كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الإسرائيلية، عن تفاقم الخلاف بين وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس أركان جيش الاحتلال إيال زمير، على خلفية تجميد سلسلة من التعيينات فى صفوف الضباط الكبار، ما أثار حالة من التوتر فى قمة المؤسسة العسكرية، وسط تحذيرات من أن هذه الأزمة تُعطل قرارات حاسمة وتمس المعنويات داخل صفوف الجيش.
وتابعت الصحيفة أن الأزمة بدأت عندما رفض وزير الدفاع المصادقة على تعيين تامير بوليتيس- المرشح الذى اختاره رئيس الأركان- ليشغل منصب الملحق العسكرى للجيش الإسرائيلى فى واشنطن، وهو منصب يُعد من بين الأدوار الأكثر أهمية فى هيئة الأركان العامة.
ويصر وزير الدفاع على تعيين سكرتيره العسكرى العميد جاى ماركيزانو فى هذا المنصب، بحجة أنه يمتلك الخبرة والعلاقات السياسية المطلوبة لإدارة التنسيق العسكرى مع الولايات المتحدة، وأنه يحظى بدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأضافت الصحيفة أن هذا الرفض أدى إلى تجميد سلسلة أخرى من التعيينات الحساسة، بما فى ذلك منصبا قائد سلاح الجو وقائد سلاح البحرية، ما جعل المؤسسة العسكرية تعانى حالة من الجمود القيادى غير المسبوقة.
وفى ظل استمرار الخلاف، قرر رئيس الأركان تجاوز حالة الانتظار، وأعلن أن الجنرال هيدى زيلبرمان، الملحق العسكرى الحالى فى واشنطن، سيتولى رسميًا رئاسة شعبة التخطيط فى هيئة الأركان العامة فى ٢١ ديسمبر المقبل، وهو أحد المناصب الأساسية المسئولة عن بناء القوة المستقبلية للجيش.
وبسبب تجميد التعيين فى واشنطن، سيجرى تكليف ضابط برتبة عميد- الملحق الجوى فى الولايات المتحدة- بتولى المنصب مؤقتًا إلى حين حسم الخلاف.
ويعد زيلبرمان من أبرز الضباط ذوى الخبرة فى شعبة التخطيط، إذ سبق أن شغل مناصب قيادية مؤثرة فى هذا المجال.
وقرر زمير تعيين العميد عومر تيسلر، رئيس أركان سلاح الجو، ليكون القائد المقبل للسلاح، لما يتمتع به من كفاءة عالية وسجل ميدانى متميز، لكن كاتس رفض المصادقة على القرار، بحجة أن الضابط شغل منصبًا عملياتيًا أثناء هجمات السابع من أكتوبر، ما يتعارض مع شروط الترقيات الحالية.
أما تعيين الجنرال أيل هارئيل قائدًا لسلاح البحرية، وهو قرار كان يحظى بتوافق مبدئى بين الوزير ورئيس الأركان، فقد جرى تجميده أيضًا، ما أثار غضبًا واسعًا فى صفوف القيادة العسكرية.
وعبر مسئولون كبار فى جيش الاحتلال الإسرائيلى عن غضبهم من استمرار تعطيل القرارات، مؤكدين أن الوضع الحالى يخلق فراغًا قياديًا ويؤثر سلبًا على المعنويات فى المستويات الميدانية.
وأشار المسئولون إلى أن تأجيل المصادقات على هذه التعيينات يمنع تجديد القيادات فى الأذرع المختلفة للجيش، ويؤخر اتخاذ قرارات استراتيجية تتعلق ببناء القوة والتخطيط العملياتى.
وفى بيان رسمى، أوضح جيش الاحتلال أن رئيس الأركان حصل على موافقة وزير الدفاع لتعيين رئيس شعبة التخطيط منذ عدة أشهر، وأن موعد تبادل المناصب جرى تحديده هذا الأسبوع، فيما سيستمر الملحق الجوى فى تأدية مهامه مؤقتًا للحفاظ على استمرارية القيادة إلى حين صدور القرار النهائى.
وأكدت مصادر عسكرية أن تصاعد الخلافات بين القيادة السياسية والعسكرية يعكس أزمة ثقة متزايدة داخل منظومة الأمن الإسرائيلية.
وأوضحت المصادر أن التأخيرات المتكررة فى التعيينات الحساسة تُعرقل عمل هيئة الأركان وتُضعف فاعلية القرارات الاستراتيجية، فى وقت تواجه فيه إسرائيل تحديات أمنية متفاقمة على أكثر من جبهة.
ويرى مراقبون أن استمرار الصراع بين كاتس وزمير لا يهدد فقط هيكل القيادة العسكرية، بل قد يؤدى إلى أضرار طويلة المدى فى أداء الجيش ومستوى التنسيق بين القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية، خصوصًا فى ظل حاجة الجيش إلى استقرار داخلى بعد أشهر من الحرب والتوترات الإقليمية المستمرة.
ويواجه جيش الاحتلال الإسرائيلى إحدى أخطر الأزمات خلال السنوات الأخيرة، بعد تزايد ظاهرة مغادرة آلاف الضباط وأفراد الخدمة الدائمة مواقعهم وطلبهم إنهاء خدمتهم العسكرية مبكرًا.
وحسب القناة الـ١٢، الإسرائيلية، تشمل الأزمة ضباطًا من رتب متوسطة، تتراوح بين رتبتىّ نقيب ومقدم، وهى ظاهرة تتسع لتشمل مختلف الأفرع والوحدات فى جيش الاحتلال الإسرائيلى، ما دفع رئيس الأركان إلى التعامل معها بشكل شخصى ومكثف.
وتابعت أن جذور الأزمة ترجع إلى مزيج من العوامل، أبرزها الإرهاق الناتج عن الحرب المستمرة منذ أشهر طويلة، وتدهور ظروف الخدمة، فضلًا عن حالة الإحباط التى أصابت الجنود وضباط جيش الاحتلال؛ جراء حملات الانتقاد السياسية والتصريحات التى اعتُبرت مسيئة من قبل بعض السياسيين الإسرائيليين.
كما أشار محللون عسكريون إلى أن طريقة إجراء التعيينات الأخيرة داخل جيش الاحتلال أثارت مخاوف بين الضباط، إذ بدت شبيهة بالإجراءات المتبعة فى جهاز الشرطة، ما أثار القلق من تآكل المهنية داخل المؤسسة العسكرية. ورأى مسئولون عسكريون أن هذه الموجة من الاستقالات لا تُعد مسألة إدارية عابرة، بل تمس صميم هيكل جيش الاحتلال الإسرائيلى فى السنوات المقبلة، إذ إن الضباط من الرتب المتوسطة يمثلون العمود الفقرى الذى يُبنى عليه نظام القيادة المستقبلية.
ودفع حجم الأزمة وخطورتها رئيس الأركان إلى التدخل المباشر، بينما يعمل رئيس شعبة القوى البشرية، ددو بار كليفا، على إعداد خطة لمعالجة أوضاع الخدمة وتحسين بيئة العمل للضباط ومنع أى تشريعات جديدة قد تؤدى إلى تدهور إضافى فى شروط الخدمة.
ورغم الجهود المبذولة، أكد مسئولون عسكريون أن المسار ما زال طويلًا وغير واضح النتائج، وأن الطريقة التى ستُدار بها هذه الأزمة ستحدد إلى حد كبير شكل ومستوى أداء الجيش فى السنوات المقبلة.
وفى محاولة لوقف نزيف الكفاءات، أقرت حكومة الاحتلال الإسرائيلية، مؤخرًا، دعمًا ماليًا ضخمًا بلغت قيمته ٣.٢٥ مليار شيكل، سيجرى توزيعه على ميزانية السنوات من ٢٠٢٥ حتى ٢٠٢٩.
ويتضمن القرار حزمة حوافز ومكافآت جديدة للعاملين فى الخدمة الدائمة، إضافة إلى إنشاء صندوق دعم اقتصادى ونفسى مخصص لهم ولأسرهم، فضلًا عن تخصيص محفظة رقمية شخصية بقيمة آلاف الشيكلات لتغطية نفقات الخدمات والأنشطة الترفيهية والاجتماعية.
وعقب اعتماد القرار، أكد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أن الحكومة تقف إلى جانب جنود وضباط الخدمة الدائمة، الذين وصفهم بأنهم «العمود الفقرى» لجيش الاحتلال الإسرائيلى، مشيرًا إلى أن الخطوة الجديدة ستعزز الدعم المقدم لهم فى مجالات السكن والتعليم والمزايا الاجتماعية.
وأضاف نتنياهو أن بلاده ستواصل تقوية الجيش ودعم جنوده النظاميين والاحتياطيين وأسرهم، باعتبارهم يستحقون أقصى درجات التقدير والمساندة.
فى المقابل، وفى اليوم ذاته الذى أُقر فيه القرار الحكومى، بعث جيش الاحتلال برسالة عاجلة إلى عناصره الدائمين لتحذيرهم من مسودة خطة اقتصادية جديدة صاغتها وزارة المالية للعام المقبل، تضمنت تغييرات جوهرية فى شروط التوظيف والأجور. وأكد جيش الاحتلال أن المسودة نُشرت دون أى تنسيق مسبق، معتبرًا ذلك إجراءً أحاديًا.










0 تعليق