يشهد المشهد السياسي في إسرائيل حالة تفكك متزايدة بفعل الصراعات الداخلية التي بدأت تنعكس بشكل مباشر على مراكز القرار وعلى تماسك الجبهة السياسية والعسكرية، وتشير التحليلات السياسية إلى أن الأزمة بين الحكومة والمعارضة، إضافة إلى الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم نفسه، جعلت المشهد أقرب إلى صراع سياسي بين شخصيات وتيارات متباينة أكثر منه خلافًا حول السياسات العامة.
ويؤكد المحلل السياسي الفلسطيني شرحبيل الغريب، أن تفاقم الانقسام جاء بعد الحرب الأخيرة وما تبعها من انتقادات حادة لأداء الحكومة، ما أدى إلى ضعف ثقة الجمهور بالمؤسسات الرسمية، وتصاعد التوتر بين القيادة العسكرية والسياسية، كما ساهمت المظاهرات والضغوط الشعبية في تكريس حالة الشلل السياسي، فيما تستغل أطراف داخلية وخارجية هذا الارتباك لتعزيز مواقعها.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"الدستور" أن تفكك المشهد السياسي في إسرائيل يعكس أزمة بنيوية عميقة تهدد استقرار النظام وتضعف قدرة تل أبيب على إدارة ملفاتها الداخلية والخارجية بفاعلية.
وأشار إلى أن عمليات الاعتقال الأخيرة والتسريبات الإعلامية في إسرائيل تعكس تصاعد حالة الصراع داخل المنظومة السياسية والأمنية، وهو ما يدل على هشاشة الجبهة الداخلية وتراجع الثقة بين القيادات، هذا التوتر يغذي بدوره الانقسام المجتمعي ويزيد من حدة الانتقادات للحكومة، الأمر الذي يهدد بمزيد من الاضطراب ويقوض الاستقرار الداخلي في مرحلة حرجة من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
وفي ما يتعلق بالاستراتيجية التي يعتمدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يرى “الغريب” أن هناك محاولات واضحة لتصدير الأزمات خارجيًا بغرض صرف الأنظار عن الأزمات الداخلية المتصاعدة، مشيرًا إلى أن الوجهة قد تكون لبنان.
تصعيد الخطاب
وأوضح، أن نتنياهو يسعى إلى تصعيد الخطاب تجاه جبهات خارجية، واستثمار العمليات الأمنية والعسكرية لتوحيد الرأي العام خلفه، كما يوجه الإعلام نحو تهديدات خارجية للتقليل من التركيز على الخلافات داخل حكومته والاحتجاجات ضده.
وأكد أن هذه السياسة تمنح نتنياهو هامشًا مؤقتًا للمناورة، لكنها في الوقت ذاته تزيد عزلة إسرائيل وتعمق الانقسام الداخلي مع استمرار فقدان الثقة بقيادته.
وتنعكس هذه الأزمات الداخلية مباشرة على كفاءة إدارة العمليات العسكرية، إذ تؤدي الخلافات السياسية القائمة وتآكل الثقة بالقيادة إلى اضطراب عملية اتخاذ القرار، كما تؤدي إلى ضعف التنسيق بين المستويات العسكرية والسياسية، ورفع منسوب التباين بينهم، ما يحد من قدرة الجيش على الحفاظ على جبهة داخلية متماسكة.
ويشير "الغريب" إلى أن هذا الانقسام يربك الخطط الميدانية ويؤثر على معنويات القوات، فيما تعزز التسريبات والاتهامات المتبادلة صورة الارتباك أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، ما يضعف فعالية إسرائيل في إدارة الصراع على عدة جبهات، حتى لو بدا المشهد العسكري باردًا نسبيًا.
وبحسب "الغريب"، فإن التوترات الداخلية الحالية قد تمهد الطريق لتغييرات سياسية جذرية إذا استمرت الاحتجاجات وتصاعدت الانقسامات داخل الحكومة والكنيست.
وأوضح، أن الأزمات المستمرة تزيد الضغط على قيادات الصف الأول، بما في ذلك نتنياهو، وقد تدفع إلى استقالات أو إعادة تشكيل حكومي لتجنب فقدان السيطرة على المشهد في ظل تراجع الثقة الشعبية والسياسية.
وأشار إلى أن خيارات الحل السياسي العاجل تصبح محدودة، ما يجعل انعكاسات المشهد السياسي المحتمل شديدة، وقد تحمل تحولات غير متوقعة في قيادة دولة الاحتلال خلال الفترة المقبلة.
ورأى "الغريب" أن بقاء نتنياهو في السلطة قد يعتمد على عدة سيناريوهات، أبرزها تكوين تحالفات برلمانية، تعزيز خطاب التهديدات الخارجية، إثارة موضوع التطبيع مع دول جديدة، إعادة ترتيب الحكومة لضمان الولاء، والمراهنة على الوقت وانشغال الجمهور بالقضايا الأمنية لتخفيف الضغط الداخلي.
وأوضح أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو تعزيز خطاب التهديدات الخارجية والمراهنة على انشغال الجمهور بالقضايا الأمنية، إذ يوفر له غطاءً شعبيًا مؤقتًا ويشتت التركيز عن أزماته الداخلية دون الحاجة لتنازلات كبيرة.
ولفت "الغريب" إلى أن إسرائيل تمر بمرحلة حرجة من الصراعات الداخلية والخارجية، وأن استمرار الانقسامات الداخلية قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في المشهد السياسي والعسكري خلال الأشهر المقبلة، مع انعكاسات مباشرة على استقرار الدولة وقدرتها على إدارة ملفاتها الاستراتيجية بفاعلية.














0 تعليق