ما يعادل تقريبًا ميزانية مكافحة الفقر السنوية في إيران.
وقالت وكالة الأنباء العمالية الإيرانية (إونا) في افتتاحية: "ما يجعل هذه الحالة أكثر من مجرد قضية شخصية هو التباين الصادم بين ثروة مصرفي مجمدة في لندن وبين الفقر الهيكلي في إيران". وأضافت: "عندما تكون ميزانية مكافحة الفقر الوطنية مساوية لأصول شخص واحد، لم يعد السؤال الحقيقي 'من أين جاء المال؟' بل 'أي نوع من النظام جعل هذا ممكنًا؟'".
مع هذه المعطيات، يبدو أن الاقتصاد الإيراني يواجه مرحلة حرجة تتطلب إصلاحات هيكلية عاجلة، وإلا فإن المخاطر الاجتماعية والاقتصادية قد تتفاقم بسرعة، ما يهدد استقرار الدولة على المدى القريب والمتوسط.










0 تعليق