خبرًا رسم الأمل على صفحة الصحة العامة المصرية أعلنته منظمة الصحة العالمية مؤخرًا، وهو أن مصر قد حققت إنجازًا تاريخيًا بالقضاء على مرض "التراخوما" وهو أحد أبرز مسببات العمى المعدية في العالم.
هذا الانتصار ليس مجرد رقم في سجلات الصحة، بل هو ثمرة عقود من الجهود الدؤوبة، حيث تلاقت الاستراتيجيات العلمية، والعمل الميداني، والتعاون الدولي لتحقيق حلم ملايين المصريين برؤية مستقبل خالٍ من العمى الناتج عن المرض، لتصبح بذلك مصر هي الدولة السابعة في إقليم شرق المتوسط التي تقضي على التراخوما كقضية صحية عامة.
يأتي هذا الإعلان بعد عقود من الجهود المتواصلة التي نفذتها وزارة الصحة المصرية بالتعاون مع المنظمة وشركاء محليين ودوليين، عبر استراتيجية SAFE التي تعتمد على الجراحة، المضادات الحيوية، تحسين النظافة الشخصية، وتطوير البيئة الصحية.
التراخوما: المرض وطرق الانتقال
والتراخوما هو التهاب مزمن معدٍ في العين تسببه بكتيريا الكلاميديا التراخومية، ويعد السبب الرئيسي المعدي للعمى في العالم، خصوصًا في البلدان النامية التي تفتقر إلى النظافة الصحية والخدمات الطبية، وينتقل المرض عن طريق الاتصال المباشر أو غير المباشر بإفرازات العين أو الأنف للمصاب، مع كون الأطفال المستودع الأساسي للعدوى، بينما تلعب الحشرات مثل الذباب دورًا في نقل المرض.
يمر التراخوما بخمس مراحل، بدءًا من التهابات الملتحمة وظهور نتوءات وحبيبات، وصولًا إلى تندب جفن العين، وقد يؤدي تأخر العلاج إلى انقلاب الرموش واحتكاكها بالقرنية، ما يسبب ألمًا شديدًا وعتامة تدريجية تؤدي إلى فقدان البصر أو العمى الدائم، وأعراضه تتضمن التهاب العين، احمرارها، الحكة، والإفرازات، وتزداد خطورة المرض في المراحل المتقدمة.
والمرض شائع في المناطق الفقيرة والريفية، ويصيب النساء أكثر من الرجال بسبب المخالطة المكثفة للأطفال، ويعتبر تحسين الظروف الصحية والنظافة الشخصية، مكافحة الذباب، والعلاج المبكر بالمضادات الحيوية، أهم وسائل الوقاية، كما تشمل بعض الحالات تدخلات جراحية لتصحيح انحراف الرموش.
جهود مصر في القضاء على التراخوما
و أظهر المسح الوطني الذي أجرته مصر بين 2015 و2025 انخفاضًا مستمرًا في حالات التراخوما النشطة بين الأطفال، إلى جانب انخفاض كبير في مضاعفات العمى بين البالغين، حيث وصلت المؤشرات إلى مستويات أقل من الحدود التي تحددها منظمة الصحة العالمية للقضاء على المرض كقضية صحية عامة، ويمثل هذا الإنجاز نجاحًا تاريخيًا لمصر في مكافحة المرض، ويعكس التزامها المستمر بتحسين الصحة العامة والقضاء على الأمراض المعدية.
ويؤكد خبراء الصحة، أن استراتيجية SAFE كانت العامل الرئيس في هذا النجاح، حيث مكنت من تقديم العلاج المبكر، إزالة العوائق الصحية، وتحسين البيئة المحيطة بالمجتمعات المعرضة للمرض.
الوضع العالمي للتراخوما
على الصعيد الدولي، لا يزال مرض التراخوما يهدد نحو 103 ملايين شخص يعيشون في مناطق موبوءة، خاصة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، ومع ذلك، تواصل البرامج العالمية تنفيذ استراتيجية SAFE للقضاء على المرض بحلول عام 2030، مع تسجيل نجاحات ملموسة في دول مثل تنزانيا والسنغال، حيث تم تقليص انتشار المرض بشكل كبير وتحسين مؤشرات الصحة البصرية للسكان.
يشكل إعلان مصر عن القضاء على التراخوما نقطة مضيئة في سجل الصحة العامة الوطنية، ويؤكد وأهمية البرامج الصحية المتكاملة، والشراكات الدولية، والالتزام الحكومي المتواصل، ويظل التراخوما تحديًا عالميًا، يتطلب مراقبة مستمرة، تحسين النظافة العامة، وتطبيق استراتيجيات الوقاية والعلاج في الدول المتأثرة، لضمان مستقبل صحي للجيل القادم وحماية ملايين الأشخاص من فقدان البصر.
















0 تعليق